فورين أفيرز: هل ستؤثر حرب غزة على خطط التحوّل الوطني السعودية؟

> «الأيام» القدس العربي:

>
تساءل أستاذ دراسات الشرق الأدنى في جامعة برنستون برنارد هيكل عن أثر الحرب في غزة على خطط التحوّل الوطني في السعودية.

في مقال نشرته مجلة “فورين أفيرز”، أشار الباحث إلى أن الحملة الإسرائيلية على غزة خلقت مأزقاً لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.

فغزة تحكمها “حماس”، التي تدعمها إيران والجماعات المتحالفة معها، والتي تعادي السعودية. ومن جهة أخرى تحظى القضية الفلسطينية بشعبية بين السعوديين، ويجب على الحكومة السعودية الوقوف مع الفلسطينيين، الذين يُنظر إليهم في جميع أنحاء العالمين العربي والإسلامي على أنهم ضحايا العدوان والاحتلال الإسرائيلي.

هذا أمر، أما الأمر الآخر، فالسعودية راغبة في تعزيز أمنها، وتأمل بإنشاء تحالف أمني مع إسرائيل وحلفاء الولايات المتحدة عبر إطار تطبيع. لكن الرياض لن تقدم على أي خطوات بهذا الاتجاه وإسرائيل تقصف المدنيين وترفض الاعتراف بحق الفلسطينيين في إقامة دولتهم.

وبعيداً عن هذا المأزق الذي تفرضه الشروط الإقليمية، فالسعودية لم تنظر للتطبيع على أنه الطريق الوحيد لحماية الحكم في البلاد، فهناك الاقتصاد الذي يمكن من خلاله تقوية ساعد النظام. ومن هنا نبعت خطة التحوّل عن عصر النفط وتطوير القطاعات غير النفطية، مثل السياحة والتعدين والخدمات اللوجستية والتصنيع والتكنولوجيا والتمويل والنقل. إلى جانب هذا تقوم الدولة بسلسلة من التغيرات الاجتماعية والأيديولوجية، فلم تعد تستند، كما في الماضي، على التحالف بين العائلة المالكة والحركة الوهابية، أو دور الملك كخادم للحرمين الشريفين، بل تؤكد الدولة على البعد الوطني والقومي في البلاد، وأنها باتت حامية للشعب السعودي.

 إلا أن الحرب على غزة عقّدت مسار التحول، فالمملكة تهدف للتطبيع مع إسرائيل، ولكن بسعر عالٍ مقابل العلاقات الدبلوماسية. ويصر السعوديون الآن على أن يقدم الإسرائيليون تنازلات مضمونة من شأنها أن تؤدي إلى إنشاء دولة فلسطينية قابلة للحياة. كما أنهم يحاولون إقناع واشنطن بالاعتراف رسمياً بدولة فلسطين، التي لا تزال غير ملموسة، بينما يدعون مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة إلى القيام بذلك أيضاً.

وهناك دافع آخر للسعودية من وراء هذا، فهي ترى أن حلاً عادلاً للنزاع الإسرائيلي- الفلسطيني سيضعف طهران ويقود لاستقرار المنطقة، ويعطي بالضرورة السعودية الفرصة للتركيز على مظاهر تحوّلها الوطني، وتحويل المملكة إلى مركز تنمية وتطور.

وأشار الكاتب إلى أن هدف ولي العهد السعودي جعل المملكة “طبيعية”، أي تحويلها لمجتمع مفتوح متقدّم اقتصادياً، مع أن النظام السياسي سيظل كما هو. فمن ناحية لن تتدخل الدولة في طبيعة التديّن، ولا كيفية ارتداء المرأة الزيّ، أو اختلاطها مع الرجال في الأماكن العامة. وكل هذا سيؤدي لاستثمارات وسياحة في البلاد ستضع عصر النفط في الخلف.

ولتعزيز هذه الرؤية باتت البلاد تحتفل بالعيد الوطني، وهو عيد غير ديني، كما باتت تركز على رؤية 2030 وتشجيع السياحة، حيث تم التركيز على التراث الثقافي للجزيرة ما قبل الإسلام وإقامة المهرجانات، كما فعلت في واحة العلا.

وقامت الدولة بإعادة كتابة التاريخ والمناهج الدراسية التي تركّز على دور المملكة في توحيد المنطقة، والتأكيد على الثقافة العربية، وليس الإحياء الديني الذي ظل أساس التعليم في المملكة.

ولم تعد الرياض تولي اهتماماً للأيديولوجيات العابرة للدول، وعلى خلاف إيران، لم تعد تقدّم نفسها كمدافعة عن القضايا الإسلامية، سواء في الصين أو معاناة مسلمي الهند في ظل حكومة المتطرفين القومية، ولا تهتم كثيراً بالسرديات التي يفرضها الغرب على عالم الجنوب. وباتت تنظر لقضية فلسطين  باعتبارها قومية وليست قضية إسلامية. وترى السعودية في الحركات العابرة للحدود تهديداً عليها، ولهذا حظرت الكثير منها، بما فيها جماعة “الإخوان المسلمين”.

 وبالمحصلة أصبحت رؤية السعودية نيوليبرالية تكنولوجية. فهي لا تهتم بما تروّج إليه أنظمة إسلامية كإيران، بل على العكس، وترعى مهرجانات فنية وموسيقية يشارك فيها فنانون من الغرب، ومن النادر أن يرتدي المشاركون فيها الزي السعودي التقليدي.

وترى الحكومة السعودية الترفيه جزءاً من تنمية الاقتصاد المحلي، وبديلاً للسعوديين عن الاصطياف في الخارج.

ويرى الكاتب أن المبادرات الحالية يمكن أن تساعد على ازدهار السعودية وتوسيع شعبية النظام الحاكم، لكن بدون سلام في المنطقة لن تنجح المبادرات القائمة والمخطط لها. وقد توصل ولي العهد إلى هذا المنطق بعد سنوات من السياسة الحازمة في اليمن ومع قطر وإيران، مما عرض المملكة لأخطار، كما هجوم أيلول/سبتمبر 2019، وضربات الحوثيين للمدن السعودية بصواريخ كروز والمسيّرات.

وفي آذار/ مارس 2022، استهدف الحوثيون مستودعاً للنفط في مطار جدة، ما أدى تقريباً إلى منع سباق الجائزة الكبرى للفورمولا 1 الذي عملت السعودية جاهدة على جلبه إلى أراضيها. واستبدلت السعودية سياستها الحازمة بالتصالحية مع منافسيها، فقد أنهت الحصار المفروض على قطر في يناير 2021، وبدأت التفاوض على سلسلة من الهدن وتبادل الأسرى مع الحوثيين، في منتصف عام 2022.

وفي مارس 2023، وقعت اتفاقية انفراج مع إيران استأنفت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.

وفي كانون الأول/ ديسمبر 2023، أقرّ السعوديون اتفاق خارطة الطريق للسلام لإنهاء الحرب في اليمن، وهم يتفاوضون مباشرة مع الحوثيين. ومن خلال القيام بذلك، اعترفت الرياض فعلياً بالحوثيين، باعتبارهم لاعبين رئيسيين في المستقبل السياسي لليمن.

وتظل التهديدات الإقليمية قائمة في ظل مخاوف من عدم استعداد الولايات المتحدة للدفاع عن السعودية ودول الخليج بشكل عام، وهو ما بدا من موقف ترامب، في عام 2019، بعد استهداف المنشآت النفطية السعودية. ومن  هنا تبنّت السعودية نهجاً تحوطياً لحماية نفسها في المستقبل، مثل بناء علاقات قوية مع الصين والهند وروسيا. ويساعد هذا التحوط في تفسير سبب رفض السعودية الانضمام إلى التحالف البحري الذي تقوده الولايات المتحدة لوقف هجمات الحوثيين على السفن في البحر الأحمر.

ويتوقع السعوديون تفوق مصالحهم الاقتصادية، مع مرور الوقت، على الالتزامات الأيديولوجية الأكثر تشدداً. ولذلك فإن الرياض حريصة على بناء علاقات مالية واستثمارية مع إيران ومع الحوثيين، على أمل أن تؤدي هذه المصالح الخاصة إلى حماية المملكة في نهاية المطاف من أعمالهم العدوانية.

لكن محمد بن سلمان ليس ساذجاً بشأن رغبة أعدائه في الإضرار ببلاده، كما أنه ليس ساذجاً بشأن قدراتهم. ولن تصبح إيران وحلفاؤها أصدقاء للسعودية أبداً، كما أن إسرائيل والولايات المتحدة أقوى عسكرياً من أن تتمكن من هزيمتها بالكامل.

فقد شهدت السعودية محاولات جمال عبد الناصر في مصر نشر الأيديولوجية الثورية العربية، كما فعل صدام حسين في العراق من خلال حركته السياسية البعثية وكانت النتائج كارثية.
لايوجد حل عسكري قادر على إقامة دولة فلسطينية، ولا توجد طريقة لإجبار الولايات المتحدة على الخروج من الشرق الأوسط.

ومع ذلك، يأمل السعوديون أن تصبح واشنطن أكثر انخراطاً في المنطقة. وكان سعي ولي العهد لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، جزئياً، وسيلة للحصول على اتفاقية أمنية أوسع مع الولايات المتحدة.

وفي مقابل سفارة سعودية في إسرائيل، أرادت المملكة إبرام معاهدة دفاع مشترك مع واشنطن من شأنها حماية السعودية من أي هجوم خارجي ومنحها برنامجاً نووياً تديره الولايات المتحدة.

وستصبح المملكة بعد ذلك حليفاً إستراتيجياً للولايات المتحدة، مع وضع مماثل لوضع اليابان أو كوريا الجنوبية. وسيكون هذا لو حدث إنجاز كبير للرياض، وربما كان  أهم من إقامة العلاقة بين مؤسس المملكة، ابن سعود، والرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت في عام 1945، والتي بشرت بعقود من التعاون بين البلدين وتقدّم اقتصادي مذهل.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى