صراع النفوذ في المهرة يسابق ترتيبات السلام باليمن

> "الأيام" العرب:

> ​دشّنت جهات سياسية وإعلامية تعلن انتماءها لمحافظة المهرة بشرق اليمن وترفع شعارات الدفاع عنها، حملة على المملكة العربية السعودية تقوم على اتّهامها باستخدام محاربة الإرهاب ذريعة للتدخّل في المحافظة تمهيدا للسيطرة عليها نظرا لموقعها الإستراتيجي وامتلاكها لأطول ساحل يمني على بحر العرب.

وجاء ذلك انعكاسا لحساسية الوضع في المهرة بسبب اشتداد الصراع على النفوذ داخلها، والمرشّح للتصاعد مع تقدّم جهود البحث عن حلّ سلمي للصراع اليمني وما قد تفضي إليه تلك الجهود من ترتيبات للوضع النهائي في البلد.

ويدور الصراع بشكل أساسي بين كل من سلطنة عمان التي تعتبر المهرة عمقا إستراتيجيا لها ومجالا حيويا لتأمين مصالحها وتعوّل على ارتباطات تاريخية وتداخلات قبلية معها، والسعودية التي تحرّكها رغبة جامحة في ضمان منفذ لها على بحر الحرب ومن ثم على المحيط الهندي، وترى في بسط نفوذها في كل من المهرة وحضرموت المجاورة لها ضمانة لتحقيق هدفها.

وتحاول كل من الدولتين تفادي أي احتكاك مباشر مع الأخرى، ولذلك تديران صراعهما بالوكالة باستخدام أذرع محلية.

وتشارك عناصر من الفرع اليمني لجماعة الإخوان المسلمين في الصراع من خلال انحيازها إلى صفّ عمان ضد السعودية، رغم ما في ذلك من خروج عن الخطّ السياسي لحزب التجمّع اليمني للإصلاح فرع جماعة الإخوان في اليمن، والذي يحرص على مهادنة المملكة بالنظر إلى مشاركته سياسيا وعسكريا في السلطة الشرعية المدعومة بقوّة من الرياض ويقودها في الوقت الحالي رشاد العليمي رئيس مجلس القيادة الرئاسي.

وتتهم الجهات المناهضة لنفوذ السعودية في المهرة بشكل صريح سلطة العليمي بما في ذلك الأجهزة الأمنية والعسكرية التابعة لها بالعمل لمصلحة الرياض وتمهيد الطريق لها للسيطرة على المحافظة.

وانطلقت الحملة التي شاركت فيها وسائل إعلام وشخصيات ذات توجّهات إخوانية وولاءات متعدّدة لسلطنة عمان وقطر وتركيا من خبر "بسيط" نشر هذا الأسبوع بشأن تفكيك “خلية كانت تخطط للقيام بأعمال إرهابية في محافظة المهرة”.

وأوردت الخبرَ وكالة سبأ في نسختها التابعة للحكومة اليمنية المعترف بها دوليا ونقلا عن "مصدر مسؤول في وزارة الداخلية” قال إنّ "الأجهزة الأمنية في المهرة تمكنت بنجاح من القبض على عشرة من العناصر كانوا يخططون للقيام بأعمال إرهابية في أماكن متفرقة من المحافظة”، مشيرا إلى أن “عملية تتبّع ورصد هذه العناصر كانت نوعية ومعقدة واستمرت لعدة أشهر حتى تم القبض على كافة عناصر الخلية الأحد الماضي”.

ورغم أنّ الخبر بدا يمنيا خالصا إلاّ أن الهجوم الإعلامي اتّجه رأسا إلى السعودية، وذلك انطلاقا من نظرة الجهات التي حرّكته، إلى السلطة اليمنية باعتبارها خاضعة بشكل كامل للرياض وتسهر على تنفيذ سياساتها في اليمن.

ونشرت قناة المهرية الممولة من قبل قطر وتديرها من تركيا عناصر إخوانية تقريرا على موقعها الإلكتروني حمل عنوان “السعودية ورحلة البحث عن مبررات ومزاعم لاحتلال المهرة”، نفت فيه أن يكون هناك أي وجود لتنظيمي القاعدة وداعش في المهرة، معتبرة ما ينشر من أخبار بشأن تفكيك خلايا لهما في المحافظة محض اختلاق من السعودية لتبرير وجود قواتها هناك.

وعرض التقرير للخبر الأخير الصادر عن الداخلية اليمنية بشأن إحباط مخطط إرهابي وتوقيف عناصر كانت تستعد لتنفيذه في المهرة وقارنه بسلسلة أخبار سابقة شبيهة له من بينها الإعلان في يوليو الماضي عن ضبط مسؤول الاستخبارات في تنظيم داعش الذي يدعى عبيدة الرزج ويحمل الجنسية السورية، وكذلك إعلان القوات الخاصة السعودية صيف سنة 2019 عن تنفيذ عملية في المحافظة تكمنت خلالها من إلقاء القبض على زعيم تنظيم داعش في اليمن الملقب بأبي أسامة المهاجر.

وبحسب التقرير، فإنّ تلك الوقائع التي تشير إلى تغلغل الإرهاب في المهرة لا أساس لها من الصحّة وهي على حدّ تعبير المحرّر مجرّد تكتيك سعودي لتسليط “الضغط على قبائل المهرة وتياراتها الاجتماعية الرافضة لوجود المملكة فيها”.

واستأنس التقرير برأي الباحث السياسي منتصر السقطري الذي قال إنّ “إعلان القبض على خلية إرهابية في المهرة يهدف إلى استكمال سيناريو السيطرة على المحافظة المسالمة بمحاولة إيجاد مبررات لتواجد القوات السعودية برفقة القوات البريطانية والأميركية فيها”.

وأضاف قوله “نعيش في المهرة منذ سنين ولم نعرف ولم نسمع بالإرهاب في المحافظة حتى جاءت القوات السعودية في نوفمبر 2017، وبعدها بدأ ظهور الشائعات عن الإرهاب وتواجده في المحافظة التي لا تعرف غير السلام”.

كما هاجم السقطري الحكومة اليمنية، قائلا إنّ إعلانها “القبض على خلية إرهابية مكونة من عشرة أشخاص هو تنفيذ لأمر الكفيل السعودي”، وفق تعبيره.

وذهب التقرير حدّ التشكيك في حقيقة الإعلان عن إلقاء القبض على أشخاص باعتبارهم قادة للتنظيمات الإرهابية في المهرة. وقال بشأن توقيف أمير داعش أبي أسامة المهاجر في مدينة الغيضة قبل سنوات إنّ العملية مدبّرة بالتواطؤ مع محافظ المهرة السابق راجح باكريت الذي قام، حسب محرّر تقرير “المهرية”، باستدراج الرجل واستأجر له شقة سكنية ثم قامت القوات السعودية بالقبض عليه ليكون بمثابة إنجاز للمملكة “تحاول من خلاله شرعنة وجودها العسكري في محافظ المهرة”.

وعلّق علي الشريف مختص العلوم السياسية على هذا السيناريو، الذي تشي غرابته باشتداد الصراع على النفوذ في المهرة واقترابه من تجاوز الخطوط الحمر التي روعيت فيه إلى حدّ الآن، بالقول “إنّ هذه ليست المرة الأولى التي تسعى فيها السعودية إلى نشر الإشاعات عن تواجد الإرهاب في محافظة المهرة ولنشر الفوضى فيها عبر المؤامرات المخطط لها مسبقا، بل سبق لها وأن حاولت عبر أدواتها بعدة أساليب وعدة خطط”.

وأضاف الشريف لموقع القناة المذكورة أنّ “تكاتف أبناء المهرة جميعا ضد مشروع الاحتلال السعودي هو العائق أمام تحرّكات الرياض، وهذا الأمر شكّل صعوبة أمامها لذا لجأت إلى أدواتها في الحكومة لتشويه المحافظة عبر الإعلانات المتكررة عن القبض على خلايا إرهابية”.

وتابع قوله “لا تختلف حادثة القبض على خلية إرهابية مؤخرا في المهرة عن غيرها من الحوادث السابقة طوال السنوات الماضية كونها لا تخلو من توظيف مدروس بالنظر إلى دلالات توقيتها ومكانها، فالحادثة وقعت على وقع التوترات في البحر الأحمر والبحر العربي وحاجة السعودية إلى كشف تواجد القوات البريطانية والأميركية في المهرة، لإرسال رسائل لإيران بأننا قريبون”.

وتعتبر المهرة من أكثر محافظات اليمن استقرارا ليس فقط بسبب موقعها في أقصى شرق اليمن وبُعدها عن تأثيرات الحرب الدائرة في البلد منذ أكثر من تسع سنوات، ولكن أيضا لوقوعها ضمن دائرة النفوذ والتأثير العمانييْن واللذين ساهما في حمايتها من تهديدات الحوثيين والإخوان المسلمين على حدّ سواء بفعل العلاقة الجيدة للفصيلين بالسلطات العمانية.

ويعتبر استقرار المحافظة من أسس الدعاية التي يمارسها حلفاء سلطنة عمان في المهرة لقطع الطريق على القوى المتصارعة على النفوذ في اليمن من التدخّل في شؤون المحافظة، وللبرهنة على أنّ الحضور العماني هناك هو حضور بنّاء ومكرّس للأمن والاستقرار.

وتقول مصادر سياسية مطّلعة على الصراع السعودي – العماني في المهرة إنّ سلطنة عمان تعتبر المحافظة جزءا لا يتجزّأ من عمقها الإستراتيجي ومجالها الحيوي، وأنّه سبق لها أن رفضت مقترحات سعودية بتقاسم النفوذ في المهرة.

ولتأمين نفوذها في المهرة، قامت سلطنة عمان بشكل مبكّر باستمالة شخصيات قبلية ورموز سياسية ذات نفوذ كبير في المحافظة وذهبت حدّ منحهم جنسيتها لتضفي قدرا من المشروعية على عملهم لحسابها بعيدا عن أي اتّهامات بالعمالة والتواطؤ مع جهات خارجية.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى