يا معشر القراء

> خامسًا: القارئ هو أولى الناس عنايةً بفهم ما يقرأ، خاصة مع تقادم سنوات إمامته، وقدرته على الرجوع لما خفي من المعاني.

إنني أعلم أن الوقت يضيق على القارئ في الشهر الكريم، وقد يذهب وقتٌ غير قليل على بعض القراء في مراجعة محفوظه، وهذا كلّه لا يعفيه من الحرص على تلمس معاني الغريب، كأدنى مرحلة تليق بمقامه، وكتب الغريب متوفرة مبذولة، وإلا فالأولى والأكمل أن يقرأ تفسيرًا مختصرًا لما يريد قراءته في الصلاة، فإن في هذا فوائد كثيرة، أهمها:

– تدبر ما يقرأه، مما يؤثر إيجابًا على حضور قلبه، وتأثره بما يتلو.

– ثبات هذه المعاني -أو أكثرها- في نفسه؛ لأنه قرأ المعنى، ثم تلا الآيات مستحضرًا لما وعى من المعاني.

– قوة تأثيرها على السامع الذي سيتأثر من القارئ الذي يُحسنُ الوقف، والابتداء، ونحو ذلك من علوم القرآن المرتبطة بفهم القارئ.

سادسًا: إسماعُ الناس لكتاب الله كاملًا من السنن المأثورة عن السلف الصالح -رضي الله عنهم- ولكن دون هذرمة، أو عجلة، بل بأناة، ودون إملال، بحيث تكون القراءة واضحة، يتحقق معها وضوح المتلوّ من الآيات.

ومن المحزن أنه في السنوات الأخيرة -وحرصًا على عدم تفلّت الناس عند بعضهم- حصل إخلال شديد، وتقصير عظيم في صلاة التراويح، وكأن السباق انتقل بين بعض الأئمة: أيهم ينتهي أولًا؟! وأصبحت الختمات تقسّم على سنوات! وبركعات قصيرة! بل ثبت عندي أن بعض الأئمة لا يزيد على ثلاثة أسطر في الركعة الواحدة!

ولا ريب أن هذا -إن كان الحامل عليه ما ذُكر- من قوادح الإخلاص!

والموفقُ من الأئمة من لم يلتفت لعدد من صلّى معه، بل يراعي السنة في ذلك، ولو لم يصل خلفَه إلا القليل، دون إخلال، ولا إملال. والله الموفق.

وقال ابن القيم -رحمه الله-: “فليس شيءٌ أنفع للعبد في معاشه ومعاده، وأقرب إلى نجاته من تدبر القرآن، وجمع الفكر على معاني آياته، فإنها تُطلع العبد على معالم الشر والخير بحذافيرها، ومآل أهلهما، وتجعل في يده مفاتيح كنوز السعادة والعلوم النافعة، وتثبت قواعد الإيمان في قلبه، وتريه صورة الدنيا والآخرة، والجنة والنار في قلبه، وتحضره بين الأمم، وتريه أيام الله -عز وجل- فيهم، وتبصره مواقع العبر، وترشده عدل الله تعالى وفضله وصراطه الموصل إليه، وما لسالكيه بعد الوصول والقدوم عليه، وتعرفه قواطع الطريق وآفاتها، وتعرفه النفس وصفاتها، ومفسدات الأعمال ومصححاتها".

إن تدبر القرآن يعالج أمراض القلوب ويطهرها من أوضارها، ويجيب على الشبهات، ويرد النزغات، ويطفئ نيران الشهوات؛ يقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ [يونس: 57].

ويقول القرطبي -رحمه الله-: “دل قوله تعالى: أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا [محمد: 24] دلت هذه الآية على وجوب التدبر في القرآن ليعرف معناه.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى