وثائق وبروتوكولات: الاستخفاف بحماس وسوء تقدير الأجهزة الأمنية قادا لـ 7 أكتوبر

> «الأيام» القدس العربي:

> يوم شتوي في حدود قطاع غزة. يتجول في المكان ضباط كبار؛ رئيس الأركان وجنرالات. ووزير الدفاع يتشرف بحضوره. تم إبقاء الحدث تحت غطاء معين من السرية؛ حسب المتحدث بلسان وزارة الدفاع، كان لا يجب الكشف عنه الآن. “هو حدث غيّر الواقع” ليس أقل من ذلك، أعلن رئيس الأركان. “ما كان قبله لن يكون بعده”.

هذه أقوال قيلت في مكان ما في كانون الأول 2021 وكان الموضوع احتفال تدشين العائق تحت الأرضي بتكلفة 3.5 مليار دولار. رئيس الأركان كان في حينه افيف كوخافي، والمشروع الذي تحدث عنه بتفاخر تم التخطيط له ليكون “جزءاً من الحائط الحديدي لنظرية الدفاع” الإسرائيلية.

بدا ذلك اليوم مثل حائط تذكاري لـ 7 أكتوبر، هو نصب تذكاري لـ “التصور”: أحد رجال الإعلام القلائل الذي كلف نفسه عناء القدوم إلى هذا الاحتفال، روعي عيدن، من سكان “كفار عزة”، ومصور في “واي نت” الذي قتل في يوم السبت ذاك، أيضاً زوجته سمدار التي قتلت، والابنة الصغيرة افيغيل التي اختطفت، وولدان بقيا وحدهما في البيت والأم تطوقهما.

التصور الذي بني طوال سنين انهار مثل هذا العائق. حقائق وبروتوكولات من نقاشات مغلقة وصلت إلى “هآرتس” في السنوات التي سبقت هجوم حماس، تكشف العملية حجراً بعد آخر، وتشير المواد إلى زيادة الثقة بالنفس من قبل القيادة العليا، وخوف الضباط من التعبير عن موقف مهني يعارض موقف كبار قادة المستوى السياسي – الأمني، وتضخيم متعمد لإنجازات عسكرية في جولات القتال في غزة، وفجوات استخبارية فيما يتعلق بزيادة قوة حماس، وبالأساس استخفاف بالعدو وغطرسة.

أحد الذين يظهرون بشكل متواتر على الشاشات في هذه الأيام وينتقل من مجموعة حوار إلى أخرى في التلفزيون ويحلل ويدعو ويتوسل، هو الجنرال احتياط تمير هايمان، والآن هو رئيس معهد بحوث الأمن القومي، وفي السابق شغل عدة مناصب في الجيش الأخير منها كان رئيس شعبة الاستخبارات، وهذه سيرة ذاتية مختصرة لخبير في شؤون حماس وغزة. هل هذا صحيح؟ في نقاشات مغلقة جرت في قاعدة في مركز البلاد قال هايمان إنه “من الممتع رؤية العملية التي تمر فيها حركة حماس. لديهم التزام بالسيادة الآخذة في التصاعد، وهذا يخلق التوتر لدى حماس، بين الرغبة في القتال وبين السيادة والقلق على البنى التحتية.

هذا مثال واحد. وثمة مثال آخر وهو تصريحاته بعد ما عرف بـ “التضليل” الذي جرى في إطار عملية “حارس الأسوار”، التي قصف فيها سلاح الجو بنى حماس التحتية ومنها التحتية أرضية بعد أن أرسل الجيش الإسرائيلي إشارات بنيته الدخول براً إلى القطاع، من خلال توقع أن يدخل رجال حماس إلى الأنفاق. “العملية الآن لا تسمح لهم بأن يكونوا آمنين تحت الأرض”، سارع هايمن إلى القول. “هذا يشبه نزع قدرة سلاح الجو لدينا. معظم خطط العملية التي أعدتها حماس طوال السنين تضررت وتم سحبها منها… لقد نجحنا في حل لغز شبكة الأنفاق في غزة. في اللحظة التي نعرف فيها مكان وجود أحد القادة تحت الأرض، هناك إمكانية للمس به بمهاجمته. حماس مبنية لإدارة حرب حتى 60 يوماً، هكذا بنت نفسها”. وبكلمات أخرى، كما قال هايمن، “كان لدينا انتصار تكتيكي تقريباً شبه مثالي”.

تخبرنا الكلمات التي اختارها هايمن عن أسلوبه كي يعرض بها التقدير الاستخباري في قطاع غزة في كانون الثاني 2021 أمام قادة كبار في قيادة المنطقة الجنوبية. ” كان يعيش عازبان عديما المسؤولية في شقة مشتركة واحدة، كانا يكرهان صاحبة البيت العجوز. العازبان هما حماس والجهاد الإسلامي، والعجوز هي فتح. “الأكبر من بينهما (حماس) تحمل المسؤولية وبدأ يدير المنزل، الأصغر (الجهاد) استمر عديم المسؤولية وفعل كل ما خطر بباله. ما المغزى؟ “ذات مرة عندما بالغ الفتى الصغير ضربته دولة إسرائيل بشكل مبرح (عملية الحزام الأسود). جلست حماس جانباً واعتبرته عقاباً تربوياً لفتى طائش. هكذا نفهم غزة”.

من هذه المواد تتضح الصورة التي بحسبها النقاشات في قيادة المنطقة الشمالية والمنطقة الجنوبية كانت مختلفة من حيث المضمون. كانت في الساحة الشمالية خلافات في الرأي بين الاستخبارات العسكرية وضباط القيادة والفرق التي في الميدان فيما يتعلق باستعداد حزب الله لشن حرب (وحول مسألة هل هو أكثر إخلاصاً للبنان أم لإيران)، كان في قيادة المنطقة الجنوبية خط واحد: لم تتحدّ جهة ما يوماً ما موقف المستويات العليا في الجيش الإسرائيلي والشاباك والمستوى السياسي. تبين الوثائق أن أعضاء القيادة لم يطرحوا تقديرات استخبارية خاصة بهم.

مثل قسم الاستخبارات أيضاً، اعتقد رئيس الأركان السابق أفيف كوخافي أن حماس خائفة جداً من إسرائيل، وفعلياً يقف أمامهم عدو مشترك يهدد الاستقرار في القطاع: الجهاد الاسلامي. “غزة، وبدرجة كبيرة، تعتمد على بهاء أبو العطا”، قال كوخافي في تشرين الأول 2019، وكان يقصد قائد اللواء الشمالي في “الجهاد الإسلامي”. “حماس تريد كبح الجهاد الاسلامي، لكنها لا تستطيع”. بعد شهر، اغتالت إسرائيل أبو العطا، الأمر الذي استهل عملية “الحزام الأسود”، التي فصل فيها الجيش الإسرائيلي للمرة الأولى بين التنظيمين البارزين في القطاع.

حتى بعد ذلك، بارك كوخافي الردع الكبير الذي وضعناه أمام حماس. “في غزة نهاجم أهدافاً لحماس مرتين في الأسبوع، هجمات قاسية جداً ولا يردون”، قال في شباط 2020، ولم يكتف بالردع الكبير في الجنوب. “لا يوجد سبب، بالتأكيد من جانب حزب الله أو حماس، لشن حرب مبادر إليها”. قبل نهاية تلك السنة، في كانون الأول، ازدادت الثقة بالردع أكثر. حماس، كما قال كوخافي، شاهدت الضرر الذي تسبب به “الجهاد الإسلامي” في عملية “الحزام الأسود” واستوعبت ذلك. “يمكن القول وبشكل قاطع إن أي عدو أمامنا يخاف من الدخول في حرب معنا”، قال. وماذا لو حدثت حرب ضد كل الاحتمالات؟ عندها، قال كوخافي، الجدول الزمني واضح، ولكنه لن يتقادم. “مجرد استمرار الحرب، مثلاً 50 يوماً، فهذا يعتبر انتصاراً للعدو “.

عملية “الحزام الأسود” بكل تفاصيلها وعدم مشاركة حماس في القتال، سرعت محاولة التسوية من قبل إسرائيل مع هذه المنظمة الإرهابية، بما في ذلك نقل حقائب الأموال. في الذاكرة القصيرة، سجلت الشخصيات الكبيرة هذا الأمر على أنه نجاح باهر.

“حماس ذهبت نحو التسوية والتهدئة وتم فتح فجوة بينها وبين “الجهاد الإسلامي”، التي خلقت التوتر بينهما”، قال هرتسي هليفي الذي كان يشغل في حينه قائد المنطقة الجنوبية، في تشرين الثاني 2019. “لا نرى من يمكنه تولي السلطة في القطاع بدلاً من حماس. رغم أننا غير مسرورين من ذلك ومن أن أجندة حماس، ما زالت حماس نوعاً أقل ضرراً من غيرها”. وماذا بعد؟ عملياً، نحن لا نطلق النار على حماس وهي لا تطلق النار علينا، قال هليفي بابتسام. “ربما تكون هناك صلية من حماس، لكن من المرجح أن تكون رمزية مع الغمز. ونعرف كيفية الغمز بشكل مؤلم”.

“لقد أوقعنا ضربة شديدة بالجهاد الإسلامي، ونزعنا منه قدرته العسكرية”، قال بثقة الجنرال اليعيزر طوليدانو في تشرين الثاني 2019. وأضاف من كان في حينه قائد فرقة غزة بأنه “حسب رأيي، حققنا كل الأهداف بصورة كاملة وبسرعة. لقد هاجمنا عشرات أهداف البنى التحتية الإرهابية لـ “الجهاد”، بما في ذلك بنهاه التحت أرضية”.

لكن طوليدانو لم يتفاخر فقط فيما يتعلق بما حدث في القطاع، بل عرف كيف يكثر من الحديث عن استعداد الجيش الإسرائيلي خارج القطاع. في تموز 2019 قدم تفصيلاً لتخطيط المجال الجديد للفرقة: “إقامة بنى تحتية استعداداً للحرب، ومواقع محصنة لإطلاق النار، وخط دفاع للحرب، وطرق مدنية في حالة الطوارئ من أجل الحفاظ على نسيج الحياة، واستعداد أكثر حكمة، والمزيد من التركيز والاستعداد العالي لقواتنا. هذه البنى التحتية تجعل الجيش الإسرائيلي يستعد في خط التماس بصورة خفية أمام حماس، القوات على خط التماس، لكن لا يمكن مشاهدتها في كل مكان”، وهو ما حدث في 7 أكتوبر.

الخطاب الإيجابي تجاه حماس وصل أحياناً إلى درجة أن المس بقواتها كان مقروناً كما يبدو بالاعتذار. هكذا كان الأمر في آب 2020، أيام إطلاق البالونات الحارقة من القطاع نحو الحقول في إسرائيل، عندما شارك قائد سلاح الجو في حينه، الجنرال عميكام نوركن، في نقاش في مقر وزارة الدفاع. موضوع النقاش كان: سياسة رد الجيش الإسرائيلي على أحداث أمنية قامت بها حماس ضد إسرائيل. “هدف واحد تمت مهاجمته، وهو منشأة لإنتاج المنظومات الجوية من المسيرات التي دمرت عن طريق مسيرة”، قال الجنرال. “لم تكن هناك نية لقتل نشطاء حماس”.

بعد عملية “حارس الأسوار”، تفاخر نوركن بنشاطات الجيش الإسرائيلي في النقاش الذي طلب فيه منه التحدث عن إنجازات العملية. “في هذه المعركة، كانت قوة الهجوم أكبر بكثير مقارنة بجولات سابقة”، قال. وخلافاً لمرات سابقة، حاول نوركن التوضيح فقال “في حارس الأسوار، ضرب الجيش الإسرائيلي أولاً منظومة الإنتاج في بداية القتال. نزعنا منهم القدرة على الإنتاج والتقدم”. وأضاف قائد سلاح الجو تقديراً يفيد بأن حماس ستحتاج على الأقل سنة من أجل استئناف التسلح. وأوضح: “نحن ننجح في إيصال حماس إلى المكان الصحيح”.

في 21 أيار 2021 دخل وقف إطلاق النار الذي أنهى عملية “حارس الأسوار” إلى حيز التنفيذ. بعد يومين، زار رئيس الأركان كوخافي لواء العمليات في قسم الاستخبارات التابع لقيادة المنطقة الجنوبية، وقال: “يجب أن نبقى نقديين تجاه أنفسنا، وأن نبقى متواضعين”. لم تسمع أي انتقادات، وقفز التواضع إلى الطبقات العليا من وزارة الدفاع في الساعة 6:29 صباحاً في 7 أكتوبر.

ينيف كوفوفيتش
هآرتس

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى