مسلمون حول العالم.. المسلمين في صقلية

> قب فتح دول شمال إفريقيا، توجّه المسلمون الفاتحون إلى الحوض الشمالي للمتوسط، فاتحين عدّة مناطق هناك، من ذلك جزيرة صقلية التي حكمها المسلمون لأكثر من قرنين ونصف، عرفت فيها هذه الجزيرة المتوسطية ازدهارا كبيرا.

قبل فتحها نهائيا في الـ 17 من يونيو سنة 827 ميلادي، سقطت صقلية في يد المسلمين في العديد من المرات، كان أولها سنة 668 ميلادي في عهد معاوية بن أبي سفيان، عندما أرسل والي مصر معاوية بن حديج أسطولاً بحريًا بقيادة عبد الله بن قيس الفزاري لفتح الجزيرة، فغنم المسلمون غنائم كثيرة، ولكن لم ينجح في فتحها.

بعد ثلاث سنوات من هذا التاريخ غزاها المسلمون مرة ثانية، ثم غزاها عطاء بن رافع الهذلي سنة 705 ميلادي، ثم غزاها عياش بن أخيل في ولاية موسى بن نصير في أسطول المغرب.

الفتح النهائي للجزيرة كان تحت قيادة الفقيه المالكي والقاضي أسد بن الفرات زيادة الله الأغلبي – أمير الأغالبة في أفريقية، وجاء فتح الجزيرة على إثر هرب قائد الأسطول البيزنطي “فيمي” إلى إفريقية (تونس) بعد هزيمته في سيراقوسة أمام البيزنطيين بقيادة فوتينو، لاجئا وطالبا العون من أمير الأغالبة زيادة الله في القيروان عارضا عليه الجزية مقابل جعله حاكما عليها.

على إثر وفاة أسد بن الفرات سنة 828 ميلادي، عين محمد بن أبي الجواري خلفا له بناء على رغبة الجنود. وفي 830 عام تلقى المسلمون تعزيزات جزء منها من إفريقية، والجزء الأكبر أتى من الأندلس، ليتمكّنوا بذلك من السيطرة على باليرمو سنة831 بعد حصار طويل واتخذت عاصمة للجزيرة.

بعد ذلك بـ 12 سنة أي عام 843، سيطر المسلمون على مسينا وبعدها بـ 5 سنوات سيطروا على موديكا وراغوزا، وفي سنة 859 سيطروا على قصريانة (إنا حاليا) بقيادة عباس بن الفضل، وبعد قرابة نصف قرن من بداية حملة أسد بن الفرات، سقطت سيراقوسة بعد حصار خانق دام عدّة سنوات. ولم يتمكّن المسلمون من فرض كامل سيطرتهم على جزيرة صقلية إلا سنة 963 ميلادي، بعد أن سقطت مدينة روميتا.

أول زحف للجيوش الإسلامية نحو روما كان سنة 846 ميلادي، في عهد أبي العباس محمد بن الأغلب، أمير الأغالبة، وقد تمكّن جند الإسلام حينها من دخول المدينة إلا أنهم سرعان ما انسحبوا من هناك بعد اشتباكات عنيفة مع قوات الإمبراطور لويس الثاني. وقد كرر الأغالبة حصار روما مرة أخرى عام 870 ميلادي في زمن الأمير محمد بن أحمد أبو الغرانيق، وتم فك الحصار عقب دفع البابا يوحنا الثامن 25 ألف قطعة من الفضة للمسلمين.

لم يتواصل الحكم الإسلامي للجزيرة سوى 264 سنة، غير أن آثاره الحضارية كانت مبهرة، فقد تمتع المسيحيون واليهود في إيطاليا بجو من التسامح والحرية الدينية. وحافظ المسلمون على الهوية البيزنطية اليونانية لأهل صقلية المسيحيين، ولم يقوموا بتغيير هذه الهوية بعكس ما قامت به الإمبراطورية الرومانية في جنوب إيطاليا عموما وصقلية خصوصاً، مغيّرةً الهوية القومية ومحوّلة اللغة المستخدمة من اليونانية البيزنطية إلى الإيطالية الرومانية.

وأصبحت صقلية حينها، من أكبر مراكز الإشعاع الحضاري والتنوير الثقافي في أوروبا، بجانب الأندلس من قبل، فقد كانت أوروبا وقتها تعيش في ظلمات، وعلى الرغم من الاضطراب السياسي المزمن الذي كانت تعاني منه صقلية الإسلامية، وتنقلها في الولاء من الأغالبة إلى الفاطميين العبيديين إلى العباسيين، إلا إن حركة البحث العلمي ظلت قائمة ومستمرة حتى سقوطها بيد النورمان سنة 1091 ميلادي.

فضلا عن التسامح الديني، عرفت جزيرة صقلية أثناء الحكم الإسلامي ازدهارا اقتصاديا كبيرا، ذلك أن المسلمين قد حوّلوا الجزيرة إلى مركز صناعي يبيع إنتاجه إلى باقي دول حوض البحر المتوسط عبر قوافل تجارية متعدّدة.

وقد بدأ تفكك الوجود الإسلامي عندما ظهرت الخلافات داخل العائلة الحاكمة المسلمة. وبدخول القرن الحادي عشر تعرضت جنوب إيطاليا لهجمة شرسة من المرتزقة النورمان، وهم السلالة المسيحية من الفايكنج، وكانوا بقيادة الملك روجر الأول الذي أخذ الجزيرة من المسلمين. وبعد أن تمت له الجزيرة أزاح منها حاكمها المحلي وهو يوسف بن عبد الله من الحكم ولكن تم ذلك من خلال احترام العادات العربية. خسارة تلك المدن يعتبر ضربة قوية لهيمنة المسلمين على الجزيرة، وإن بقيت بعض المدن تحت الحكم الإسلامي مثل (إنا) التي ظلت تحت حكم ابن الحواس ولفترة طويلة. ولكن خليفته قد استسلم وتحول إلى الديانة المسيحية عام 1087. فأعطيت له الألقاب المسيحية وانتقل مع أهله إلى اقطاعية في كالابريا كان قد اعطاها له روجر الأول. في عام 1091 سقطت كل من بوتيرا ونوتو في أقصى الجنوب من صقلية ثم جزيرة مالطا آخر معاقل المسلمين بيد النورمان. وبنهاية القرن الحادي عشر ضعفت هيمنة المسلمين على البحر المتوسط.

كانت تلك هي الأيام الأخيرة للإسلام في صقلية، ومن بعدها ازدادت المذابح، وأصبح المسلمون بين قتيل ومُهجّر ومنصّر، وغابت شمس الإسلام بعد أكثر من قرنين على دخولهم إليها.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى