​مفاوضات تبادل الأسرى والمعتقلين في اليمن: محطات ومعوقات

> "الأيام" القدس العربي:

> يمثل مسار مفاوضات تبادل الأسرى والمحتجزين والمعتقلين جراء الحرب في اليمن من أكثر مسارات التفاوض تعقيدًا بين الأطراف المتنازعة؛ لارتباطها بأرقام غير معروفة وسلطات متعددة، ونوايا يطغي فيها السياسي على الإنساني، كما أن الجميع يحرص على أن تبقى هذه المفاوضات مرتبطة بالتسوية النهائية، وإن لم يفصحوا على ذلك صراحة؛ إلا أن ثمة إصرارا على بقاء الملف مفتوحًا واستمرار استخدامه كورقة ضغط ومساومة سياسية، على الرغم من أنها مسألة إنسانية بحتة.

وكانت مفاوضات ستوكهولم عام 2018 قد أقرت في 13 ديسمبر اتفاقا شمل ثلاثة محاور اتفاق وقف إطلاق نار في مدينة الحديدة وموانئ الحديدة، وإعلان تفاهم حول مدينة تعز، وآلية تبادل الأسرى والمحتجزين، وبموجبه «اتفق التحالف العربي والحكومة اليمنية من جهة وحركة أنصار الله الحوثيين على إجراء عمليات لتبادل جميع الأسرى والمعتقلين والمفقودين والمحتجزين تعسفيًا والمخفيين قسريًا والموضوعين تحت الإقامة الجبرية واعتبار ملف الأسرى إنسانيا لا يخضع للحسابات السياسية، مع إشراك اللجنة الدولية للصليب الأحمر كوسيط محايد لتسهيل ونقل جميع الأسرى» واشتمل الاتفاق على آلية التنفيذ.

وقضى الاتفاق على «إطلاق سراح جميع الأسرى والمعتقلين والمفقودين والمحتجزين تعسفيًا والمخفيين قسريًا والموضوعين تحت الإقامة الجبرية على ذمة الأحداث لدى جميع الأطراف بدون أي استثناءات أو شروط، وذلك بهدف حل القضية بشكل كامل ونهائي» بمعنى الكل مقابل الكل، كما قضى «لا يحق لأي طرف الامتناع عن تسليم أي شخص تم أسره أو اعتقاله أو احتجازه أو القبض عليه على ذمة الأحداث لأي سبب، وتلتزم جميع الأطراف بذلك» و«تلتزم جميع الأطراف بعدم استثناء أي شخص تم أسره أو اعتقاله أو احتجازه أو القبض عليه على ذمة الأحداث لأي سبب».

وتم توقيع آلية تنفيذية للاتفاق تتكون من عشرة بنود، بما فيها «يجري تنفيذ ما اتفق عليه بعد التوقيع على الكشوفات النهائية خلال مدة لا تزيد عن عشرة أيام» وحتى الآن لم يتم تنفيذ ما تم الاتفاق عليه، وقد مضى على الاتفاق أكثر من خمس سنوات.
  • أول اجتماع مباشر
في ستوكهولم عقد المبعوث الأممي لليمن حينها، مارتن غريفيث، أول اجتماع مباشر بين رئيس وفدي الحكومة والحوثيين تبادلا خلاله قوائم الأسرى والمعتقلين، والتي قيل حينها، وفق تصريحات لأحد الجانبين، إنها شملت أكثر من 15 ألف أسير من الجانبين، على أساس أن قوائم أسرى الحوثيين شملت 7587 أسيرا، بينما شملت قوائم أسرى الحكومة 8576 أسيرا، وتم تحديد مدينتي صنعاء وسيئون لتبادل الأسرى. وأوضح أحد المصادر أن فترة تنفيذ بنود الاتفاق كلها ستستمر 48 يوما؛ إلا أن ذلك لم يتم.

تواصلت جولات المفاوضات بين الطرفين بناء على هذا الاتفاق؛ فعقدت جولة في فبراير عام 2019 في عمّان، ولم تنته الاجتماعات باتفاق لتنفيذ ما تم الاتفاق عليه في ستوكهولم، ومن ثم عُقدت جولة ثالثة في عمّان في فبراير عام 2020 وشهدت خلافات بشأن قوائم المحتجزين، وانتهت بالاتفاق على الإفراج عن 1420 سجينا.

ونص الاتفاق على أن تطلق الحكومة سراح 700 سجين ومعتقل من الحوثيين، مقابل إطلاق الحوثيين سراح 400 سجين ومعتقل، بالإضافة إلى 15 أسيرا سعوديا وأربعة سودانيين. «وباتفاق منفصل، تعهدت الحكومة بإطلاق سراح 200 سجين ومعتقل مقابل إفراج الحوثيين عن ناصر منصور هادي، شقيق الرئيس السابق عبد ربه منصور هادي، ومئة سجين آخرين» وفق ورقة للباحث صلاح علي صلاح.

عُقدت الجولة الرابعة من المفاوضات في جنيف في سبتمبر 2020 وحسب صلاح فقد «أكد المفاوضون التزامهم بمخرجات الجولة الثالثة من المفاوضات، واتفقوا على تقسيم التبادل على مرحلتين: في المرحلة الأولى، تخلي الحكومة سراح 681 سجينا مقابل إفراج الحوثيين عن 400 سجين ـ من بينهم المعتقلون السعوديون والسودانيون ـ وفي المرحلة الثانية، يفرج عن باقي المتفق على إخلاء سبيلهم في فبراير 2020 والبالغ عددهم 301 من بينهم شقيق هادي، ناصر».

وفي منتصف أكتوبر 2020 تبادلت الحكومة المعترف بها دوليًا وجماعة الحوثيين 1056 سجينًا كجزء من اتفاقية ستوكهولم المبرمة بين الطرفين في ديسمبر 2018 وكانت هذه أكبر صفقة لتبادل الأسرى تم الاتفاق عليها وتنفيذها. وقال صلاح علي صلاح «ساد جو من التفاؤل نتيجة هذه الانفراجة في ملف الأسرى حيث قال المبعوث الخاص لليمن حينها مارتن غريفيث، خلال إحاطته إلى مجلس الأمن: «لدينا أخبار سارّة في اليمن اليوم».

ولكن المرحلة الثانية ظلت عالقة بانتظار الاتفاق على أسماء الذين سيُخلى سبيلهم، ما استلزم إطلاق جولة جديدة من المفاوضات».

الجولة الخامسة من المفاوضات استضافتها العاصمة الأردنية عمّان؛ واستمرت الاجتماعات من تاريخ 24 يناير حتى 21 فبراير 2021 بعد تمديدها أملاً في الوصول إلى اتفاق لتنفيذ اتفاق عمان 3. وانتهت المفاوضات من دون التوصل إلى أي اتفاق. وتبادل الطرفان الاتهامات بشأن المسؤول عن انهيار المفاوضات.

وفي أواخر يوليو وأوائل أغسطس عام 2022 عقدت مفاوضات الجولة السادسة في عمّان، وأعلن مكتب المبعوث الأممي، هانس جروندبرج، أن الأطراف اتفقت على تحديث قوائم المحتجزين وتوحيدها، وتسهيل زيارة اللجنة الدولية للتحقق من هويات المحتجزين، متوقعًا أن تجتمع الأطراف خلال أسابيع لاستكمال مباحثاتها بشأن قوائم المحتجزين. وبعبارة أخرى كان الفشل حليف الجولة السادسة.

وكان الجانبان قد وقعا اتفاقا برعاية دولية في مارس/آذار 2022 لتبادل أكثر من 2200 أسير من الطرفين. غير أن عملية الإفراج تعثرت وسط اتهامات متبادلة بعرقلتها.
  • التقارب السعودي الإيراني
إلى أن حصل التقارب السعودي الإيراني، فجاءت الجولة السابعة في بيرن السويسرية من مفاوضات تبادل الأسرى أكثر إيجابية تحت ضغط من التحالف، إذ حضر المفاوضات مسؤولون سعوديون. واختتمت الجولة التي عقدت في مارس 2023 بنتائج انتزع فيها الحوثيون النسبة الأكبر من الأسرى الذين سُيفرج عنهم، إذ وقّع المتفاوضون على الإفراج على 887 أسيرًا ومعتقلا، كان للحكومة 181 أسيرا ومعتقلا منهم قادة عسكريون وأربعة صحافيين محكوم عليهم بالاعدام و16 سعوديا و3 سودانيين، مقابل إطلاق 706 أسرى للحوثيين؛ وكانت هذه الصفقة هي الأكبر منذ أكتوبر 2020.

وإن كانت حسب مصادر مثلت تراجعًا عما تم الاتفاق عليه في مشاورات ستوكهولم، وكذلك اتفاق عمان الذي نص على تبادل أكثر من ألفي أسير ومحتجز، إلا أنها اعتبرت في نظر مراقبين خطوة للأمام في ظل الانسداد الذي ساد مسار معظم جولات التفاوض.

وعقب تبادل الأسرى في نيسان/أبريل 2023 قال رئيس لجنة الأسرى في حكومة جماعة «أنصار الله» عبد القادر المرتضى إنّه «سيتم عقد صفقة مقبلة بـ 700 أسير مقابل 700 من الطرف الآخر» وذلك في مؤتمر صحافي عُقد في مطار صنعاء الدولي، بمناسبة استكمال تنفيذ المرحلة الثالثة من اتفاق سويسرا لتبادل الأسرى. لكن ذلك لم يتم.

وكان من ضمن المفرج عنهم في صفقة الجولة السابعة، وزير الدفاع السابق اللواء محمود الصبيحي، وهي الشخصية الوحيدة المنصوص عليها بالاسم في القرار الأممي 2216 كما تم الإفراج عن ناصر منصور هادي شقيق الرئيس اليمني السابق، وعن عفاش طارق ومحمد محمد عبدالله صالح (نجل وشقيق طارق صالح، عضو مجلس القيادة الرئاسي وقائد قوات المقاومة الوطنية) كما تم الإفراج عن اللواء فيصل رجب استجابة من الحوثيين لطلب وفد قبلي زار صنعاء للإفراج عن رجب.

وفي يونيو الماضي عقدت جولة ثامنة من المفاوضات، في العاصمة الأردنية عمّان، بين الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا وجماعة «أنصار الله» (الحوثيين) بشأن الأسرى والمحتجزين بتنسيق ورعاية من الأمم المتحدة، وانتهت دون تحقيق أي اتفاق.

وكان الطرفان في الجولة السابعة قد اتفقا على عقد جولة جديدة في منتصف مايو عقب تبادل زيارات لسجون صنعاء ومأرب لتفقد الأسرى والمحتجزين، وهو الأمر الذي تعثر، لأسباب تبادل الطرفين الاتهامات بشأنها، ليتم بناء عليه تحديد موعد آخر لتبادل الزيارات، لكنه تعثر، وبناء عليه تعثر عقد جولة ثامنة من المفاوضات حتى التأمت في يونيو الماضي، والتي ناقشت معوقات استكمال تنفيذ تبادل زيارات السجون بين الطرفين، وعلى رأس تلك المعوقات الكشف عن مصير المعتقل السياسي محمد قحطان المعتقل لدى الحوثيين منذ 2015. فيما تعثر عقد جولة تاسعة في نوفمبر الماضي.

بالإضافة إلى المفاوضات والاتفاق على تبادل الأسرى والمحتجزين التي عقدت وتعقد برعاية الأمم المتحدة مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر هناك مفاوضات تتم بوساطة محلية قبلية، وبناء عليها تم الإفراج عن عدد من المحتجزين، وكانت هذه الوساطات أكثر فاعلية وجدوى في نظر البعض على صعيد ما حققته من نتائج مقارنة بالمفاوضات الأممية.
  • عمليات الإفراج
من أبرز عمليات الإفراج المنسقة مع الأمم المتحدة والوساطات القبلية منذ بدء الصراع في اليمن، حسب رصد الموقع «بوست» ما شهده في 16 أبريل 2023 حيث شهد اتمام ثاني عملية تبادل للسجناء بين الحوثيين والقوات الحكومية شملت نحو 869 أسيرا استمرّت ثلاثة أيام، بناء على اتفاق مارس في بيرن السويسرية.

وفي 6 مايو 2022 أعلنت قوات التحالف بقيادة السعودية، نقل 163 محتجزا بينهم أجانب عبر اللجنة الدولية للصليب الأحمر إلى صنعاء وعدن، منهم 108 أسرى إلى عدن وتسعة لصنعاء، وتسعة مقاتلين أجانب جرى تسليمهم لسفارات دولهم، فضلا عن نقل 37 أسيرا براً وتسليمهم لاعتبارات إنسانية وقرب مناطق إقامتهم من الحدود.

وفي منتصف أكتوبر 2020 تبادلت الحكومة المعترف بها دوليًا وجماعة الحوثيين 1056 سجينًا كجزء من اتفاقية ستوكهولم المبرمة بين الطرفين في ديسمبر 2018.

وفي 3 سبتمبر2019 أعلنت جماعة الحوثي الإفراج عن 350 محتجزا بينهم 3جنود سعوديين في إجراء من طرف واحد بتنسيق مع الأمم المتحدة واللجنة الدولية للصليب الأحمر الدولية.

وفي المقابل، أكدت اللجنة الدولية للصليب الأحمر هذه الإجراءات من جانب الحوثيين، إلا أنها تحدثت عن إفراج الجماعة عن 290 شخصًا من السجن المركزي في العاصمة صنعاء والتحاقهم بأسرهم في مناطق مختلفة. وفي 28 نوفمبر2019 وصل إلى مطار صنعاء الدولي 128 من الأسرى والمعتقلين التابعين لجماعة الحوثي، ضمن مبادرة أطلقها التحالف بقيادة السعودية تشمل الإفراج عن 200 مقاتل.

أما الوساطات القبلية فأبرزها: أدت وساطة قبلية قادها الشيخ القبلي ياسر الحدي اليافعي عام 2015 إلى تبادل 605 سجناء بين جماعة الحوثيين وقوات المقاومة الجنوبية.

فيما نجحت منذ أواخر عام 2017 رابطة أمهات المختطفين في إطلاق سراح أكثر من 650 مدنيًا من المخفيين قسرًا بعد تسهيلها لوساطات بين أطراف النزاع، في المقابل سهل الوسطاء المحليون في محافظة تعز الإفراج عن أكثر من 1200 سجين.

وساعد رئيس منظمة وسطاء الإنسانية هادي جمعان في 2019 بالإفراج عن رفات أكثر من ألف مقاتل، وتوسّط لإطلاق سراح 226 سجينًا بين طرفي الحرب الرئيسيين في محافظة الجوف.

وفي 26 مايو 2019 تبادلت فصائل جنوبية وجماعة الحوثيين 76 أسيرا ومعتقلا من الطرفين في محافظة الضالع الجنوبية ضمن جهود ووساطات شخصيات قبلية. وفي 21 ديسمبر 2019 تم إطلاق 75 محتجزا لدى جماعة الحوثيين، و60 مقاتلا حوثيا أسرى في سجون القوات الحكومية بمحافظة تعز.

وفي 4 أغسطس 2020 تبادلت الحكومة وجماعة الحوثيين 22 أسيرا لدى الطرفين بعملية تبادل مهد لها وسطاء محليون بمحافظة تعز.
  • معوقات
ونحن بصدد قراءة المعوقات التي تحول دون إتمام تنفيذ اتفاق تبادل الأسرى، نضع ثلاثة أسئلة: ما أبرز معوقات تنفيذ الاتفاق بناء على قاعدة «الكل مقابل الكل» الذي أقرته مفاوضات ستوكهولم حتى اليوم بعد كل هذه السنوات؟ وكيف يمكن تجاوز إشكالية التعامل مع ملف الأسرى كورقة ضغط سياسية والتعامل معها كجانب إنساني؟ وما تأثير تعدد السلطات في طرف الحكومة في هذا الصدد؟ ولماذا تبرز الوساطات القبلية أكثر فاعلية في تحقيق نجاح في صفقات تبادل الأسرى مقارنة بما حققته جولات المفاوضات برعاية الأمم المتحدة؟

وفي مناقشة هذه الأسئلة، يرى أستاذ علم الاجتماع السياسي في مركز الدراسات والبحوث اليمني بصنعاء، عبد الكريم غانم، أن اتفاق ستوكهولم بحد ذاته لم يكن مثاليًا في تعاطيه مع الأزمة اليمنية بشكل عام، ومع ملف الأسرى على وجه الخصوص.

وقال لـ«القدس العربي» أدى تعقد الأزمة اليمنية لعدم استعداد بعض أطراف الصراع اليمنية والإقليمية قبول الحل الشامل، الأمر الذي أدى إلى انتهاج مسلك الحل التجزيئي، الذي رأى فيه المبعوث الأممي حينها، فرصة لإحداث اختراق في جدار الأزمة التي بدت عصية على الحل الشامل، وطالما أن تفتيت الأزمة إلى ملفات صار ممكنًا ومقبولًا، بمباركة الأمم المتحدة الذي يفترض أن تشرف على مدى التزام أطرف الصراع بمرجعيات الحل السياسي الشامل، لم يعد هناك ضير من البدء بإطلاق جزء من الأسرى والمعتقلين وتأجيل غالبيتهم، وفقًا لمصلحة الأطراف الأكثر تأثيرًا وفاعلية، سياسيًا وعسكريًا».

وأضاف: «ووفقًا لهذه المقاربة التي سنها اتفاق ستوكهولم صار بإمكان أطراف الصراع تجزئة المجزأ، والالتفاف على نصوص القرارات وبنود الاتفاقيات، بما في ذلك بنود اتفاقية ستوكهولم، ومنها البند المتعلق بإطلاق سراح جميع الأسرى والمعتقلين والمحتجزين والمخفيين قسريا لدى جميع أطراف الصراع بدون أي استثناءات أو شروط، وصولًا إلى إغلاق هذا الملف بشكل نهائي، كما نصت الاتفاقية، حيث اصطدم تنفيذ هذا البند المتمثل بـ(تبادل الكل مقابل الكل) باستراتيجية القبول بالأمر الواقع، بدلاً من تنفيذ القرار وجعله أمرًا واقعًا، وهو ما أتاح لأطراف الصراع الأكثر تأثير وفاعلية فرصة المساومة لإطلاق أكبر قدر من أسراها في مقابل أقل عدد ممكن من الأسرى والمعتقلين لدى الأطراف الأخرى.

ولأن تحقيق المكاسب المادية ظل مقدمًا على الملفات الإنسانية، كان من المتوقع أن تؤدي التجزئة والانتقائية في تبادل الأسرى إلى تعقيد هذا الملف وصعوبة تنفيذه وفقًا لقاعدة الكل مقابل الكل، ليتحول إلى ورقة ضغط، ليس لإطلاق المزيد من الأسرى، بل للحصول على تنازلات كبيرة في ملفات أخرى، من أجل حصد أكبر قدر ممكن من المكاسب السياسية والاقتصادية».
  • إنسانية القضية
ويؤكد عبد الكريم غانم، أهمية تنفيذ نص اتفاق ستوكهولم دون تجزئة، «إذ من شأن الانتقائية في تبادل الأسرى وتقسيم عملية التبادل إلى مراحل أن تحد تدريجيًا من حجم الضغوط التي يمارسها ذوي الأسرى والمعتقلين على أطراف الصراع لإطلاق أقاربهم، فهذه الضغوط تتفاوت حسب القرب من أطراف الصراع، وطالما ظلت الانتقائية والتجزئة لهذا الملف قائمة فمن المتوقع أن يزداد هذا الملف تعقيدًا واستعصاءً على الحل.

فكلما تراجعت الضغوط التي يتعرض لها أطراف الصراع تراجعت أولوية إطلاق سراح الأسرى والمعتقلين، لاسيما وأن الحرب قد آلت إلى التهدئة، وقلت معها أولوية تحرير الأسرى لدى معظم الأطراف».

كما يرى أهمية «أن يتزامن تبادل الأسرى مع توقيع اتفاق سلام دائم وحل سياسي شامل، فمن دون التوقيع على اتفاق سلام ستظل السجون والمعتقلات مفتوحة أمام المزيد من الأسرى الجدد، فإنهاء هذه المشكلة يتطلب إنهاء أسبابها، وليس الاكتفاء بمعالجة مظاهرها».
  • تعدد السلطات
وفي هذا السياق مثل تعدد السلطات في طرف الحكومة اليمنية مشكلة أخرى. ويرى غانم أنه كان هناك تأثير لهذا في هذا الملف، «بدءًا باختيار الوفد الحكومي المفاوض وما يحمله من أجندات متباينة قد تجعل مطلب تبادل الكل مقابل الكل مجرد شعار، فلكل سلطة قائمة أسرى مختلفة، لها الأولوية على غيرها من القوائم في نظر مندوبها المفاوض».

وقال: «كما أن تعدد السلطات الحاكمة تجعل أولوية الانتماء الحزبي للأسير والمعتقل مقدّمة على انتمائه الوطني، وهو ما قد يترتب عليه وجود أسرى ومعتقلين، من مؤيدي الحكومة، غير مشمولين بالحصر، وليسوا ضمن المطلوب إطلاق سراحهم، لعدم وجود من يمثلهم، ولعل ذلك ما يفسر قبول الجانب الحكومي، في العديد من جولات التفاوض، بإطلاق عدد أقل من أسراه مقابل عدد أكبر من أسرى جماعة الحوثي».
  • الوساطات القبلية
واستطاعت الوساطات القبلية إنجاز صفقات تبادل أسرى تظهر معها هذه الصفقات أكثر تأثيرا وفاعلية من الوساطة الأممية. ويعتقد عبدالكريم غانم أن «من الأخطاء التي تتكرر لدى الأطراف السياسية اليمنية التعويل على الخارج في حل أزماتها وإنجاح مفاوضاتها، فقلما تسعى أطراف الصراع السياسي، اليمنية، إلى ابتكار حلول نابعة من ثقافة المجتمع وأعرافه وعاداته وتقاليده، خلافًا لتوجهات القبيلة في الاستناد إلى موروثها من التجارب في حل النزاعات والتصالح والتسامح ولم الشمل».

وأضاف: «وتظهر الحاجة لتدخل القبيلة عندما تضعف الدولة أو يتراجع حرص السلطة السياسية الحاكمة على تحرير بعض الأسرى، بناء على اعتبارات سياسية أو اجتماعية، حيث تسعى القبيلة لملء الفراغ الذي تتركه السلطة السياسية، فتصبح المتحدث باسم أسراها ومعتقليها، والمطالب بإطلاق سراحهم، وكثيرا ما يحالفها النجاح، لعدم ارتباطها بأجندات خارجية أو داخلية وقدرتها على تحييد مبررات العداء، واستنهاض دواعي الإخاء والوئام، ولأن بعض أطراف الصراع تنظر للقبيلة التي تلجأ لفتح حوار مباشر معها أنها معارضة اجتماعية محتملة للخصم يمكن استقطابها، فكثيرا ما تتم الاستجابة لمطلبها بتحرير أسراها ومعتقليها، محاولة لكسب تأييدها كحليف اجتماعي، لاسيما وأن ذلك يظهر فشل الطرف الآخر، أي الخصم السياسي، فيما نجحت في تحقيقه القبيلة بأساليبها التقليدية المتواضعة».
  • الأطراف الفاعلة
من جانبه يرى رئيس تحرير منصة «خيوط» الكاتب محمد عبد الوهاب الشيباني، أن ما يعيق تنفيذ اتفاق تبادل الأسرى هو رغبة الأطراف الفاعلة في الإقليم وتشبيكاتها الدولية.

وقال لـ«القدس العربي»: «اتحفظ على توصيف اليمنيين المكدسين في المعتقلات السرية والعلنية لأطراف النزاع في عموم المناطق بوصفهم أسرى حربهم، فهم في الأصل ضحايا لاقتتال داخلي، وبالتالي هم معتقلون ومحتجزون ومغيبون قسراً، وعلى ذلك يمكن القول إن أطراف الحرب على الجانبين تستخدم ورقة هؤلاء المحتجزين والمختطفين والمغيبين (إلى جانب ملف الطرقات والمرتبات) كأوراق ضغط متعددة لانتزاع أكبر المكاسب على الأرض، ولاستدامة الحالة التي ينتفعون منها، لكن ما يعيق كل ذلك ليس إرادة اليمنيين، وإنما رغبة الأطراف الفاعلة في الإقليم وتشبيكاتها الدولية والتي تربط الحرب في اليمن بملفات أخرى في المنطقة».
  • الضغط المجتمعي
ويعتقد الشيباني فيما يخص استخدام الأسرى كورقة ضغط سياسي أن «غياب أدوات الضغط المجتمعي وتأثيراتها المباشرة على سلوك أطراف الحرب هي أبرز المعوقات في هذا الجانب، فلولا إفراغ المكونات المدنية بما فيها الأحزاب السياسية من مفاعيلها وتحويل بنيتها الفوقية إلى جزء نشط في مسارات الأزمة والحرب، وتفكيك قواعدها، لكنا لمسنا فارقاً تأثيريا لهذه الأدوات.

فالانقسام المريع وصل إلى كل شيء، وأنموذجه الساطع الأحزاب المدنية التي صارت موزعة على كل المتارس، فمنها من يعمل مع الحوثيين، وثان يعمل مع الإصلاح، وثالث مع الانتقالي».
  • إدارة الملفات
ويرى الشيباني أن مشكلة تعدد السلطات تمثل المشكلة الحقيقية في طرف الحكومة.


وقال: «المشكلة الحقيقية في تكوين الحكومة هي تعدد أطرافها التي تصل إلى حد التناقض، فلكل مكون فيها مشروعه الخاص على الأرض، والمرتبط فعلياً بمشروع أكبر يقوده الراعي الإقليمي والدولي». 
ويضيف «هذا التشظي تستغله إيران أفضل استغلال في تمكين أدواتها في الشمال بتفاهمات تستطيع إدارتها بذكاء. ولهذا كله تبدو استعادة الدولة وإدارة الملفات الإنسانية (المحتجزين والطرقات والمرتبات) في عمل الحكومة غير ذات أهمية، وتكثف كل شواغلها لإدارة التوازنات داخل بنيتها بمبدأ المحاصصة».
  • المبادرات الشعبية
وفيما يتعلق بالوساطات القبلية وما تحققه من نجاح في إنجاز صفقات تبادل أسرى يرى محمد عبدالوهاب الشيباني، أن إنجاحها يهدف لإيصال رسالة أن الذي يمكن الامتثال له في هذا الوضع هو العُرف القبلي وآليات ما قبل القانون والسياسة، حد قوله.

يقول: «المبادرات الشعبية (القبلية) وأحيانا المبادرات المجتمعية في الوساطات تحقق اختراقات طيبة في تليين تصلب المواقف؛ لأنها تعمل على الأرض وتفهم طبيعة وعي ومصالح أصحاب القرار في السلطتين. ولأن هذه الوساطات أصلاً تعمل خارج سياق التفاوض الرسمي والمبادرات الأممية يتم من خلالها توجيه أكثر من رسالة للداخل والخارج بأن الذي يمكن الامتثال إليه في هذا الوضع هو العُرف القبلي وآليات ما قبل القانون والسياسة، وهو ما ترغب الأطراف مجتمعة في تكريسه في وعي المجتمع. فمثلاً يقبل الحوثيون بهذه الوساطات ويروجون لها، تماما كما تقبل بها القاعدة للإفراج عن مختطفيها في أبين وشبوة، وتقبل بها أيضاً المكونات القبلية داخل بنية الحكومة في مأرب والضالع للإفراج عن المحتجزين والمختطفين وهكذا».

وبعد،
يبقى ملف الأسرى والمعتقلين والمحتجزين مفتوحًا، ومعه تستمر معاناة آلاف الأسر التي تنتظر معيلها أو أبنائها، وعليه يبقى المجتمع في حالة انتظار للحظة يستفيق معها الضمير الوطني ويقرر معها إغلاق سجون الحرب؛ وهي لحظة مرتبطة باتفاق سلام نهائي، كما يرى أحدهم.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى