أدهشتني رسالة من أحد الأصدقاء، الكبار، عندما قال لي إن صديقنا (المشترك) د. عبدالناصر الوالي وزير الخدمة المدنية، عاتب على ما كتبته في مقالي (لعنة التقاعد).

دهشتي وانزعاجي كانت لسببين، فالدكتور عبدالناصر صديق وزميل عمل وطني جمعتنا سنين كنا خلالها نتحاور في كثير من اللقاءات وكان مثالًا رائعًا للمحاور الراقي بكل معنى الكلمة.

ثم أنني زرت مكتبه في وزارة الخدمة المدنية وكان مليئًا بالمراجعين ولم أجد لديه أي تأفف من زحمة المراجعين، لم تكن زيارتي لغرض شخصي وإنما كانت بقصد طلب مراجعة قرار يخص أحدهم، فقال لي بالحرف (اطلع على الملف وإذا وجدت ما يستحق المراجعة راجعناه) فأسقط في يدي.

يومها عرجنا على مسألة معالجة قضايا المبعدين من وظائفهم التي أنجزتها لجنة القاضي سهل حمزة، وقال الوزير إنه بصدد استصدار قرار من الحكومة بمعالجة جزئية ليثبت بها حقوق الناس لتعالج فيما بعد حسب الموارد، حتى أنه طلب أن لا أكتب عن ذلك.

وفي وقت لاحق علمنا عن تبني د. الوالي، مراجعة هيكل الأجور الذي تم وضعه قبل 2015م حين كان الحد الأدنى للأجور عشرون ألفًا وهو يعادل، حينها، مائة دولار.

إذن لا غبار على جهود وتفاني د. عبدالناصر الوالي، ونقدنا كان لقرار تحويل رواتب المتقاعدين وليس لشخص الوزير.

عود على بدء، فقد علق أحدهم على قرار تحويل رواتب الناس إلى البنوك الخاصة ومكاتب الصرافة قائلًا (لم يعد هناك شيء في الجنوب لم تخصخصه سلطة ما بعد غزو 1994م فشرعوا في خصخصة البشر).

كانت مبررات هذا الإجراء حينها أن ذلك بقصد كشف الأسماء الوهمية ومزدوجي الوظائف وهو عذر يعكس عجز مؤسسات الحكومة فتم اللجوء للقطاع الخاص، محدود الكفاءة والمهنية، ليكشف هذا الخلل، إن وجد أصلًا.

على أن المضحك المبكي في آن، أن يتم صرف مرتبات الأمن والجيش من خلال المؤسسات الخاصة، هذا إذا علمنا أن حجم القوة البشرية لأي جيش تعتبر من أهم الأسرار العسكرية.

فإذا أضفنا إلى ذلك ثانية الأثافي وهي الاتصالات والأنترنت التي تخضع للخصم فماذا بقي للحكومة وقوتها من أسرار؟

وأخيرًا فإن طلب مراجعة قرار نقل رواتب المتقاعدين ليس ترفًا أو مماحكة، فقد أفنى هؤلاء أعمارهم في خدمة الوطن، ويستحقون حياة ومعاملة أفضل تليق بسنهم، فقدرتهم البدنية لا تسمح لهم بـ(مطافحة) مؤسسات الصرافة الخاصة، بل إن هيئة البريد كانت تخصص لجانًا خاصة تنزل إلى البيوت لصرف رواتب التقاعد لبعض الحالات الصعبة، أما أجورهم البخسة فتعلمها هيئة المعاشات ومعالي الوزير قبل غيرهم.

هيئة البريد هيئة حكومية يمكن إصلاحها بقرار حكومة وليس بإهمال حاجة الناس لها.