مهما تباينت الرؤى، وحتى المآخذ، فأن يوم 4 مايو 2017م يمثل بوابة العبور الأبرز في تاريخ الحركة الوطنية الجنوبية، ففي هذا اليوم الأغر أعلن أبناء الجنوب مغادرة مربع التشرذم إلى خلق نواة للوحدة السياسية للقوى الوطنية الجنوبية، ويدرك أهمية ذلك اليوم أولئك الذين عاشوا حالة التشرذم الذي عصف بالحراك الجنوبي منذ 2009م حتى 2017م والذين بذلوا جهود مضنية بغرض توحيدها طوال تلك السنوات.

إذا كان 13 يناير 2006م، الذي شهدته جمعية ردفان الخالدة، قد مثّل بوابة مغادرة مربع الصراع إلى أفق التصالح والتسامح الجنوبي وولد من رحم هذا التصالح الحراك الوطني الجنوبي فأن 4 مايو2017م قد فتح الباب على مصراعيه للعبور إلى المستقبل.

صحيح أن مقاومة الغزو الثاني للجنوب قد تجسدت فيه وحدة كافة القوى الجنوبية من كل الطيف الجنوبي بدون استثناء ولم يلتفت أحد لمحاولات الخصوم المستميتة لتمزيق الصف الجنوبي الذي يمثل (كعب اخيل) الجنوب ولا زال كذلك، إلا أن 4 مايو 2017م قد أعلن بداية سقوط هذا الرهان.

لم تكن ولادة أي من أيامنا الخالدة سهلة كما يتخيل البعض، كما لم تكن محاولات خلق إطار سياسي جنوبي مفروشة بالورود، لكن الإرادة الفولاذية للنخب الجنوبية كانت فوق مستوى تحدي الخصوم الذين استخدموا كل الوسائل بما فيها الأساليب الخارجة وكان رهانهم أن أبناء الجنوب مشبعون بثقافة الصراع ولن يتوحدوا.

كانت الشخصية المحورية الجنوبية محل تباين بين أبناء الجنوب، ربما لأن معظم الرموز الجنوبية البارزة كانت جزء من الماضي الصراعي في الجنوب، وأتذكر أن عقدت ورشة حوارية برعاية ودعم من الصوت الجنوبي (صحيفة الأيام) وترأس جلساتها الفقيد نجيب يابلي، رحمه الله، كانت مكرسة لمناقشة (أهمية الشخصية المحورية في الثورات)، وأتذكر يومها أنني ممن تبنوا فكرة الرؤية المحورية بدلا من الشخصية المحورية التي عجزنا عن الإجماع حولها، وظل هاجس الشخصية المحورية ملازما لمختلف الحوارات النخبوية الجنوبية.

في 4 مايو 2017م حظي الأخ الرئيس عيدروس قاسم الزبيدي بتفويض وتأييد شعبي جنوبي كواحد من جيل المقاومة والحراك الجنوبي وقد كان هذا الرجل هو مشروع الشخصية المحورية الجنوبية، لتلتف حوله معظم النخبة الجنوبية لتكمل إنجاز الإطار السياسي (المجلس الانتقالي الجنوبي).

البعض يبحث عن الإجماع وهو أمر نسبي، فالناس لم يجمعوا على سنة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، والبعض يحمّل المجلس الانتقالي فشل الحكومة بمكوناتها الواسعة، مع أن المجلس الانتقالي هو مظلتنا السياسية الجنوبية وهو لا يسيطر على أي موارد، والبعض يبحث عن ملائكة منزهون من الأخطاء، مع أن لا هم ملائكة ولا غيرهم شياطين.

هناك أمران على أبناء الجنوب إدراكهما، أولهما أن الجنوب هو الهدف وأبناءه هم الوسائل وأننا لا نملك ترف الوقت للعودة إلى المربع الأول، وثانيهما أن بوابة 4 مايو لا زالت مواربة تقبل الجميع ويجب أن تبقى مواربة حتى وصول الجنوب إلى بر الأمان، وبعدها كلٍ يقدم للناس مشروعه السياسي.

تحية إجلال وعرفان للرواد، شهداء وفقداء وأحياء.

عدن

4 مايو 2024م