مقدمة.. بعد مرور ثلاثين عاما على إعلان فك الارتباط مع نظام الجمهورية العربية اليمينة وفي مثل هذا اليوم علينا أن نعمل على لملمة ما تبعثر وضاع حيث نستطيع بل نكون قادرين على التماسك في مواجهة آليات الهدم الممنهج لهذا الظلم.
اليوم نواجه نزالا يتطلب تحديا لمواجهة الخصم الذي يعمل بكل ما أوتي من قوة لهزيمتنا مهما كانت النتائج والأثر الذي سيخلفه، نزالا نستعد له حتى نصل للجولة المطلوبة ونحقق الحسم فيه.
اليوم مميز وكأننا نقدم رسالة شعب الجنوب بكل ثبات وصبر.
فعند تحقيق الوحدة اليمينة عام 1990م وليس كما تتم الإشارة من طرف نخب الشمال بأنها (استعادة) ومن الواضح أن اتفاقية الوحدة لم تقم على مبدأ دستوري أو قانوني أو يؤكد شرعيتها واستمراريتها، ولذلك كان البناء القانوني منذ البداية مشوبا بمخالفات دستورية.
ولبيان ذلك نوضح الأسانيد القانونية الآتية:
1 - إن تحقيق الوحدة اليمينة عام 1990م لم يكن مبنيا على دستور الوحدة الذي أكد الاستفتاء عليها قبل (إعلانها) وهو مالم يحدث، وتلك تعد أول مخالفة للدستور.
2 - كان يفترض التوقيع على الوحدة بين (رئيسين) وليس (حزبين) يمثلهما رئيس حزب المؤتمر وأمين عام الحزب الاشتراكي.
3 - عدم وجود قوانين ولا تشريعات (موحدة) تشير إلى (صلاحيات) (الدولة الجديدة) باعتبارها دولة (مؤقتة مدتها عامين ونصف).
4 - إن الاستفتاء على الدستور لا يعني الاعتراف بالوحدة الاندماجية.
5 - إن الصراعات التي ظهرت بعد إعلان الوحدة) وقبل (إعلان الحرب على الجنوب).
6 - تم تجاوز الدستور وتعديله من قبل طرف واحد غير مخول (حق التعديل) وهو ما تم (انتهاكه) بالفعل بعد الحرب الأولى على الجنوب عام 1994م.
7 - تم نسف معظم مكونات سلطات الدولة وأبرزها (تحويل الرئاسة من جماعية إلى فردية).
8 - إن (صك الاستقلال) الذي منح الجنوب بموجبه عام 1967م الاستقلال يظهر بوضوح ويبين أنه (لا يحق لأي فرد) أو حزب أو سلطة التنازل عن سيادة الدولة واستقلالها ولا نظامها السياسي.
9 - أو الأحزاب (حتى) للاستفتاء العام (للتنازل) عن الهوية أو للتنازل عن السيادة الوطنية أو للاندماج مع نظام سياسي في دولة أخرى.
10 - إن منظمة الأمم المتحدة تعترف بالدول وليس بأنظمتها السياسية، ففي عام 1967م اعترفت الأمم المتحدة (بالدولة الجنوبية) (كدولة مستقلة) (ذات سيادة) بغض النظر عن نظامها السياسي.
11 - (عمل نظام صنعاء) على الاستفادة من اتفاقية (الآن الوحدة عام 1990م) لإذابة شخصية الدولة (قدمت صنعاء) مستندها الأساسي الدولي كمرجع لا يجوز التراجع عنه ولا تبديله.
وهو ما نلمسه و نشاهده اليوم عبر التأكيد من قبل الشرعية اليمينة ومن يمثلها على المرجعيات الثلاث والمبادرة الخليجية المزمنة كأساس (لاستعادة) الدولة الذي سيستمر بناء عليه الغاء الجنوب والتغاضي عن كونه دولة.
12 - إن احتلال الجنوب تم تحقيقه بالقوة العسكرية وتم (فرض) (وجود دولة واحدة) بدلا من دولتين اللتان (دخلتا باتفاقيات) (الوحدة) وبموجب بنود أرفقت بتلك الاتفاقية بشكل تفصيلي.
13 - وعلى ضوء ذلك تكون الجمهورية العربية اليمنية (الدولة الأولى) في العالم التي اعترفت بالدولة الجنوبية (اليمن الديمقراطي) وإعلان مشروع الوحدة معها، ثم انقلبت على كل ذلك واحتلتها بالقوة العسكرية ومارست بحقها أبشع صور الاحتلال.
14 – إن مشروع الدولة الواحدة والاعتراف به من قبل المجتمع الدولي (كان مرهونا) بأن تصبح الدولة (بكامل حيثياتها)، بحكم امتلاك دولة الجنوب (عضوية كاملة) في الأمم المتحدة وفي الهيئات الدولية وفي الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي.
18 - إن ذوبان الشخصية الدولية المقابلة أي الدولة اليمنية دخلت معها (باتفاقات شراكة) بل إن ذوبان للشخصيتين الدولتين معا في شخصية دولة جديدة هي (الجمهورية اليمنية) (بمعنى قانونا) (يحق لأي طرف من الطرفين (فض الشراكة) وكل طرف يمتلك نفس الحق، لأن الشخصيتين الاعتباريتين للدولتين ذابتا معا، ولم تكن إحداهما تابعة للأخرى، أو سميت باسم الدولة الأحرى، وعليه نستطيع التأكيد على الآتي:
أولا - إن القضية الجنوبية انطلقت من مبتدأ إنسانية ودولية.
ثانيا - إن قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة برقم (3070) لعام 1973م شرع نضال الشعوب للتحرر من السيطرة والاستعباد بجميع الوسائل الممكنة بما فيها الحق في الكفاح والنضال.
ثالثا - إن قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة برقم (3336) لعام 1974م الذي قضى بتأكيد مبدأ سيادة سكان الأقاليم المحتلة على ثرواتهم ومواردهم وعلى المجتمع الدولي (إدانة الاحتلال اليمني لقيامه باستغلال هذه الثروات والموارد الخاصة بشعب الجنوب لمصالح أمراء الحرب ونظام صنعاء.
رابعا - إن دعوة الأمين العام للجمعية العامة للأمم المتحدة حينها (بان كي مون) لممثلي الحراك السلمي الذي مثل القضية الجنوبية إلى الاشتراك في جنيف (1) الذي عقد برعاية الأمم المتحدة هو اعتراف بالقضية وبحق التمثيل وحق المطالب المشروعة الوليدة (دولة سلام) واستقرار، وهذا ما تؤكد عليه قرارات مجلس الأمن بشكل دائم حول اليمن.
15 - إن مجلس الأمن الدولي لم يرفض ولم يعترف بحق شعب الجنوب بالعودة إلى دولته السابقة التي أعلنت (بعد الانتهاء من المرحلة الانتقالية) (المقررة كما أشرنا سابقا (بعامين ونصف) حسب اتفاقية (مشروع الوحدة الاندماجية) وذكر ذلك في القرار رقم (924) لسنة 1994م والقرار رقم (931) لسنة 1994م.
16 - إن هذين القرارين قضيا (بالاحتكام للحلول السياسية وعلى أن يبقى الملف قيد النظر).
17 - إن أي اعتراف لابد أن يستند إلى المرجعية القانونية للأمم المتحدة حتى يدعم من قبلها هذه المرجعية القانونية المتوفرة.
خامسا - بيان مجلس التعاون الخليجي في (مدينة أبها) الصادر بتاريخ (4-6 يونيو 1994م) الذي أدان حرب الشمال على الجنوب، وكان الإعداد والتحضير مع دول الفيتو للاعتراف بإعلان دولة الجنوب المستقلة.
سادسا - إن هذه المكاسب القانونية وأهملته تلك المصالح الدولية لا سيما بعد (اتفاق مكافحة الإرهاب) الذي يعتبر ورقة رابحة لدى رئيس اليمن المخلوع علي عبدالله صالح ونظامه السابق مع أمريكا خصوصا بعد أحداث 11 سبتمبر 2011م وتداعياته على العالم، وحتى يكون للورقة هذه أهميتها القانونية التي أود هنا فعلا تقديم الشكر والتقدير لأستاذ القانون الدستوري الزميل الدكتور (لؤي طارش) على وضعها وتقديم الشروحات وتفصيلها، لأنها بمثابة حجة قانونية شارحة لأهداف شرعية (فك الارتباط)، وعليه نؤكد أن هنا كبعض التساؤلات القانونية المتعلقة (بالسند القانوني للقضية الجنوبية) نستعرضها وفقا للآتي:
التساؤل الأول: إذا اعتبرنا (جدلا) أن مطلب الجنوب هو (انفصال) وليس (فك ارتباط)، فهل عدم سماح (الدستور) بذلك يمنعه من المطالبة باستعادة دولته؟ بمعنى آخر، هل يمكن لدولة مثل اليمن الاستناد على المستوى الدولي إلى نصوص دستورها مباشرة حتى يدعي أو يعد غير مقبول وغير شرعي.
نجيب على ذلك (بالنفي)، استنادا إلى ما أكدته (محكمة العدل الدولية) الدائمة في قضية (لاهوت سيليزيه) بتاريخ (25/5/1926) ولجنة القاضي (بادنتير) حول الأزمة اليوغسلافية بتاريخ (29/11/1991م) عندما اعتبرت اللجنة أن القانون الدولي (إن شكل التنظيم السياسي الداخلي والنصوص الدستورية تشكل مجرد وقائع فقط للعلم والاطلاع (غير ملزمة)، ولهذا فبعد صدور (قرار مجلس الأمن الدولي برقم (924) لعام 1994م طالبت (صنعاء) مجلس الأمن (بإدانة) أسمته (إعلان البيض بالانفصال) في (21 مايو 1994م) الذي نعيش ذكراه الثلاثين اليوم ونقف معكم في هذه الندوة على صيغه وخلفيته القانونية) حيث طالب الأطراف (القرار) (باستئناف الحوار) دون شروط مسبقة وهذه العبارة الأخيرة (كانت هي الرد على ذلك الطلب) الذي تقدمت به صنعاء.
التساؤل الثاني: هل تم قبول عضوية الجمهورية اليمنية في الأمم المتحدة (كدولة جنوبية)؟
نعلم جيدا أن في 22 مايو 1990م كان إعلان توحيد الدولتين (شمالا وجنوبا) وهما الدولتان العضوان المستقلتان في الأمم المتحدة، وغيرها من المنظمات الدولية (تحت مسمى دولة جديدة أشير إليها (الجمهورية اليمنية)، فكيف نحقق ذلك على مستوى الأمم المتحدة.. يمكن تحقيق ذلك عبر إرسال مذكرتين منفصلتين من وزيري خارجية الدولتين يبلغان فيها الأمين العام للأمم المتحدة (بتوحيد الدولتين) عام 1990م حيث قام الأمين بدوره بتوزيع الاشعارين إلى الهيئات الرئيسية في المنظمة، وقبل ذلك التاريخ بنحو سنة وتحديدا في تاريخ (18/10/1989م) انتخبت أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة كما هو معتاد دوريا الأعضاء الجدد غير الدائمين في مجلس الأمن الدولي ومنهم جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية)، هنا (إذا كانت الجمهورية اليمنية) اعتبرت دولة جديدة انضمت للأمم المتحدة، فهل يمكن تحديد رقم وتاريخ قبول تلك العضوية (كدولة جديدة) فالمعروف وفقا للفقرة (2) من المادة (4) من ميثاق الأمم المتحدة بأنه (يتم قبول دولة في عضوية الأمم المتحدة (بقرار) من الجمعية العامة (بناء) على توصية (مجلس الأمن) ومن دون هذا (القبول رسميا) هل يمكن اعتبار ميلاد الجمهورية اليمنية بمثابة إلغاء للدولتين العضوين أم تجميد عضويتهما ومقعدهما.
السؤال الثالث: هل تم تعليق أم إلغاء عضوية الدولتين، جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية والجمهورية العربية اليمنية في الأمم المتحدة بعد إعلان وحدتهما.. طبعا هذا التساؤل الهام والخطير بحاجة إلى إجابات عليه من خلال نموذجين تعاطت معها الأمم المتحدة سياسيا وقانونيا.
النماذج
1 - نموذج الوحدة المصرية - السورية، فقد كانا عضوين في الأمم المتحدة (قبل تحقيق الوحدة بينهما في عام 1958م) وذوبان الدولتين في دولة واحدة سميت الجمهورية العربية المتحدة، تم إبلاغ الأمم المتحدة بذلك، ولم يتم إخضاع الدولة الجديدة إلى شروط عضوية الأمم المتحدة وعندما اتخذت سوريا قرار فك الارتباط عن مصر في عام 1961م اكتفت بإبلاغ الأمم المتحدة عبر رئيس وزرائها برغبتها استعادة مقعدها في الأمم المتحدة وهو ما قبلته الأمم المتحدة (خاصة) أن مصر (لم تعترض على ذلك) واعتبر الأمر وكأن عضويتها في الأمم المتحدة لم يتم إلغاؤهما بوحدتهما وإنما (تعليق عضويتهما) حسب التعبير الجميل لأحد فقهاء القانون الدولي، فلا سورية ولا مصر طلب منهما استعادة عضويتهما في الأمم المتحدة تلبية شروط العضوية من جديد وفق الميثاق.
2 - نموذج الوحدة الألمانية: فقد كانتا عضوين في الأمم المتحدة منذ عام 1973م وتوحدتا في دولة واحدة في أكتوبر عام 1990م، وقد يتساءل البعض هنا: لماذا تم ذكر أن الجمهورية اليمنية لم يتم قبول عضويتها كدولة جديدة في الأمم المتحدة في حين قبلت ألمانيا الاتحادية؟ ذلك سؤال وجيه، نقول هنا إن الفارق الرئيسي يعود إلى أن ألمانيا الديمقراطية عند وحدتها هي التي ألغت وجودها كدولة وليس ألمانيا الغربية التي استمرت عضويتها في الأمم المتحدة، بينما في الحالتين السورية والمصرية والشمالية والجنوبية في اليمن لم يتم إلغاء واحدة منهما، وإنما ألغيت الدولتين معا، وعند فك سورية عن مصر ارتباطها اعتبر مقعدها في الأمم المتحدة بمثابة تعليق للعضوية (أثناء) الوحدة وبذلك استعادت كل منهما مقعدهما بعد ذلك.
أخيرا.. نصل إلى حقيقة ثابتة إلى أنه لا توجد حاجة إلى استخدام مبدأ حق تقرير المصير في القضية الجنوبية لأنها في الأصل قد حصلت على استقلالها من بريطانيا في نطاق ممارسة ذلك الحق ضمن مرحلة (تصفية الاستعمار).
ما هو المطلوب الآن؟
إن نصل إلى اتفاق مع الشريك الآخر في دولة الوحدة حول شروط (فك الارتباط) سلميا والتفاوض حول تصفية التزامات كل طرف نحو الطرف الآخر في (طريقة تسديد مستحقات الجنوب) من الموجودات التي تم الاستيلاء عليها بعد حرب صيف عام 1994م حتى اللحظة، إضافة إلى المشاريع والاستثمارات التي تم تمويلها من موارد الجنوب لميزانية الحكومة المعترف بها التي تمثل تلك الموارد ما نسبته 80 % تقريبا منها.
استخدام (الاستفتاء الشعبي) لأبناء الجنوب إذا كان ذلك ضروريا كآلية ديموقراطية (فقط) لمعرفة رأي شعب الجنوب، ليس في احقيته في استعادة دولته السابقة (هذا الحق ليس مجالا للتفاوض) فهو حق طبيعي مكتسب حصل عليه باستقلاله من بريطانيا عام 1967م، ولا نبالغ إذا قلنا إن الشعب نفسه لا يمكنه ولا يحق له التخلي عن دولته وإنما الاستفتاء المطلوب تنظيمه في إطار خيار ديمقراطي بحت حول مشروع قومي في التوحد مع جاره، أم الانكفاء على نفسه في المرحلة الحالية والعودة إلى دولة ما قبل 22 مايو 1990م وأهمية تغيير النظام السياسية الاقتصادي لدولته المراد استعادتها.
إن هذه المكاسب القانونية التي تم تحصيلها دوليا وما تمثل من الرأي العام الدولي جديرة بأن يتم التأكيد على مضمونها والعمل الجاد فيها لتحقيق إعلان دولة الجنوب من جديد.
اليوم نواجه نزالا يتطلب تحديا لمواجهة الخصم الذي يعمل بكل ما أوتي من قوة لهزيمتنا مهما كانت النتائج والأثر الذي سيخلفه، نزالا نستعد له حتى نصل للجولة المطلوبة ونحقق الحسم فيه.
اليوم مميز وكأننا نقدم رسالة شعب الجنوب بكل ثبات وصبر.
فعند تحقيق الوحدة اليمينة عام 1990م وليس كما تتم الإشارة من طرف نخب الشمال بأنها (استعادة) ومن الواضح أن اتفاقية الوحدة لم تقم على مبدأ دستوري أو قانوني أو يؤكد شرعيتها واستمراريتها، ولذلك كان البناء القانوني منذ البداية مشوبا بمخالفات دستورية.
ولبيان ذلك نوضح الأسانيد القانونية الآتية:
1 - إن تحقيق الوحدة اليمينة عام 1990م لم يكن مبنيا على دستور الوحدة الذي أكد الاستفتاء عليها قبل (إعلانها) وهو مالم يحدث، وتلك تعد أول مخالفة للدستور.
2 - كان يفترض التوقيع على الوحدة بين (رئيسين) وليس (حزبين) يمثلهما رئيس حزب المؤتمر وأمين عام الحزب الاشتراكي.
3 - عدم وجود قوانين ولا تشريعات (موحدة) تشير إلى (صلاحيات) (الدولة الجديدة) باعتبارها دولة (مؤقتة مدتها عامين ونصف).
4 - إن الاستفتاء على الدستور لا يعني الاعتراف بالوحدة الاندماجية.
5 - إن الصراعات التي ظهرت بعد إعلان الوحدة) وقبل (إعلان الحرب على الجنوب).
6 - تم تجاوز الدستور وتعديله من قبل طرف واحد غير مخول (حق التعديل) وهو ما تم (انتهاكه) بالفعل بعد الحرب الأولى على الجنوب عام 1994م.
7 - تم نسف معظم مكونات سلطات الدولة وأبرزها (تحويل الرئاسة من جماعية إلى فردية).
8 - إن (صك الاستقلال) الذي منح الجنوب بموجبه عام 1967م الاستقلال يظهر بوضوح ويبين أنه (لا يحق لأي فرد) أو حزب أو سلطة التنازل عن سيادة الدولة واستقلالها ولا نظامها السياسي.
9 - أو الأحزاب (حتى) للاستفتاء العام (للتنازل) عن الهوية أو للتنازل عن السيادة الوطنية أو للاندماج مع نظام سياسي في دولة أخرى.
10 - إن منظمة الأمم المتحدة تعترف بالدول وليس بأنظمتها السياسية، ففي عام 1967م اعترفت الأمم المتحدة (بالدولة الجنوبية) (كدولة مستقلة) (ذات سيادة) بغض النظر عن نظامها السياسي.
11 - (عمل نظام صنعاء) على الاستفادة من اتفاقية (الآن الوحدة عام 1990م) لإذابة شخصية الدولة (قدمت صنعاء) مستندها الأساسي الدولي كمرجع لا يجوز التراجع عنه ولا تبديله.
وهو ما نلمسه و نشاهده اليوم عبر التأكيد من قبل الشرعية اليمينة ومن يمثلها على المرجعيات الثلاث والمبادرة الخليجية المزمنة كأساس (لاستعادة) الدولة الذي سيستمر بناء عليه الغاء الجنوب والتغاضي عن كونه دولة.
12 - إن احتلال الجنوب تم تحقيقه بالقوة العسكرية وتم (فرض) (وجود دولة واحدة) بدلا من دولتين اللتان (دخلتا باتفاقيات) (الوحدة) وبموجب بنود أرفقت بتلك الاتفاقية بشكل تفصيلي.
13 - وعلى ضوء ذلك تكون الجمهورية العربية اليمنية (الدولة الأولى) في العالم التي اعترفت بالدولة الجنوبية (اليمن الديمقراطي) وإعلان مشروع الوحدة معها، ثم انقلبت على كل ذلك واحتلتها بالقوة العسكرية ومارست بحقها أبشع صور الاحتلال.
14 – إن مشروع الدولة الواحدة والاعتراف به من قبل المجتمع الدولي (كان مرهونا) بأن تصبح الدولة (بكامل حيثياتها)، بحكم امتلاك دولة الجنوب (عضوية كاملة) في الأمم المتحدة وفي الهيئات الدولية وفي الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي.
18 - إن ذوبان الشخصية الدولية المقابلة أي الدولة اليمنية دخلت معها (باتفاقات شراكة) بل إن ذوبان للشخصيتين الدولتين معا في شخصية دولة جديدة هي (الجمهورية اليمنية) (بمعنى قانونا) (يحق لأي طرف من الطرفين (فض الشراكة) وكل طرف يمتلك نفس الحق، لأن الشخصيتين الاعتباريتين للدولتين ذابتا معا، ولم تكن إحداهما تابعة للأخرى، أو سميت باسم الدولة الأحرى، وعليه نستطيع التأكيد على الآتي:
أولا - إن القضية الجنوبية انطلقت من مبتدأ إنسانية ودولية.
ثانيا - إن قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة برقم (3070) لعام 1973م شرع نضال الشعوب للتحرر من السيطرة والاستعباد بجميع الوسائل الممكنة بما فيها الحق في الكفاح والنضال.
ثالثا - إن قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة برقم (3336) لعام 1974م الذي قضى بتأكيد مبدأ سيادة سكان الأقاليم المحتلة على ثرواتهم ومواردهم وعلى المجتمع الدولي (إدانة الاحتلال اليمني لقيامه باستغلال هذه الثروات والموارد الخاصة بشعب الجنوب لمصالح أمراء الحرب ونظام صنعاء.
رابعا - إن دعوة الأمين العام للجمعية العامة للأمم المتحدة حينها (بان كي مون) لممثلي الحراك السلمي الذي مثل القضية الجنوبية إلى الاشتراك في جنيف (1) الذي عقد برعاية الأمم المتحدة هو اعتراف بالقضية وبحق التمثيل وحق المطالب المشروعة الوليدة (دولة سلام) واستقرار، وهذا ما تؤكد عليه قرارات مجلس الأمن بشكل دائم حول اليمن.
15 - إن مجلس الأمن الدولي لم يرفض ولم يعترف بحق شعب الجنوب بالعودة إلى دولته السابقة التي أعلنت (بعد الانتهاء من المرحلة الانتقالية) (المقررة كما أشرنا سابقا (بعامين ونصف) حسب اتفاقية (مشروع الوحدة الاندماجية) وذكر ذلك في القرار رقم (924) لسنة 1994م والقرار رقم (931) لسنة 1994م.
16 - إن هذين القرارين قضيا (بالاحتكام للحلول السياسية وعلى أن يبقى الملف قيد النظر).
17 - إن أي اعتراف لابد أن يستند إلى المرجعية القانونية للأمم المتحدة حتى يدعم من قبلها هذه المرجعية القانونية المتوفرة.
خامسا - بيان مجلس التعاون الخليجي في (مدينة أبها) الصادر بتاريخ (4-6 يونيو 1994م) الذي أدان حرب الشمال على الجنوب، وكان الإعداد والتحضير مع دول الفيتو للاعتراف بإعلان دولة الجنوب المستقلة.
سادسا - إن هذه المكاسب القانونية وأهملته تلك المصالح الدولية لا سيما بعد (اتفاق مكافحة الإرهاب) الذي يعتبر ورقة رابحة لدى رئيس اليمن المخلوع علي عبدالله صالح ونظامه السابق مع أمريكا خصوصا بعد أحداث 11 سبتمبر 2011م وتداعياته على العالم، وحتى يكون للورقة هذه أهميتها القانونية التي أود هنا فعلا تقديم الشكر والتقدير لأستاذ القانون الدستوري الزميل الدكتور (لؤي طارش) على وضعها وتقديم الشروحات وتفصيلها، لأنها بمثابة حجة قانونية شارحة لأهداف شرعية (فك الارتباط)، وعليه نؤكد أن هنا كبعض التساؤلات القانونية المتعلقة (بالسند القانوني للقضية الجنوبية) نستعرضها وفقا للآتي:
التساؤل الأول: إذا اعتبرنا (جدلا) أن مطلب الجنوب هو (انفصال) وليس (فك ارتباط)، فهل عدم سماح (الدستور) بذلك يمنعه من المطالبة باستعادة دولته؟ بمعنى آخر، هل يمكن لدولة مثل اليمن الاستناد على المستوى الدولي إلى نصوص دستورها مباشرة حتى يدعي أو يعد غير مقبول وغير شرعي.
نجيب على ذلك (بالنفي)، استنادا إلى ما أكدته (محكمة العدل الدولية) الدائمة في قضية (لاهوت سيليزيه) بتاريخ (25/5/1926) ولجنة القاضي (بادنتير) حول الأزمة اليوغسلافية بتاريخ (29/11/1991م) عندما اعتبرت اللجنة أن القانون الدولي (إن شكل التنظيم السياسي الداخلي والنصوص الدستورية تشكل مجرد وقائع فقط للعلم والاطلاع (غير ملزمة)، ولهذا فبعد صدور (قرار مجلس الأمن الدولي برقم (924) لعام 1994م طالبت (صنعاء) مجلس الأمن (بإدانة) أسمته (إعلان البيض بالانفصال) في (21 مايو 1994م) الذي نعيش ذكراه الثلاثين اليوم ونقف معكم في هذه الندوة على صيغه وخلفيته القانونية) حيث طالب الأطراف (القرار) (باستئناف الحوار) دون شروط مسبقة وهذه العبارة الأخيرة (كانت هي الرد على ذلك الطلب) الذي تقدمت به صنعاء.
التساؤل الثاني: هل تم قبول عضوية الجمهورية اليمنية في الأمم المتحدة (كدولة جنوبية)؟
نعلم جيدا أن في 22 مايو 1990م كان إعلان توحيد الدولتين (شمالا وجنوبا) وهما الدولتان العضوان المستقلتان في الأمم المتحدة، وغيرها من المنظمات الدولية (تحت مسمى دولة جديدة أشير إليها (الجمهورية اليمنية)، فكيف نحقق ذلك على مستوى الأمم المتحدة.. يمكن تحقيق ذلك عبر إرسال مذكرتين منفصلتين من وزيري خارجية الدولتين يبلغان فيها الأمين العام للأمم المتحدة (بتوحيد الدولتين) عام 1990م حيث قام الأمين بدوره بتوزيع الاشعارين إلى الهيئات الرئيسية في المنظمة، وقبل ذلك التاريخ بنحو سنة وتحديدا في تاريخ (18/10/1989م) انتخبت أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة كما هو معتاد دوريا الأعضاء الجدد غير الدائمين في مجلس الأمن الدولي ومنهم جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية)، هنا (إذا كانت الجمهورية اليمنية) اعتبرت دولة جديدة انضمت للأمم المتحدة، فهل يمكن تحديد رقم وتاريخ قبول تلك العضوية (كدولة جديدة) فالمعروف وفقا للفقرة (2) من المادة (4) من ميثاق الأمم المتحدة بأنه (يتم قبول دولة في عضوية الأمم المتحدة (بقرار) من الجمعية العامة (بناء) على توصية (مجلس الأمن) ومن دون هذا (القبول رسميا) هل يمكن اعتبار ميلاد الجمهورية اليمنية بمثابة إلغاء للدولتين العضوين أم تجميد عضويتهما ومقعدهما.
السؤال الثالث: هل تم تعليق أم إلغاء عضوية الدولتين، جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية والجمهورية العربية اليمنية في الأمم المتحدة بعد إعلان وحدتهما.. طبعا هذا التساؤل الهام والخطير بحاجة إلى إجابات عليه من خلال نموذجين تعاطت معها الأمم المتحدة سياسيا وقانونيا.
النماذج
1 - نموذج الوحدة المصرية - السورية، فقد كانا عضوين في الأمم المتحدة (قبل تحقيق الوحدة بينهما في عام 1958م) وذوبان الدولتين في دولة واحدة سميت الجمهورية العربية المتحدة، تم إبلاغ الأمم المتحدة بذلك، ولم يتم إخضاع الدولة الجديدة إلى شروط عضوية الأمم المتحدة وعندما اتخذت سوريا قرار فك الارتباط عن مصر في عام 1961م اكتفت بإبلاغ الأمم المتحدة عبر رئيس وزرائها برغبتها استعادة مقعدها في الأمم المتحدة وهو ما قبلته الأمم المتحدة (خاصة) أن مصر (لم تعترض على ذلك) واعتبر الأمر وكأن عضويتها في الأمم المتحدة لم يتم إلغاؤهما بوحدتهما وإنما (تعليق عضويتهما) حسب التعبير الجميل لأحد فقهاء القانون الدولي، فلا سورية ولا مصر طلب منهما استعادة عضويتهما في الأمم المتحدة تلبية شروط العضوية من جديد وفق الميثاق.
2 - نموذج الوحدة الألمانية: فقد كانتا عضوين في الأمم المتحدة منذ عام 1973م وتوحدتا في دولة واحدة في أكتوبر عام 1990م، وقد يتساءل البعض هنا: لماذا تم ذكر أن الجمهورية اليمنية لم يتم قبول عضويتها كدولة جديدة في الأمم المتحدة في حين قبلت ألمانيا الاتحادية؟ ذلك سؤال وجيه، نقول هنا إن الفارق الرئيسي يعود إلى أن ألمانيا الديمقراطية عند وحدتها هي التي ألغت وجودها كدولة وليس ألمانيا الغربية التي استمرت عضويتها في الأمم المتحدة، بينما في الحالتين السورية والمصرية والشمالية والجنوبية في اليمن لم يتم إلغاء واحدة منهما، وإنما ألغيت الدولتين معا، وعند فك سورية عن مصر ارتباطها اعتبر مقعدها في الأمم المتحدة بمثابة تعليق للعضوية (أثناء) الوحدة وبذلك استعادت كل منهما مقعدهما بعد ذلك.
أخيرا.. نصل إلى حقيقة ثابتة إلى أنه لا توجد حاجة إلى استخدام مبدأ حق تقرير المصير في القضية الجنوبية لأنها في الأصل قد حصلت على استقلالها من بريطانيا في نطاق ممارسة ذلك الحق ضمن مرحلة (تصفية الاستعمار).
ما هو المطلوب الآن؟
إن نصل إلى اتفاق مع الشريك الآخر في دولة الوحدة حول شروط (فك الارتباط) سلميا والتفاوض حول تصفية التزامات كل طرف نحو الطرف الآخر في (طريقة تسديد مستحقات الجنوب) من الموجودات التي تم الاستيلاء عليها بعد حرب صيف عام 1994م حتى اللحظة، إضافة إلى المشاريع والاستثمارات التي تم تمويلها من موارد الجنوب لميزانية الحكومة المعترف بها التي تمثل تلك الموارد ما نسبته 80 % تقريبا منها.
استخدام (الاستفتاء الشعبي) لأبناء الجنوب إذا كان ذلك ضروريا كآلية ديموقراطية (فقط) لمعرفة رأي شعب الجنوب، ليس في احقيته في استعادة دولته السابقة (هذا الحق ليس مجالا للتفاوض) فهو حق طبيعي مكتسب حصل عليه باستقلاله من بريطانيا عام 1967م، ولا نبالغ إذا قلنا إن الشعب نفسه لا يمكنه ولا يحق له التخلي عن دولته وإنما الاستفتاء المطلوب تنظيمه في إطار خيار ديمقراطي بحت حول مشروع قومي في التوحد مع جاره، أم الانكفاء على نفسه في المرحلة الحالية والعودة إلى دولة ما قبل 22 مايو 1990م وأهمية تغيير النظام السياسية الاقتصادي لدولته المراد استعادتها.
إن هذه المكاسب القانونية التي تم تحصيلها دوليا وما تمثل من الرأي العام الدولي جديرة بأن يتم التأكيد على مضمونها والعمل الجاد فيها لتحقيق إعلان دولة الجنوب من جديد.