تصوروا بأنهم لا زالوا يطالبون بالوحدة بعد أن عملوا على تدميرها في النفوس والوجدان على أرض الواقع، فالجنوبي ذهب بقضه وقضيضه إلى صنعاء حاملا لواء الوحدة. لكنه لم يجد شريكًا محترمًا فمن أول لحظة نقض الاتفاقات فذهب ليعمل تحالفا ليقضي على حلم كل اليمنين في بناء دولة مدنية تكون ملاذًا آمنًا لهم وكانت البداية اغتيال قيادات جنوبية وأشعل بذلك نار الفتنة، حتى شن الحرب على الجنوب وهنا كانت الفاجعة بأن شاهد الجنوبيون حجم الدمار الهائل لمدينتهم عدن وكذا منظر النهب والسلب لكل المؤسسات الحكومية وغير الحكومية ولم يستثنوا منها شيء وهذه تقاليدهم عند احتلال المدن، كل ذلك كان في أول يوم لاحتلالهم عدن والجنوب ولم يبقوا أي شيء لا في البر ولا في البحر وتركوها قاعًا صفصفًا وزاد فوق كل ذلك تسريح عشرات الآلف من العسكريين والمدنيين ومش كذا وبس سرعان ما غيروا أسماء الشوارع والأحياء والمدارس وفقد الجنوبي عنوانه وهويته الوطنية وأصبح غريبًا على أرضه، والسؤال هل هذه أعمال لأناس وحدويون أو حتى رجال دولة؟ أم أن هذا شغل ناس همج لا يؤمنون بالدولة ولا بالوحدة التي تمت بين دولتين والتي يفترض أن تكون وحدة الحفاظ على المصالح المشتركة وحدة الرضا والقبول وليس وحدة الضم والالحاق لذا السؤال؟

- هل ممكن تقنع حتى طفل جنوبي بأن هذه الوحدة التي يسمع ليل ونهار عنها بالإعلام مرتبطة بموته وبمصادرة حقه في الحياة والعيش الاّمن ومصادرة أرضه ووظيفة والده والسطو على مسكن عائلته بحجة أنه انفصالي حسب تصنيفهم له؟

- هل ممكن أن تقنع أي مواطن جنوبي بأن الوحدة عبر شعارهم. الوحدة أو الموت مقدمة على حقه في الحياة وحقه في العيش الكريم. وحقه في العمل وحقه في تأمين مستقبل أطفاله وأحفاده؟

- هل ممكن أن تقنع إنسان بأنه من أجل الوحدة لازم تسلم كجنوبي كل ما لديك للأتي من الشمال، وهو الذي يفترض أن يعيش بدلًا عنك ويأخذ وظيفتك وأرضك ومسكنك وأنت تغادر إلى أي مكان في العالم بحجة أنك من أصول صومالية أو هندية أو من بقايا الاستعمار؟

- هل ممكن أن تقنع أي مواطن جنوبي بأنه لازم يستغني عن الرعاية الصحية وعن التعليم المجاني وعن الدعم للمواد الاستهلاكية الذي كان يحصل عليه، لأن ذلك من بقايا الاشتراكية وأن تلتزم بنظام السوق بالعرض والطلب ودون أن تجد ما يكفيك من مرتب أو دخل آمن لك ولأسرتك وبالمقابل تم مصادرة المصنع الذي كنت تعمل فيه ومصادرة وظيفتك وإحالتك إلى قوة فائضة؟

- هل ممكن أن تقنع أي مواطن جنوبي وهو يشاهد العبث بممتلكات الدولة الجنوبية عبر توزيع أصولها وممتلكاتها على المتنفذين من مصانع وعقارات وأراضي وموانئ وغيرها، وهي التي شارك المواطن الجنوبي بتشييدها عبر المبادرات الجماهيرية وهي بالتالي ملكه وملك أحفاده؟

- هل ممكن أن تقنع أي مواطن جنوبي وهو يشاهد تحويل ملكية حقول النفط إلى متنفذي صنعاء وتشاهد بأن كمية النفط التي تنتج لا ينعكس على مستوى حياة الناس بينما يقارن في وضع ما قبل الوحدة، حيث لم يكن هناك إنتاج ولا برميل نفط واحد ولكن كانت الدولة تقوم بتقديم الرعاية كاملة لجميع المواطنين ولأسرهم وأطفالهم؟

- هل ممكن أن تقنع أي مواطن جنوبي وهو يشاهد الاستحواذ على وظائف صناعة النفط والغاز من قبل مناطق محددة في الشمال ولا يستطيع أي جنوبي أن يحصل على فرصة عمل ويشاهد إنتاج النفط من أرضه يذهب لجيوب المتنفذين مباشرة؟

- لا تستطيع أن تقنع مواطن جنوبي بعد أن فقد الأمن والأمان بانتشار الرشوة والفساد وإشاعة الثارات التي تخلص منها الجنوب من وقت مبكر ويقارن وضعه فيما قبل الوحدة وما بعدها كيف سمح هذا النظام ( الوحدوي) أن يجمع إرهابي العالم ويسمح لهم بالتموضع في الجنوب كإرهابين وبسببهم تعرضت مناطق للمجازر مثل المعجلة، وهناك مجازر أخرى أكملها النظام أثناء الحراك السلمي في سناح وزنجبار وعدن وأخيرا عند غزوه في 2015م للنازحين من التواهي وما لحقها في مناطق أخرى.

- هذه مجرد نماذج وهناك الكثير غيرها توكّد استحالة الوثوق بهذه العقليات بأنها جديرة بالانتماء إلى هذا العصر.

أثبتت التجربة بأن هذه النخب اليمنية ليست إلا عصابات لا تملك مشروع سياسي محترم لبناء دولة مدنية، وشعر الجنوبي بالغبن بأنه فقد دولته المدنية وخسر من حياته أكثر من ثلاثة عقود وهو يصارع طواحين الهواء في حرب لا نهاية لها.

لم تستطع الشرعية خلال العشر سنوات حرب من استعادة عاصمتهم صنعاء ولا القضاء على الحوثي رغم الدعم العسكري والسياسي الهائل الذي يقدمه التحالف العربي ولهذا ظلت جاثمة على الجنوب تمارس هوايتها في إحكام السيطرة عليه، والسؤال هل كان كل ذلك تبادل أدوار بين تلك النخب اليمنية في أن المؤتمر يكون مع أنصار الله وإيران والشرعية تكون مع التحالف وبالوسط يكون الجنوب ساحة لممارسة هوايتهما المفضلة في أحكام السيطرة عليه وعبر هذه الحيلة، كون الشرعية المعترف بها إقليميًا ودوليًا تضمن إعادة الجنوب إلى باب اليمن وبالمقابل يتم اعتراف الإقليم والعالم بالحوثي كأمر واقع وبالتالي تأتي الصفقة الأخيرة التي تؤدي إلى إبقاء الجنوب تحت هيمنة القوى اليمنية سوى كانت حوثية وشرعية ومنع الجنوب حتى من إدارة نفسه ذاتيًا، السؤال لماذا كل ذلك؟ والجنوب قدم ما عليه من تحرير أرضه والمشاركة في تحرير الساحل الغربي هل لا زال ينظر للجنوب من زاوية فترة الحرب الباردة، علمًا بأن هذه الحرب قد انتهت منذ عقود سابقه فالجنوب ليس له علاقة باي حلف عالمي او حتى اقليمي ولكنه شعب يعشق الحرية ويريد أن يعيش بكرامة، من يستطيع أن يقنع شعب الجنوب بغير ذلك؟