> علاء محسن:
عندما شكّل السعوديون تحالفًا عسكريًا لإيقاف توسع الحوثيين في مارس 2015، لم يكن في الحسبان أن تستمر الحرب لسنوات دون تحقيق انتصار حاسم ضد الجماعة، التي لا زالت تفرض سيطرتها على صنعاء ومعظم شمال اليمن حتى اللحظة. وبغض النظر عن أسباب هذا التعثر، تتحمل إدارة هادي سابقا، كممثل للحكومة المعترف بها دوليًا، جزءًا كبيرًا من المسؤولية عن هذا الجمود العسكري. فرغم الدعم المالي والسياسي الكبير من المجتمع الدولي، اتسمت إدارة هادي بالفساد وضعف الكفاءة، إضافة إلى عدم قدرتها على العمل بفعالية مع الشركاء المحليين والإقليميين. وعلى الرغم من تغير موازين القوى المحلية وظهور قوى جديدة، إلا أنّ إدارة هادي لم تبذل جهودًا كافية لدمج هذه القوى الصاعدة في مؤسسات الدولة. ومع تصاعد الضغوط الدولية لإنهاء الصراع في اليمن، بات واضحًا أن تحقيق السلام يتطلب وجود هيئة تنفيذية موحدة قادرة على مواجهة الحوثيين والتفاوض معهم من موقع قوة. هذا الواقع فرض الحاجة إلى إعادة هيكلة سلطات الحكومة اليمنية لتكون أكثر شمولية وفعالية في تحقيق السلام والاستقرار في البلاد.
في هذا السياق، نقل الرئيس هادي في 7 أبريل 2022 صلاحياته الرئاسية إلى هيئة جديدة عُرفت باسم مجلس القيادة الرئاسي. وعلى الرغم من أن الدافع وراء هذا التغيير كان مبررًا، فإن الطريقة التي تم بها تنفيد هذا التغيير أثارت بعض التساؤلات، حيث استضافت الرياض بين 29 مارس و7 أبريل 2022 مشاورات يمنية-يمنية تحت رعاية مجلس التعاون الخليجي. غير أن نتائج هذه المشاورات بدت وكأنها معدة مسبقًا، فقد تم إشراك الحاضرين أساسًا للمصادقة على هذه التغييرات ومنحها الشرعية، خاصة وأن هذه المدة القصيرة لم تكن كافية لإجراء مناقشات معمّقة بين مختلف الأطراف والفصائل السياسية. كما يشير توقيت هذه المشاورات ونتائجها من إنشاء مجلس القيادة الرئاسي، الذي تزامنت مع الهدنة التي رعتها الأمم المتحدة، إلى الشعور بأن الهدف الأساسي من إعادة تشكيل السلطة الشرعية ما هو إلا لتسهيل خروج السعودية الآمن من الأزمة اليمنية أكثر من كونه محاولة جادة لإصلاح مسار الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا لتكون أكثر قدرة على إرساء دعائم الاستقرار والسلام كما كان مأمولا.
وعلى الرغم من هذا النجاح الجزئي في الحد من الصراع المسلح، إلا أن مجلس القيادة الرئاسي لم يتمكن بعد من الوفاء بمسؤولياته الرئيسية وتصحيح أوجه القصور التي يعاني منها، حيث لا يزال مشلولًا بسبب الانقسامات المزمنة والأجندات المتضاربة. ونتيجة لهذه التباينات، لم ينجح المجلس في تحييد الخطر الحوثي سواء في الأراضي اليمنية أو في المياه الإقليمية المحيطة بها، حيث تمكنت الجماعة من استهداف العديد من الموانئ النفطية في المناطق الخاضعة لسيطرة مجلس القيادة. أهم تلك العمليات هو قصف الحوثيين لميناء الضبة النفطي في حضرموت بعد بضعة أشهر فقط من تشكيل المجلس الرئاسي. هذه الهجمات عطّلت فعليًا قدرة الحكومة اليمنية على تصدير النفط الخام، مما أدى إلى انخفاض حاد في إيرادات الدولة. وفي حين يستمر الحوثيون في استخدام تكتيكات عدوانية واستحداث أسلحة جديدة لضرب خصومهم، يبقى المجلس القيادة، شأنه شأن إدارة هادي السابقة، في موقف دفاعي غير فعّال.
كان الهدف الرئيسي من تأسيس مجلس القيادة الرئاسي هو توحيد القوى المختلفة المناهضة للحوثيين وتوفير استجابة عسكرية منسقة، إلا أن هذا الهدف لم يتحقق حتى الآن. فقد أخفق المجلس في إعادة هيكلة التشكيلات العسكرية المنضوية تحت سيطرته ضمن إطار أكثر فاعلية، مما تركها مجزأة وغير قادرة على وضع استراتيجية عسكرية متماسكة. نتيجة لذلك، تمكّن الحوثيون من تعزيز قوتهم العسكرية، وهو ما ظهر جليا في هجماتهم البحرية والبرية في أزمة البحر الأحمر وحرب غزة. وتفاقمت الانقسامات داخل المجلس حتى وصلت إلى حد تشكيل قوات عسكرية جديدة، حيث تشير التقارير إلى أنّ رئيس المجلس رشاد العليمي قام بنشر قوات درع الوطن الممولة سعوديا لمواجهة النفوذ العسكري للمجلس الانتقالي المدعوم إماراتيا. وعلى مستوى الخدمات والاقتصاد، لم يكن المجلس فعالًا أيضًا في التخفيف من معاناة الناس، حيث فشل في تحقيق استقرار لعملة المحلية أو السيطرة على التضخم المتفاقم.
وعلى الرغم من هذه التحديات والمشاكل، لم يبذل المجلس أي جهود واضحة لحل الإشكالات القائمة، فالانقسامات العميقة بين أعضائه جعلت من المستحيل عليه أن يعمل بفعالية كأعلى هيئة تنفيذية في البلاد. ورغم التأكيدات الرسمية بأن المجلس يعمل كجسم موحد، إلا أن الخلافات الكبيرة بين أعضائه ما زالت قائمة. على سبيل المثال، انتقد النائب فرج البحسني علنًا جهود رئيس المجلس رشاد العليمي في حضرموت، بحجة أن تلك الجهود لا تعالج مشكلات المحافظة بجدية، وتضيع الوقت في معالجة القضايا المحلية.
وفي حين أن الانقسامات والاختلافات تُعدّ جزءًا متوقعًا من أي ترتيب توافقي، فإن غياب القواعد واللوائح الواضحة التي تحدد الأدوار والمسؤوليات وحدود سلطة كل عضو قد أعاق فعالية عمليات مجلس القيادة الرئاسي. فعلى سبيل المثال، اتهم القيادي في المجلس الانتقالي الجنوبي، ناصر الخبجي، رئيس المجلس، رشاد العليمي، باتخاذ قرارات أحادية دون التشاور مع بقية الأعضاء. وفي واقعة أخرى، قام مندوبون من مكتب النائب أبو زرعة المحرمي، بإغلاق مكتب تم افتتاحه حديثًا يتبع مدير مكتب رئيس الجمهورية يحيى الشعيبي، احتجاجًا على قرارات إعادة الهيكلة التي تم اتخاذها بشكل أحادي دون إجماع المجلس. تعكس هذه الحوادث غياب آلية تشغيلية واضحة لتنظيم عمل المجلس.
من شأنّ المجلس الأصغر أن يقدّم العديد من المزايا. أولًا، من خلال تقليل عدد الأعضاء، ستكون هنا احتمالية أصغر في تضارب المصالح، مما يسهم في جعل المجلس أكثر انسيابية، والذي بدوره سيقلل من الجمود والاختلاف، ويجعل عملية صنع القرار وتنفيذ السياسات أكثر كفاءة. حتى بالنسبة لرئيس المجلس، سيكون التعامل مع نائبين أسهل من التنسيق مع سبعة في الوقت نفسه. ثانيًا، سيساعد الهيكل المبسط في توضيح الأدوار والمسؤوليات بشكل أفضل، مما يقلل من الارتباك ويزيد من كفاءة المجلس. وبالمثل، فإن هيكل المجلس الأصغر سيحسن المساءلة من خلال تسهيل تتبع القرارات وتنفيذها. بعبارة أخرى، مع وجود عدد أقل من الأعضاء، سيكون من الواضح من المسؤول عن كل قرار، مما يضمن أن يكون لكل عضو في المجلس، بما في ذلك الرئيس، دور واضح ومجال مسؤولية محددة. أخيرًا، سيساهم هذا الهيكل المبسط في تعزيز التعاون مع الحلفاء الإقليميين من خلال تحقيق توازن في النفوذ. يمكن أن تلعب العلاقات التاريخية للمملكة العربية السعودية مع شمال اليمن، والعلاقة الوثيقة بين الإمارات العربية المتحدة والمجلس الانتقالي الجنوبي، دورًا مهمًا في تحسين قدرة هذا المجلس على إدارة البلاد ومواجهة التحديات التي يشكلها الحوثيون.
"سوث24"
في هذا السياق، نقل الرئيس هادي في 7 أبريل 2022 صلاحياته الرئاسية إلى هيئة جديدة عُرفت باسم مجلس القيادة الرئاسي. وعلى الرغم من أن الدافع وراء هذا التغيير كان مبررًا، فإن الطريقة التي تم بها تنفيد هذا التغيير أثارت بعض التساؤلات، حيث استضافت الرياض بين 29 مارس و7 أبريل 2022 مشاورات يمنية-يمنية تحت رعاية مجلس التعاون الخليجي. غير أن نتائج هذه المشاورات بدت وكأنها معدة مسبقًا، فقد تم إشراك الحاضرين أساسًا للمصادقة على هذه التغييرات ومنحها الشرعية، خاصة وأن هذه المدة القصيرة لم تكن كافية لإجراء مناقشات معمّقة بين مختلف الأطراف والفصائل السياسية. كما يشير توقيت هذه المشاورات ونتائجها من إنشاء مجلس القيادة الرئاسي، الذي تزامنت مع الهدنة التي رعتها الأمم المتحدة، إلى الشعور بأن الهدف الأساسي من إعادة تشكيل السلطة الشرعية ما هو إلا لتسهيل خروج السعودية الآمن من الأزمة اليمنية أكثر من كونه محاولة جادة لإصلاح مسار الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا لتكون أكثر قدرة على إرساء دعائم الاستقرار والسلام كما كان مأمولا.
- مجلس القيادة الرئاسي: نقاط القوة والضعف
وعلى الرغم من هذا النجاح الجزئي في الحد من الصراع المسلح، إلا أن مجلس القيادة الرئاسي لم يتمكن بعد من الوفاء بمسؤولياته الرئيسية وتصحيح أوجه القصور التي يعاني منها، حيث لا يزال مشلولًا بسبب الانقسامات المزمنة والأجندات المتضاربة. ونتيجة لهذه التباينات، لم ينجح المجلس في تحييد الخطر الحوثي سواء في الأراضي اليمنية أو في المياه الإقليمية المحيطة بها، حيث تمكنت الجماعة من استهداف العديد من الموانئ النفطية في المناطق الخاضعة لسيطرة مجلس القيادة. أهم تلك العمليات هو قصف الحوثيين لميناء الضبة النفطي في حضرموت بعد بضعة أشهر فقط من تشكيل المجلس الرئاسي. هذه الهجمات عطّلت فعليًا قدرة الحكومة اليمنية على تصدير النفط الخام، مما أدى إلى انخفاض حاد في إيرادات الدولة. وفي حين يستمر الحوثيون في استخدام تكتيكات عدوانية واستحداث أسلحة جديدة لضرب خصومهم، يبقى المجلس القيادة، شأنه شأن إدارة هادي السابقة، في موقف دفاعي غير فعّال.
كان الهدف الرئيسي من تأسيس مجلس القيادة الرئاسي هو توحيد القوى المختلفة المناهضة للحوثيين وتوفير استجابة عسكرية منسقة، إلا أن هذا الهدف لم يتحقق حتى الآن. فقد أخفق المجلس في إعادة هيكلة التشكيلات العسكرية المنضوية تحت سيطرته ضمن إطار أكثر فاعلية، مما تركها مجزأة وغير قادرة على وضع استراتيجية عسكرية متماسكة. نتيجة لذلك، تمكّن الحوثيون من تعزيز قوتهم العسكرية، وهو ما ظهر جليا في هجماتهم البحرية والبرية في أزمة البحر الأحمر وحرب غزة. وتفاقمت الانقسامات داخل المجلس حتى وصلت إلى حد تشكيل قوات عسكرية جديدة، حيث تشير التقارير إلى أنّ رئيس المجلس رشاد العليمي قام بنشر قوات درع الوطن الممولة سعوديا لمواجهة النفوذ العسكري للمجلس الانتقالي المدعوم إماراتيا. وعلى مستوى الخدمات والاقتصاد، لم يكن المجلس فعالًا أيضًا في التخفيف من معاناة الناس، حيث فشل في تحقيق استقرار لعملة المحلية أو السيطرة على التضخم المتفاقم.
- تحديات التوافق
وعلى الرغم من هذه التحديات والمشاكل، لم يبذل المجلس أي جهود واضحة لحل الإشكالات القائمة، فالانقسامات العميقة بين أعضائه جعلت من المستحيل عليه أن يعمل بفعالية كأعلى هيئة تنفيذية في البلاد. ورغم التأكيدات الرسمية بأن المجلس يعمل كجسم موحد، إلا أن الخلافات الكبيرة بين أعضائه ما زالت قائمة. على سبيل المثال، انتقد النائب فرج البحسني علنًا جهود رئيس المجلس رشاد العليمي في حضرموت، بحجة أن تلك الجهود لا تعالج مشكلات المحافظة بجدية، وتضيع الوقت في معالجة القضايا المحلية.
وفي حين أن الانقسامات والاختلافات تُعدّ جزءًا متوقعًا من أي ترتيب توافقي، فإن غياب القواعد واللوائح الواضحة التي تحدد الأدوار والمسؤوليات وحدود سلطة كل عضو قد أعاق فعالية عمليات مجلس القيادة الرئاسي. فعلى سبيل المثال، اتهم القيادي في المجلس الانتقالي الجنوبي، ناصر الخبجي، رئيس المجلس، رشاد العليمي، باتخاذ قرارات أحادية دون التشاور مع بقية الأعضاء. وفي واقعة أخرى، قام مندوبون من مكتب النائب أبو زرعة المحرمي، بإغلاق مكتب تم افتتاحه حديثًا يتبع مدير مكتب رئيس الجمهورية يحيى الشعيبي، احتجاجًا على قرارات إعادة الهيكلة التي تم اتخاذها بشكل أحادي دون إجماع المجلس. تعكس هذه الحوادث غياب آلية تشغيلية واضحة لتنظيم عمل المجلس.
- الحاجة إلى مجلس مصغر
من شأنّ المجلس الأصغر أن يقدّم العديد من المزايا. أولًا، من خلال تقليل عدد الأعضاء، ستكون هنا احتمالية أصغر في تضارب المصالح، مما يسهم في جعل المجلس أكثر انسيابية، والذي بدوره سيقلل من الجمود والاختلاف، ويجعل عملية صنع القرار وتنفيذ السياسات أكثر كفاءة. حتى بالنسبة لرئيس المجلس، سيكون التعامل مع نائبين أسهل من التنسيق مع سبعة في الوقت نفسه. ثانيًا، سيساعد الهيكل المبسط في توضيح الأدوار والمسؤوليات بشكل أفضل، مما يقلل من الارتباك ويزيد من كفاءة المجلس. وبالمثل، فإن هيكل المجلس الأصغر سيحسن المساءلة من خلال تسهيل تتبع القرارات وتنفيذها. بعبارة أخرى، مع وجود عدد أقل من الأعضاء، سيكون من الواضح من المسؤول عن كل قرار، مما يضمن أن يكون لكل عضو في المجلس، بما في ذلك الرئيس، دور واضح ومجال مسؤولية محددة. أخيرًا، سيساهم هذا الهيكل المبسط في تعزيز التعاون مع الحلفاء الإقليميين من خلال تحقيق توازن في النفوذ. يمكن أن تلعب العلاقات التاريخية للمملكة العربية السعودية مع شمال اليمن، والعلاقة الوثيقة بين الإمارات العربية المتحدة والمجلس الانتقالي الجنوبي، دورًا مهمًا في تحسين قدرة هذا المجلس على إدارة البلاد ومواجهة التحديات التي يشكلها الحوثيون.
- خاتمة
"سوث24"