> د. عبد المنعم همت*

تتسم العلاقات السودانية – المصرية بالتعقيد المتزايد في ظل التطورات الأخيرة. فقد أثار خطاب قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو (حميدتي)، اتهامات مباشرة لمصر بالتدخل العسكري لصالح الجيش السوداني. وفقًا لحميدتي استُخدم الطيران المصري لاستهداف قواته، ما يفتح باب التساؤلات حول طبيعة العلاقة التي لطالما تم تصويرها بأنها "أخوية" أو "ودية".

يظهر التاريخ أن مصر تدخلت مرارًا لحماية مصالحها الاستراتيجية في السودان، حتى عندما تتعارض هذه المصالح مع تطلعات الشعب السوداني. ومن أبرز تلك التدخلات دعم مصر لنظام "الإنقاذ" الذي جاء بانقلاب عام 1989 بقيادة الإسلاميين. إذ يعكس تأييد مصر لهذا الانقلاب توجهًا إستراتيجيًّا يهدف إلى حماية مصالحها، وهو ما أدى إلى انتكاسة للشعب السوداني الذي كان يتطلع إلى الديمقراطية والحكم المدني. لقد أظهرت هذه التدخلات أن مصر تفضل التعامل مع أنظمة عسكرية تضمن استقرارًا نسبيًّا على حدودها الجنوبية، بغض النظر عن إرادة الشعب السوداني.

مع تصاعد التوترات بين قوات الدعم السريع ومصر يبرز احتمال نشوء تحالفات إقليمية جديدة قد تعيد تشكيل التوازنات في المنطقة

اليوم تتخذ المواجهة بين مصر وقوات الدعم السريع أبعادًا جديدة، لم يعد الحديث يدور حول الدعم الدبلوماسي أو السياسي، بل تحول الأمر إلى مواجهة عسكرية، وهو ما يعكس تصاعد التوترات بين الطرفين. يشير حميدتي بوضوح إلى أن هذه المواجهة تتجاوز الإطار التقليدي للعلاقات، إذ أصبحت تتمحور حول الجوانب العسكرية والاقتصادية. يهدد إعلام الدعم السريع باستهداف مواقع استراتيجية مصرية، من بينها السد العالي، ما ينذر بتصعيد خطير قد يعيد تشكيل العلاقات الإقليمية في المنطقة.

قد تؤدي هذه التوترات إلى تشكيل تحالفات جديدة بين قوات الدعم السريع ودول أخرى في المنطقة. فقد تجد إثيوبيا، التي تعيش صراعًا مع مصر حول سد النهضة، في هذه الأزمة فرصة لتعميق تحالفاتها مع قوات الدعم السريع، وهو ما يضيف بعدًا إقليميًّا جديدًا للصراع. وقد يصبح هذا التحالف خطوة استراتيجية في تعزيز موقف كل من الطرفين، خاصة إذا تفاقم الصراع العسكري مع الجيش المصري.

من الناحية الاقتصادية يبدو أن قوات الدعم السريع تستخدم الاقتصاد كسلاح في هذا الصراع، فقد أصدرت بيانًا يمنع تصدير العديد من السلع الأساسية إلى مصر، بما في ذلك اللحوم والمواشي. تعتمد مصر بشكل كبير على هذه الواردات السودانية، خاصة في ظل الضغوط الاقتصادية الداخلية التي تواجهها. هذا القرار يمثل تحديًا كبيرًا للحكومة المصرية، التي قد تجد نفسها في مواجهة أزمة داخلية نتيجة لارتفاع الأسعار ونقص المواد الغذائية.

لطالما كانت العلاقات الاقتصادية بين مصر والسودان حساسة، حيث يعتبر السودان موردًا رئيسيًّا لمصر في العديد من المجالات الحيوية. أي تعطيل لهذه العلاقات سيؤدي إلى تأثيرات كبيرة على الاقتصاد المصري، الذي يعاني بالفعل من أزمات متتالية. قد تدفع هذه الضغوط الاقتصادية مصر إلى البحث عن بدائل سريعة، وهو ما سيكون مكلفًا وغير مضمون النتائج على المدى القصير.

في ظل هذه التطورات يبدو أن العلاقات السودانية – المصرية تمر بمنعطف جديد يتسم بالتوترات والمواجهات متعددة الأبعاد. ما كان يُعتبر في السابق مجرد توترات دبلوماسية أصبح اليوم مواجهة شاملة تشمل الجوانب الاقتصادية والعسكرية، وربما تتحول إلى صراع إقليمي إذا لم يتم احتواء التصعيد.

قد تجد إثيوبيا، التي تعيش صراعًا مع مصر حول سد النهضة، في هذه الأزمة فرصة لتعميق تحالفاتها مع قوات الدعم السريع

ومع تصاعد التوترات بين قوات الدعم السريع ومصر يبرز احتمال نشوء تحالفات إقليمية جديدة قد تعيد تشكيل التوازنات في المنطقة. أحد هذه التحالفات المحتملة هو التحالف بين قوات الدعم السريع وإثيوبيا، التي تعاني من توتر طويل الأمد مع مصر حول قضية سد النهضة. بالنسبة إلى إثيوبيا قد يكون دعم قوات الدعم السريع وسيلة لتعزيز موقفها ضد مصر في معركة النفوذ على مياه النيل. من جهة أخرى قد تجد قوات الدعم السريع في إثيوبيا حليفًا قويّا، ما يزيد من تعقيد الصراع العسكري.

لا تتوقف هذه التحالفات عند حدود الدولتين فقط، بل قد تؤدي إلى إعادة تشكيل العلاقات الإقليمية في القرن الأفريقي وحوض النيل. وقد يشجع تحالف قوات الدعم السريع مع إثيوبيا دولًا أفريقية أخرى على الانخراط، خاصة تلك التي ترى في مصر قوة مهيمنة يجب الحد من نفوذها. وفي هذا الإطار قد تسعى دول مثل إريتريا أو جنوب السودان إلى تعزيز روابطها مع الطرفين المتصارعين لضمان مصالحها الإقليمية.

ويمكن أن يكون تأثير هذه التحالفات زلزاليّا على التوازنات في المنطقة. ستجد مصر نفسها محاطة بجبهة إقليمية متماسكة قد تشكل تهديدًا استراتيجيّا لمصالحها في مياه النيل وفي المنطقة بشكل عام. من ناحية أخرى قد تتحول قوات الدعم السريع، التي كانت فاعلًا داخليًّا في السابق، إلى لاعب إقليمي محوري، ما يزيد من تعقيد الصراع ويجعل الحلول الدبلوماسية أكثر صعوبة.

بالتالي، فإن تشكيل هذه التحالفات قد يعزز حدة الاستقطاب في المنطقة، حيث ستكون القوى الإقليمية والعالمية مضطرة إلى إعادة النظر في مواقفها ودورها في هذا النزاع المستجد.

* "كاتب سوداني - العرب"