> دمشق«الأيام» العرب اللندنية:
تقلب التطورات الأخيرة في سوريا المعادلة بالنسبة إلى الولايات المتحدة التي حاولت قبل سنوات طي صفحة نزاع مدمّر لم يثمر عن أي نتائج إيجابية تذكر. وتأتي الاضطرابات الأخيرة في المنطقة -التي تعيش حالة من الفوضى- قبل بضعة أسابيع من عودة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، والذي قد يرى فريقه فرصة غير متوقعة في إطار سعيه لإعادة رسم المشهد في الشرق الأوسط، وإن كان ذلك وسط العديد من نقاط الاستفهام.
وجاء هجوم هيئة تحرير الشام وفصائل معارضة متحالفة معها المباغت على حلب بعدما عملت إسرائيل على إضعاف إيران وحزب الله اللبناني، الداعمين للرئيس السوري بشار الأسد. أما روسيا، الداعمة الأخرى للأسد، فهي منشغلة إلى حد كبير بغزوها لأوكرانيا.
وفي منطقة شهدت تغيّرات كبيرة منذ اندلاع حرب غزة، لم يتغيّر كثيرا على مدى عقد الموقفُ الأميركي الذي أوضحته مجددا إدارة الرئيس جو بايدن. فرغم خسارة الأسد مصداقيته بسبب وحشية نظامه، إلا أن الولايات المتحدة لا تمنح الأولوية لإزاحته من السلطة ولا تدعم الفصائل المعارضة له.
وقال المستشار البارز بشأن سوريا في إدارة ترامب الماضية والباحث حاليا في معهد واشنطن آندرو تابلر إن “إدارة بايدن لم تترك سوريا جانبا فحسب، بل تجاهلتها تماما.” وأضاف “يمكنك تجاهل الأمور بقدر ما تشاء، لكن ذلك لا يعني أنها لن تتفاقم.”
ولفت إلى أن الانتكاسات الميدانية قد تجبر الأسد في نهاية المطاف على الوصول إلى حل عبر التفاوض، وهو أمر لطالما قاومه. وقال “أعتقد أن إدارة مقبلة تولي سوريا والنزاعات المشابهة لها مزيدا من الاهتمام ستكون قادرة أكثر على إدارة الملف.” وتابع “لا نعرف بعد ما الذي سيكون عليه شكل ذلك.”
وفي ولايته الأولى أمر ترامب بسحب الجنود الأميركيين استجابة لدعوات تركيا الداعمة لفصائل إسلامية والتي تعتبر أن القوات الكردية في سوريا على ارتباط بحزب العمال الكردستاني. وتراجع لاحقا بعد مناشدات دولية قادتها فرنسا، مبقيا على قوة محدودة.
وأثار ترامب تساؤلات أكبر عندما أشعلت مرشحته لمنصب مدير الاستخبارات تالسي غابرد الجدل عبر تصريحات سابقة تعاطفت فيها مع الأسد.
وأفاد الخبير في الشأن السوري لدى جامعة أوكلاهوما جوشوا لاندس بأن الهدف الأول لصانعي السياسات الأميركيين كان “دعم إسرائيل وإلحاق الضرر بروسيا وإيران.” وأضاف “لذلك، فإن هجوم فصائل المعارضة جيد جدا بالنسبة إلى الولايات المتحدة من هذا المنظور، إذ أنه يغيّر الهندسة الأمنية في الشرق الأوسط بشكل لافت.”
ومن شأن انتصار فصائل المعارضة أن يخرق ما يعرف بـ”الهلال الشيعي” الذي امتد نفوذ إيران من خلاله غربا إلى لبنان. وأكد لاندس أن “ذلك سيصب في مصلحة إسرائيل إلى حد كبير وسيسدد ضربة كبيرة لإيران.”
لكن الفصائل الإسلامية السنية ستقف أيضا ضد الولايات المتحدة التي ستجد نفسها مجددا أمام التساؤل عما إذا كان يتوجب عليها أن تحمي حلفاءها الأكراد من تركيا. وقال لاندس إن الأمر “يطرح معضلة على الولايات المتحدة وإسرائيل بشأن ما إذا كانتا فعلا تفضّلان أن تدير سوريا حكومة إسلامية أم تفضّلان إبقاءها منقسمة وضعيفة.”
بدأت هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقا) وفصائل حليفة لها هجوما واسعا في 27 نوفمبر الماضي ضد القوات الحكومية في محافظة حلب (شمال)، المحاذية لمعقلها في محافظة إدلب المجاورة. وخاضت اشتباكات شرسة مع الجيش السوري، أوقعت عشرات القتلى من الجانبين.
وفي غضون أيام تمكنت الفصائل من بلوغ مدينة حلب، الرئة الاقتصادية لسوريا قبل اندلاع النزاع، ثم سيطرت على كافة أحيائها باستثناء أحياء في شمالها تقع تحت سيطرة مقاتلين أكراد. وتمّ ذلك بعد انسحاب قوات النظام من مواقعها من دون أي مقاومة تُذكر. وبذلك خرجت المدينة بالكامل لأول مرة عن سيطرة القوات الحكومية منذ اندلاع النزاع عام 2011.
وسيطرت الفصائل تباعا على مطار حلب الدولي، ثم على عشرات البلدات والمدن في محافظتي إدلب وحماة حيث دارت اشتباكات عنيفة الثلاثاء مع سعي المقاتلين إلى التقدم باتجاه مدينة حماة، بالتزامن مع عشرات الضربات الجوية الروسية والسورية، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان.
ويقول الباحث في مجموعة الأزمات الدولية جيروم دريفون إن هجوم الفصائل شكل “اختبارا لخطوط دفاع” الجيش السوري، مضيفا “أعتقد أنهم تفاجأوا بأن النظام كان أضعف مما توقعوا.” وتظهر سيطرة الفصائل على حلب، بحسب دريفون، أن “الصراع لم يكن خاملا بل كان نشطا، وأن إيران وروسيا إما أنهما لم تتمكنا أو لم ترغبا حقا في حماية النظام في موقع أساسي.”
لكن عدة بلدان عربية تصالحت مع الأسد، معتبرة أن الحرب انتهت أو على الأقل مجمّدة. واتّخذت عدة دول غربية مؤخرا، أبرزها إيطاليا، موقفا مغايرا للموقف الأميركي فأعادت سفراءها إلى سوريا، سعيا إلى الاستقرار على أمل منع أزمة هجرة جديدة تشبه تلك التي هزت أوروبا قبل عقد.
ودفع تجدد القتال حتى الآن حوالي 50 ألف شخص إلى النزوح، بحسب تقرير للأمم المتحدة، وسيؤدي إلى ازدياد الاحتياجات الإنسانية مع قدوم فصل الشتاء، بحسب نائبة رئيس مركز الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في معهد الولايات المتحدة للسلام منى يعقوبيان.
وقالت يعقوبيان “لذا يثير الأمر أسئلة كبيرة، (لعل أبرزها) أين يذهب الأشخاص الذين ينزحون؟ في ظل هذه التحوّلات في موازين القوى، هل الباب مفتوح لإعادة تشكيل المنطقة وهندستها الأمنية؟ أعتقد أن هذا السؤال كبير ومفتوح جدا.”
وجاء هجوم هيئة تحرير الشام وفصائل معارضة متحالفة معها المباغت على حلب بعدما عملت إسرائيل على إضعاف إيران وحزب الله اللبناني، الداعمين للرئيس السوري بشار الأسد. أما روسيا، الداعمة الأخرى للأسد، فهي منشغلة إلى حد كبير بغزوها لأوكرانيا.
وفي منطقة شهدت تغيّرات كبيرة منذ اندلاع حرب غزة، لم يتغيّر كثيرا على مدى عقد الموقفُ الأميركي الذي أوضحته مجددا إدارة الرئيس جو بايدن. فرغم خسارة الأسد مصداقيته بسبب وحشية نظامه، إلا أن الولايات المتحدة لا تمنح الأولوية لإزاحته من السلطة ولا تدعم الفصائل المعارضة له.
وقال المستشار البارز بشأن سوريا في إدارة ترامب الماضية والباحث حاليا في معهد واشنطن آندرو تابلر إن “إدارة بايدن لم تترك سوريا جانبا فحسب، بل تجاهلتها تماما.” وأضاف “يمكنك تجاهل الأمور بقدر ما تشاء، لكن ذلك لا يعني أنها لن تتفاقم.”
ولفت إلى أن الانتكاسات الميدانية قد تجبر الأسد في نهاية المطاف على الوصول إلى حل عبر التفاوض، وهو أمر لطالما قاومه. وقال “أعتقد أن إدارة مقبلة تولي سوريا والنزاعات المشابهة لها مزيدا من الاهتمام ستكون قادرة أكثر على إدارة الملف.” وتابع “لا نعرف بعد ما الذي سيكون عليه شكل ذلك.”
- في مصلحة الولايات المتحدة
وفي ولايته الأولى أمر ترامب بسحب الجنود الأميركيين استجابة لدعوات تركيا الداعمة لفصائل إسلامية والتي تعتبر أن القوات الكردية في سوريا على ارتباط بحزب العمال الكردستاني. وتراجع لاحقا بعد مناشدات دولية قادتها فرنسا، مبقيا على قوة محدودة.
وأثار ترامب تساؤلات أكبر عندما أشعلت مرشحته لمنصب مدير الاستخبارات تالسي غابرد الجدل عبر تصريحات سابقة تعاطفت فيها مع الأسد.
وأفاد الخبير في الشأن السوري لدى جامعة أوكلاهوما جوشوا لاندس بأن الهدف الأول لصانعي السياسات الأميركيين كان “دعم إسرائيل وإلحاق الضرر بروسيا وإيران.” وأضاف “لذلك، فإن هجوم فصائل المعارضة جيد جدا بالنسبة إلى الولايات المتحدة من هذا المنظور، إذ أنه يغيّر الهندسة الأمنية في الشرق الأوسط بشكل لافت.”
ومن شأن انتصار فصائل المعارضة أن يخرق ما يعرف بـ”الهلال الشيعي” الذي امتد نفوذ إيران من خلاله غربا إلى لبنان. وأكد لاندس أن “ذلك سيصب في مصلحة إسرائيل إلى حد كبير وسيسدد ضربة كبيرة لإيران.”
لكن الفصائل الإسلامية السنية ستقف أيضا ضد الولايات المتحدة التي ستجد نفسها مجددا أمام التساؤل عما إذا كان يتوجب عليها أن تحمي حلفاءها الأكراد من تركيا. وقال لاندس إن الأمر “يطرح معضلة على الولايات المتحدة وإسرائيل بشأن ما إذا كانتا فعلا تفضّلان أن تدير سوريا حكومة إسلامية أم تفضّلان إبقاءها منقسمة وضعيفة.”
بدأت هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقا) وفصائل حليفة لها هجوما واسعا في 27 نوفمبر الماضي ضد القوات الحكومية في محافظة حلب (شمال)، المحاذية لمعقلها في محافظة إدلب المجاورة. وخاضت اشتباكات شرسة مع الجيش السوري، أوقعت عشرات القتلى من الجانبين.
وفي غضون أيام تمكنت الفصائل من بلوغ مدينة حلب، الرئة الاقتصادية لسوريا قبل اندلاع النزاع، ثم سيطرت على كافة أحيائها باستثناء أحياء في شمالها تقع تحت سيطرة مقاتلين أكراد. وتمّ ذلك بعد انسحاب قوات النظام من مواقعها من دون أي مقاومة تُذكر. وبذلك خرجت المدينة بالكامل لأول مرة عن سيطرة القوات الحكومية منذ اندلاع النزاع عام 2011.
وسيطرت الفصائل تباعا على مطار حلب الدولي، ثم على عشرات البلدات والمدن في محافظتي إدلب وحماة حيث دارت اشتباكات عنيفة الثلاثاء مع سعي المقاتلين إلى التقدم باتجاه مدينة حماة، بالتزامن مع عشرات الضربات الجوية الروسية والسورية، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان.
ويقول الباحث في مجموعة الأزمات الدولية جيروم دريفون إن هجوم الفصائل شكل “اختبارا لخطوط دفاع” الجيش السوري، مضيفا “أعتقد أنهم تفاجأوا بأن النظام كان أضعف مما توقعوا.” وتظهر سيطرة الفصائل على حلب، بحسب دريفون، أن “الصراع لم يكن خاملا بل كان نشطا، وأن إيران وروسيا إما أنهما لم تتمكنا أو لم ترغبا حقا في حماية النظام في موقع أساسي.”
- تجدد الأزمة الإنسانية
لكن عدة بلدان عربية تصالحت مع الأسد، معتبرة أن الحرب انتهت أو على الأقل مجمّدة. واتّخذت عدة دول غربية مؤخرا، أبرزها إيطاليا، موقفا مغايرا للموقف الأميركي فأعادت سفراءها إلى سوريا، سعيا إلى الاستقرار على أمل منع أزمة هجرة جديدة تشبه تلك التي هزت أوروبا قبل عقد.
ودفع تجدد القتال حتى الآن حوالي 50 ألف شخص إلى النزوح، بحسب تقرير للأمم المتحدة، وسيؤدي إلى ازدياد الاحتياجات الإنسانية مع قدوم فصل الشتاء، بحسب نائبة رئيس مركز الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في معهد الولايات المتحدة للسلام منى يعقوبيان.
وقالت يعقوبيان “لذا يثير الأمر أسئلة كبيرة، (لعل أبرزها) أين يذهب الأشخاص الذين ينزحون؟ في ظل هذه التحوّلات في موازين القوى، هل الباب مفتوح لإعادة تشكيل المنطقة وهندستها الأمنية؟ أعتقد أن هذا السؤال كبير ومفتوح جدا.”