قراءة انطباعية في قصص أطفال جديدة للأديب والكاتب عبدالرحمن عبدالخالق

> علي محمد يحيى

> هدية هبة:يهيء الكاتب في قصته هذه لتذوق الطفل وعلاقته بتنمية الوعي الجمالي عنده واستثارة الحس في شخصيته ومخاطبة العقل في تكوينه وإقامة الصلة بين المحسوسات والمجردات. فحين تفتح هبة عينيها في صباح مشرق جميل رغم مرضها فإنها ترى أولاً صديقها زقزوق العصفور، وأصص الياسمين والنرجس، وكذلك حين فكرت في البحث عن هدية لأمها في عيد الأم بعد أن استعادت عافيتها، كان أول لقائها مع زهور الياسمين والنرجس التي رحبت بها وهي تطلق روائحها العطرة احتفاء. في حين كان زقزوق يغرد لها بزقزقته فرحاً طرباً، وهي تكاد تكون حزينة فيما تراه من صديقها العصفور الذي يستعد للطيران لتقديم هديته لأمه وكذلك يفعل الجميع. حتى أختاها حين قدمتا هديتهما لأمهما إلاّ هي. وكيف اعتبرت الأم شفاء هبة أجمل هدية في يوم عيدها. فجمع الكاتب في هذه اللحظة من المرح ومسحة الحزن (عند هبة) بين المحسوس والمجرد في ديالوج إنساني متناغم يحمل مغازي إنسانية وعواطف حميمة، وكذلك ما كان بين الإنسان والحيوان - علاقة الصداقة بين هبة والعصفور وبين الإنسان وموجودات البيئة - النرجس والياسمين الجميلة الفواحة.. وهي التي تتفق مع مداركه وقدرته على الفهم أو الاستجابة لمؤثرات يحبها ويألفها.. فالقص على لسان الحيوان أو المحسوسات الأخرى يتم عن قص مصنوع هو أسلوب في العرض القصصي وليس خرافة كما يعتقد البعض .. ومثل هذا الأسلوب يصطنعه الكاتب بتأثير مما وصل إلى كل المجتمعات ومنها مجتمعنا من تراثنا العربي والشرقي، وبوصفه أسلوباً رمزياً وإخراجاً للدوافع الداخلية اللاشعورية عند الطفل.


2- الفلاح الحكيم:
نجد في هذه القصة أن الكاتب قد وظف التراث الشعبي توظيفاً أمثل من خلال استخدام الشخصية الشعبية «علي بن زايد» التي اشتهرت بالحكمة والمثالية وجمعت بين الحقيقة والأسطورة.. فجعل في سرده لأحداث القصة مسرحاً بيئياً عند الطفل يشهد فيه معاني في حب الأرض وفوائد الزراعة وعلاقات المجتمع الزراعي وأخلاقيات أفراده الحسنة والفطرية فاحتسب للكاتب كيف عرض للأطفال على صفحات هذه القصة ترجمة مبسطة لحياة هذه الشخصية من خلال ما تناقلته الأجيال في حواديثها عن «علي بن زايد» وما خلفه من أقوال وحكم ومواعظ وعبر متداولة على شفاه المزارعين وأغانيهم ومواويلهم وأحاديثهم امتد إلى التجمعات الحضرية في عموم اليمن وبمختلف لهجاتها.. إلاّ أنها في هذه القصة كانت بمستوى محاكاة الطفل وقدراته وتفكيره.


3- هل استفاد حجر من الدرس؟
في هذه القصة نجد أنفسنا أمام قصة خيالية وتربوية في الوقت ذاته، وبديهي أن الطفل في هذه المرحلة يميل إلى القصص الخيالية ويتفاعل معها، خاصة إذا كانت تتناسب مع نمو قدرة التخيل لديه.. وهذا الاستشفاف نجده في هذه القصة خاصة حين جعل من سير السرد والحوار إبراز العلاقة (الحميمة) والمتلازمة بين الطفل (التلميذ حجر) وأدواته المدرسية بشخوصها - الكتب والدفاتر والقلم - وشروط استمرار هذه العلاقة المتلازمة بينهم، وهي أن يكون صاحبهم نشيطا وذكيا يعتني بأدواته المدرسية ويحافظ عليها ولا يهملها. فحينما فاض الكيل عند كتب ودفاتر وقلم «حجر» وضاقوا من جراء إهماله لهم وشعورهم بعدم حاجته لهم، اذ لم يعد يكتب على اوراق الدفاتر حرفا واحدا، ولا يقرأ في الكتب حرفاً واحداً، ولم يستخدم القلم في الكتابة، فاجتمعوا ليقرروا الرحيل عن بيت حجر لينضموا إلى الكتب والدفاتر والقلم في بيت «لمى» وهي التلميذة الذكية المجتهدة والنشيطة، الذين استقبلوا ضيوفهم بفرح وأفسحوا لهم مكاناً في حقيبة «لمى» التي اكتشفت وجودها عندما أرادت حمل حقيبتها استعداداً للمدرسة بعد أن اغتسلت وتناولت فطورها وارتدت ملابسها المدرسية، وعرفت منها أنهم كتب ودفاتر وقلم جارها «حجر» وقد هربت من إهماله لها، وقضاء معظم وقته في اللعب ومشاهدة التلفزيون والنوم، وبعد حوار شيق ومتناغم، تقنع «لمى» كتب ودفاتر وقلم «حجر» بالعودة إلى صاحبها وأنه لا بد وأن يكون قد استوعب الدرس، وأنه لن يهملها بعد ذلك، ولن يتكاسل عن تنظيف غرفته وتهويتها والتي ترى أدواته المدرسية أنها شركاء معه فيها، ويرتب سريره، ويمسح مكتبته أيضاً. وفي سياق القصة نجد أن الكاتب قد وظف هدفها ليكون قادراً على تحسين ظروف وشروط التكيف عند الطفل وتهيئته والدفع به نحو فهم القيم في أبسط صورها وتدريبه للإحساس بمدى أهمية مسؤولية الفرد وواجباته منذ نعومة أظفاره.


مميزات الشكل والإخراج للقصص
لقد تقاسم نجاح تقديمها بصورها الكاملة تلك أطراف ثلاثة من عناصر التشويق وجذب انتباه الطفل:

< أولها : الإخراج الذي تولاه مركز عبادي للدراسات والنشر وهو الذي قام بطباعتها برعاية الأمانة العامة لاتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين، فكان موفقاً في تحديد حجم كل قصة وشكلها، وحجم الحرف المطبوع به أحداثها، والمسافات الفضائية الكافية بين سطورها التي تمنح الطفل الطمأنينة والراحة النفسية والتأني عند القراءة.

< ثانيها: تصميم الأغلفة، وأعتقد أن مصمم أغلفة القصص جميعها الفنان المبدع الأستاذ محمد أبو هند قد برع تماماً في تقسيم فضاءات أغلفة القصص بين لوحاتها وأحرف عناوينها، حجماً ولوناً استحق عليها ثقة الطفل.

< ثالثها وآخرها: لوحات الغلاف واللوحات الداخلية، إذ أن من المعلوم أن دور الصورة في تكوين وتثقيف الطفل أن تكون المدخل الرئيسي الرحب لإيصال المعلومات والمعارف إلى وعاء عقله المتفتح وعاملاً من عوامل كشف شخصيته وبلورة ملكاته. لذلك نجد أن لوحات الفنان المبدع الأستاذ أحمد عبدالعزيز، على أغلفة سبع قصص منها قد أضفت عليها جمالاً آخاذاً حين تشعر أنه قد ترجم مجمل أحداث نص كل قصة، بمشاعره وأحاسيسه وعبر عنها بريشته، فتظافرت مع قلم الكاتب والمؤلف الأستاذ عبدالرحمن عبدالخالق لتعميق الإحساس بالجمال لدى الأطفال وتثقيف أعينهم جنباً إلى جنب مع تثقيف عقولهم وهكذا فعل الفنان المبدع الأستاذ نصر عبدالله حسين في لوحاته سواء تلك التي على غلاف قصة الفلاح الحكيم أو تلك التي بين صفحاتها.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى