أيــام الأيــام..جولة السبعين

> حسام محمد سلطان :

> لي مع جولتي شارع السبعين في صنعاء شجون، فهاتان الجولتان مثلهما مثل العديد من المنجزات الوطنية الأخرى تمثلان تجسيداً حياً لواقعنا السياسي والاجتماعي، فكلما اضطرتني الظروف إلى المرور من هاتين الجولتين لا أملك الا التوقف على واقعنا الفوضوي وعلى العشوائية التي اتخذناها في دولتنا الأبية عنصراً رئيساً من عناصر التخطيط، رغم تعارض المصطلحين- العشوائية والتخطيط - لغوياً الا أن نظامنا الإداري تمكن من إخضاع اللغة والبيان لواقع يبدو أنه استعصى على الفهم.

تذكرني السيارات القادمة لهاتين الجولتين بمصالح الناس المتقاطعة عند الدوائر الحكومية والمرافق العمومية، حيث تجد السيارات القادمة يحدوها الأمل بالعبور إلى حيث مصالحها بكل سهولة ويسر ثم تصطدم بجدار اسمه الفوضى واللا نظام فلا أحد يدري لمن الأولوية في العبور، أهي للسائق القادم من خارج الجولة أم للسائق الذي في الجولة، مسألة من يعبر أولاً متروكة لشطارة كل سائق وحرفيته وشجاعته ولا علاقة لها بقوانين المرور أو الإشارات المعلقة. تماما مثل هذه الحالة الفريدة نجدها في دوائر صنع القرار والمؤسسات الحكومية حيث يذهب المواطنون إلى المصالح الحكومية يحدوهم الأمل بقضاء مصالحهم بكل سهولة ويسر فلا يجدون أمامهم إلا جولة السبعين ممثلة بالفوضى والتخبط والعشوائية بحيث لا يعرف أحد من صاحب الكلمة الأولى والأخيرة ولا لمن الأولوية، في دوائرنا الحكومية لا يوجد شيء اسمه الطابور أو الانتظام في صف أو الالتزام بلوائح وتطبيقها على الكل، كل هذه بدع وضلالات يجب نبذها، والالتزام بالفوضى كأسلوب إداري أمثل والأولوية لأصحاب الوجاهات كشعار تنظيمي أعلى.

جولة السبعين أصبحت عقلية إدارية وطنية يستطيع من خلالها أصحاب السيارات الكبيرة والفارهة العبور بمعاملاتهم اليومية في الدوائر الحكومية من أمام أصحاب السيارات الصغيرة والعربات القديمة من دون أي حرج، لمَ لا؟ ما الرادع؟ وما المانع؟ أليس البقاء للأقوى والأصلح هو أحد قوانين الطبيعة؟ ومما يزيد الطين بلة في أحايين كثيرة هو وجود مجموعة من رجال المرور في الأركان الأربعة لكل جولة يقومون بمحاولات مستميتة لضبط وتنظيم تدفق السيارات من كل ركن، وهم في حالتهم هذه كمن يحاول الإمساك بزمام ثور هائج خرج عن طوره فلا هم استطاعوا السيطرة على الثور ولا الثور يريد أن يفهم معنى النظام.

نعم إن حالة المرور في أي دولة مؤشر على مدى تفهم مواطنيها واحترامهم للقوانين ومؤشر كذلك على مدى جدية الدولة في تطبيق هذه القوانين، لا أريد أن أكون مثل ذلك الشخص الظريف في فيلم (الإرهاب والكباب) الذي دائماً ما يردد عبارة (في أوروبا والدول المتقدمة) حتى لا أُتهم بالعمالة أو غيرها من التهم السخيفة ولكن لننظر إلى حال باقي الدول العربية وعلى الأخص في الخليج العربي وكذلك الدول الإسلامية في جنوب شرق آسيا، حيث المرور منظم وكذلك معاملات وحوائج الناس.

سؤال خبيث أختم به مقالتي هذه وأتوجه به إلى القائمين على جولتي السبعين: أفيدونا أفادكم الله لمن الأولوية في العبور عند هاتين الجولتين؟

[email protected]

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى