شهر العسل الديمقراطي بين اليمن والغرب هل اقترب من نهايته؟ 2- موقف بريطانيا وهولندا والاتحاد الاوروبي

> «الأيام» د.محمد علي السقاف:

>
د.محمد علي السقاف
د.محمد علي السقاف
تناولنا في الحلقة الأولى الضجة التي أثيرت حول عبارة «توقف الديمقراطية في اليمن» التي جاءت في اللقاء الصحفي مع صحيفة «الأيام» في 6 أكتوبر 2005م لسفير الولايات المتحدة الامريكية في اليمن ، السيد توماس كراجسكي واضطراره الى تصحيح عبارته الأولى بعد الحملة الصحفية الرسمية ضده مبرراً ذلك بحصول لبس في الترجمة الحديثة الى اللغة العربية وان ما اراد قوله «بأن الديمقراطية في اليمن قد واجهت بعض التباطؤ» وقد لاحظنا ان هذا التصحيح بدوره وان كان ظاهرياً يبد و مخففاً عن العبارة الاولى الا أنه مع ذلك باقرار وجود تباطؤ يعني ان العملية الديمقراطية في اليمن لم تتقدم وتتوسع في نطاق الحريات خاصة وهو انتقاد لاذع بحد ذاته . في هذه الحلقة الثانية التي نعتذر عن التأخير في كتابتها نقف امام موقفي سفيري بريطانيا وهولندا وممثل الاتحاد الاوروبي في اليمن من قضية الحريات والديمقراطية ومدى وجود تقارب أو تطابق في مواقفهما من موقف السفير الامريكي في صنعاء وقبل تناول هذا الجانب نرى من الضروري التذكير السريع بمواقف كل من بريطانيا والاتحاد الاوروبي من قضايا الحريات والديمقراطية في اليمن قبل وقوع احداث 11 سبتمبر لنقيس مدى التطور الذي طرأ في مواقفهما لاحقاً.

اولاً: موقف بريطانيا والاتحاد الاوروبي قبل احداث 11 سبتمبر:

1- موقف بريطانيا

موضوعا طلب اليمن الانضمام الى منظمة الكومنولث والموقف من المعارضة الخارجية الجنوبية شكلا نقاط اختلاف بين البلدين في مفاهيمهما من الديمقراطية وحقوق الانسان.

طلب انضمام اليمن الى منظمة الكومنولث : رغم تضارب التقارير الاخبارية عن الجهة التي كانت وراء طلب اليمن الانضمام الى الكومنولث حيث اشار البعض ان الموضوع طرح في بدايته عند زيارة الدكتور الارياني (وزير الخارجية حينها) الى بريطانيا، في حين أكد الدكتور الارياني ان المبادرة قامت على اساس اقتراح بريطاني قدم اثناء زيارة مالكولم ريفكند وزير خارجية بريطانيا السابق الى اليمن عقب زيارة الدكتور الارياني لبريطانيا. المهم في الامر ان اليمن تقدمت رسمياً بطلب الانضمام الى الكومنولث الذي قوبل بالرفض من بريطانيا ومن بقية اعضاء المنظمة لعدم استيفاء اليمن لشروط العضوية وفق مبادئ هراري لعام 1991م التي حددت الديمقراطية وحكم القانون والحكومة الصادقة العادلة حجر الزاوية وركائز اساسية لعضوية المنظمة، وعلل الدكتور الارياني هذا الرفض في حديث صحفي مع «الميثاق» بتاريخ 3/11/1997م بقوله أنه لا يعلم ولم يطلع على مبادئ هراري لعام 1991م الذي من المفترض ان سكرتارية الكومنولث تقوم بإرساله الى طالبي العضوية ومنها اليمن، مما جعلنا نتساءل في مقالنا في «الأيام» تحت عنوان «هل وزير خارجيتنا يستخف بعقولنا؟» («الأيام» بتاريخ 19/11/1997م). والافتراض الصحيح ان الوزير لم يرد القول ان طلب اليمن رُفض لأنه لم يستوف شروط العضوية، التي أفصحت عنها السفيرة البريطانية السابقة في اليمن فرانسيس جاي في حديثها الصحفي الاول مع صحيفة «الثورة» الرسمية بتاريخ 21/4/2004م حين أجابت بالقول «للرد على طلب الحصول على العضوية في الكومنولث يجب ان يحقق مقدم الطلب العديد من الشروط وينجز الحد الادنى من المواصفات خصوصاً تلك التي اعتمدت كمبادئ للديمقراطية وحقوق الانسان في اعلان هراري في العام 1991م او يفترض ان يحظى الطلب بدعم اغلبية الدول الاعضاء في الكومنولث ولا يمكن لبريطانيا أن تقرر وحدها من يستحق الحصول على عضوية الكومنولث او من لا يستحق» وهذا الرد الدبلوماسي من السفيرة جاء خلافاً لتصريح سكرتير الدولة البريطاني السابق للشؤون الخارجية توني أويد لصحيفة الاوبزرفر البريطانية حين قال « ان طلب اليمن الانضمام الى الكومنولث سيرفض لأن المعايير المطلوبة لا تنطبق عليه» (صحيفة «الاهرام» المصرية بتاريخ 6/1/1999م) .

وقد اشارت قبل ذلك بعض المصادر الصحيفة إلى تصريح منسوب للرئيس صالح أنه اعرب اثناء زيارته لبريطانيا في نوفمبر 1997 لرئيس وزراء بريطانيا توني بلير «ان تكون العلاقة بين اليمن وبريطانيا مثل علاقة لبنان بفرنسا» بحكم روابط التاريخ بين بريطانيا والجنوب اليمني سابقاً كمستعمرة بريطانية والتي أصبحت احد مكونات دولة الوحدة اليمنية، في حين ان العلاقات الفرنسية اللبنانية الحميمة لا تقتصر على الروابط التاريخية فحسب وتعززت بوجود دولة ودولة القانون والحريات.

حقوق الانسان والمعارضة الخارجية

يحدث احياناً تعاون زمني وفي الخطاب السياسي والدبلوماسي بين تقارير المنظمات الدولية لحقوق الانسان ومراكز الدراسات والابحاث الغربية وتحديد الدول الغربية مواقفها. فالتقرير االخطير والهام الذي صدر من منظمة العفو الدولية، منظمة مستقلة ومحايدة، بتاريخ 27/3/1997م بعنوان «الحكومة اليمنية تنكث عهودها باحترام حقوق الانسان» والذي نشرت «الأيام» مقاطع هامة منه بتاريخ 30/3/1997م لا نستبعد ان بعض ما جاء في هذا التقرير الهام شكل أحد عناصر تقييم مسار الديمقراطية في اليمن وحقوق الانسان سواء في عدم قبول عضوية اليمن في منظمة الكومنولث او في مواقف الدول الغربية اللاحقة ازاء اليمن.

نشير هنا باختصار شديد الى بعض ما جاء في التقرير بقوله «ومع عزوف الحكومة اليمنية عن الوفاء بالتزاماتها الدولية ازاء حقوق الانسان وإزاء تطبيق القوانين المحلية ذات الصلة يظل أبناء اليمن اهدافاً سهلة لانتهاكات حقوق الانسان إما على أيدي قوات الامن التي تفعل ما تفعله وهي بمنأى عن العقاب، وإما كنتيجة مباشرة لتطبيق قوانين تخالف المعايير الدولية لحقوق الانسان» وأشارت المنظمة الى صدور قانون العقوبات لعام 1994م لحرب صيف عام 1994م وما تضمنه من عقوبتي الجلد وبتر الاطراف بعد أن كانت هاتان العقوبتان قاصرتين على ج.ع.ي السابقة، واتسع نطاق تطبيق العقوبات القضائية ليشمل الاقاليم التي كانت تقوم فيها ج.ي.د.ش» وانتقد التقرير القطاع القضائي والاحكام الجائرة التي تصدر عنه إضافة الى التفاوت الحادث بين وجود النصوص الدستورية او بعض القوانين التي تؤمن بعض الضمانات لحقوق الانسان والتي يجري تجاهلها، فقد اشارت منظمة العفو الدولية «أن الحق في حرية التعبير وفي تكوين الجمعيات والانضمام اليها مكفول في الدستور، ولكن ممارسة هذه الحقوق في الواقع تخضع لقيود شديدة تحد منها» اضافة إلى عدم تطبيق بنود قانون الاجراءات الجزائية «وهي تشتمل على ضمانات مهمة ضد القبض التعسفي...» الخ مواضيع الانتهاكات لحقوق الانسان التي كما سنرى وردت في تصريحات السفراء الغربيين لاحقاً وجهود حكوماتهم في مساعدة اليمن في اصلاح نظامها القضائي والحد من انتهاكات حرية التعبير. وتعددت الاساليب التي اتبعت من الجانب البريطاني بهذا الصدد، كإصدار نداء من مجلس العموم البريطاني(البرلمان) موجهاً إلى الرئيس صالح بالبدء بـ «حوار سياسي مع المعارضة السلمية الديمقراطية التي تحظى بالشعبية حتى يمكن تحقيق مصالحة وطنية شاملة» وحضه على انشاء منظومة حكم متوازنة تشمل نظام حكم محلي وقضاء مستقلاً وطالب بـ «الاعتراف بأنه من خلال هذه الاجراءات وحدها يمكن تحقيق الامن والاستقرار والوحدة الوطنية في الجمهورية اليمنية». واعرب البرلمان البريطاني عن قلقه من «ازدياد العنف في اليمن خصوصاً الاحداث الاخيرة في الضالع والمكلا وأبين وأماكن أخرى» («الحياة» اللندنية بتاريخ 19/6/1998م) واتهم مصدر حكومي في اليمن - حسب صحيفة «الحياة» - « المعارضة اليمنية في الخارج بأنها وراء تقديم معلومات مضللة عن الوضع في اليمن للمنظمات والهيئات الرسمية وغير الرسمية في اوروبا وأمريكا».

الامر الصحيح فيما قاله المصدر الحكومي في اليمن ان موطن المعارضة اليمنية في الخارج يرتكز بشكل اساسي في بريطانيا التي وفق تقاليدها التاريخية تحتضن معظم حركات وافراد المعارضة العربية ومنها العالم الثالث ،بيد أنه من الملاحظ أن المعارضة اليمنية في الخارج في اطار دولة الوحدة هي معارضة جنوبية بحتة وتقتصر عليها من معارضة(موج) الى معارضة (تاج) « التجمع الديمقراطي الجنوبي» والملفت للنظر هنا اختيار لندن ملجأ للشخصيات الجنوبية المعارضة وليست برلين، باريس او بروكسل، في حين بعض الشخصيات المعارضة لدول شمال افريقيا تختار باريس مما يظهر دور التاريخ السياسي في اختيارمكان اللجوء، والجديد الملفت للنظر اختيار حمزة صالح مقبل الولايات المتحدة مكاناً لطلب اللجوء السياسي اليها اثناء زيارة الرئيس الرسمية للولايات المتحدة، بجانب حدوث تظاهرة اثناء لقاء الرئيسين بوش وصالح في االبيت الابيض، حدثان تميزا عن المعتاد، بينما لم يحدث تغيير في اصولهما الجنوبية من جهة وإدانة السلطات لمبدأ وجود معارضة في الخارج كما قال عن ذلك في الماضي الرئيس صالح عند زيارته الرسمية لبريطانيا في نوفمبر 1997م امام الجالية اليمنية في برمنجهام «على من يعارض الا يظل يتسكع في هايدبارك فالمعارضة موجودة ولكن داخل الوطن» ( «الثورة» بتاريخ 13/11/1997م) وتصريحات مصادر يمنية في واشنطن عما حدث مؤخراً في زيارة الرئيس لها («الأيام» نقلاً عن صحيفة «الخليج» بتاريخ 7/11/2005م). فإذا كانت زيارة الرئيس لبريطانيا في نوفمبر 1997م لم تؤدِّ الى ظهور تساؤلات حول نجاحها فقد اثارث زيارته لبريطانيا في اأغسطس 2004م تساؤلات حول مدى نجاح الزيارة، حيث أشارت صحيفة «الأهرام» المصرية بتاريخ 30/8/2004م الى ان بعض الفضائيات ووكالات الانباء نشرت بأن الرئيس اختصر زيارته وألغى العديد من الفقرات التي كانت معدة ضمن برنامج الزيارة «كان بسبب عدم استجابة السلطات البريطانية لوقف نشاط التجمع الديمقراطي الجنوبي الذي يطالب باستقلال الجنوب عن الشمال اليمني».

مواقف بريطانيا قبل احداث 11 سبتمبر، كانت في البداية مشيدة بالتجربة الديمقراطية في اليمن، مع توصية بعض الانتقادات في مناسبات معينة وتمسكها في نفس الوقت بتقاليدها العتيقة في مجال قبول اللجوء السياسي لأطراف من المعارضة الاجنبية في أراضيها واضعة نصب عينيها علاقتها التاريخية باليمن الجنوبي الذي كان من المفترض ان يفتح امامها فرص تعاون اوسع وأكبر، إلا أن مخاوف إمكان رؤية البعض انها قد تبدو في مواقفها متعاطفة مع مستعمراتها السابقة وقضاياهم أو أنها تحاول العودة الى المنطقة بعد خروجها منها باستقلال الجنوب جعل الدبلوماسية البريطانية اكثر حذراً وتحفظاً من دبلوماسية بقية الدول الغربية. ولعل حنكة وخبرة السفيرة السابقة وإجادتها للغة العربية اعطت صيغة شعبية لدبلوماسية بلدها، فقد احبت اليمن وعدن بصفة خاصة جعل اطلاق اسمها «معهد فرانسيس جاي للغات وتقنية المعلومات بمعسكر الامن المركزي (صحيفة «26 سبتمبر» بتاريخ 10/6/2004م) ومطالبة البعض منها ان تكون سفيرة لليمن في بريطانيا حسب تصريحها في حفل الوداع لها من قبل ناشري صحيفة «الأيام» (عدد 22/6/2004م) لم يمنعها ذلك في آخر مقابلة صحفية مع «الشرق الاوسط» التي اعادت «الأيام» نشرها (للأسف ليست امامي الآن اثناء الكتابة)، ولكنها وفق ذاكرتي أكدت حق «الشباب المؤمن» لحركة الحوثي في التعبير عن رأيهم في هتافاتهم ضد سياسة الولايات المتحدة كحق دستوري في بلد اتخذ من الديمقراطية نهجه السياسي.

2- موقف الاتحاد الأوروبي

اليمن ليست طرفاً في التجمعات الاقليمية التي تربط الاتحاد الاوروبي بعدد من الدول العربية، فاليمن ليست ضمن أطراف اعلان برشلونة لعام 1995م في ما يسمى بالحوار «الاورومتوسطي» ولا في الحوار الخليجي الاوروبي لأن اليمن ليست عضواً في مجلس التعاون الخليجي، ولذلك تعاونها مع الاتحاد الاوروبي يتم خارج تلك التجمعات الاقليمية ولعل اهم وثيقة رسمية تربط الاتحاد الاوروبي باليمن اتفاقية التعاون بين (ج.ي) والاتحاد الاوروبي التي ابرمت بتاريخ 25 نوفمبر 1997م والتي حرصت المادة الاولى منها على التأكيد أن العلاقات بين الطرفين وكذلك جميع أحكام الاتفاقية قامت على اساس احترام المبادئ الديمقراطية وحقوق الانسان الاساسية.. ويشكل عنصراً جوهرياً من عناصر هذه الاتفاقية، واعتبرت أن انتهاك تلك الحقوق قد يؤدي الى اخلال بنصوص الاتفاقية والتزامات الاتحاد الاوروبي نحو اليمن (لمزيد من التفاصيل راجع ان اردت مجلة السياسة الدولية (المصرية) العدد 142/أكتوبر 2000م). وسنرى تطور مواقف بعض الدول الغربية والاتحاد الاوروبي نحوالتجربة الديمقراطية وحقوق الانسان في اليمن في مرحلة ما بعد 11 سبتمبر.

ثانياً: موقف بريطانيا وهولندا والاتحاد الاوروبي بعد احداث 11 سبتمبر

قبل احداث 11 سبتمبر عمدت دول الاتحاد الاوروبي كالولايات المتحدة الامريكية على «مقايضة مكافحة الارهاب على حساب الديمقراطية والاصلاحات السياسية» لدول منطقة الشرق الاوسط. بعد احداث 11 سبتمبر تبين للامريكيين والاوروبيين أن غياب الديمقراطية والتنمية في المنطقة يشكلان احد المصادر الرئيسية في اتساع ظاهرة الارهاب فيها، من هنا جاءت المبادرة الامريكية لمشروع الشرق الاوسط الكبير في فبراير 2004م تبعه المشروع الفرنسي الالماني في مارس 2004م، ودمج المشروعان في مبادرة الدول الثماني الكبرى في «سي ايلاند» في الولايات المتحدة الامريكية في يونيو 2004م التي شاركت اليمن في اجتماعاتها في غضون شهر واحد عقدت اربع قمم غربية ، التقى فيها الامريكيون والاوروبيون في النورماندي(فرنسا) اولاً و«سي ايلاند» (امريكا) ثانياً ثم في ايرلندا واسطنبول ثالثاً ورابعاً لتنسيق المواقف وتوزيع الادوار بينهما في سبل مكافحة الارهاب ونشر الديمقراطية في منطقة الشرق الاوسط الكبير، وبذلك يتضح لنا ان بريطانيا وهولندا كدول والاتحاد الاوروبي كمنظمة هما اطراف في مشاريع اصلاح المنطقة من جهة ومن جهة أخرى مبدأ التنسيق وتوزيع الادوار بين الاطراف الغربية ربما انعكس بدوره في إجابات السفراء في مقابلاتهم الصحفية مع «الأيام» و«النداء» قاسهمها المشترك المكاشفة والمصارحة في تناول بعض قضايا الحريات ومكافحة الفساد وبعبارات دبلوماسية فيما يخص الانتخابات الرئاسية المقبلة . وسنبدأ في تناولنا لاقوال السفراء ما نراه من عبارات مختصرة جاءت في احاديثهم تلخص رؤاهم.

1- العبارات «الصغيرة»

< جوهان بلانكبيرج، سفير هولندا في اليمن، في لقائه مع صحيفة «النداء» بتاريخ 27/7/2005م (العدد 19) أشار الى الريادة الديمقراطية لليمن مثل السفير الامريكي والفارق بينهما ان الاخير تحدث ضمناً عن هذه الريادة مع بداية الوحدة، وجاءت بصراحة أكبر في حديث السفير الهولندي بقوله «حظيت اليمن بعد تحقيقها لوحدتها خطوات جريئة بأتجاه مجتمع اكثر ديمقراطية وانفتاحاً وأصبحت بذلك من الرواد في هذا المجال...» ولكن لم تذهب صراحته ابعد من ذلك في تحديد بداية تراجع الديمقراطية بعد حرب صيف 1994م واكتفى بالقول بأن موقع اليمن «كدولة رائدة قد يبدأ بالتآكل».

< مايكل جيفورد، السفير البريطاني: «الناس( في اليمن) منتظرون عملية التغيير»، («الأيام» بتاريخ 11/10/2005 العدد 4609).

< د. رالف دراير: ممثل الاتحاد الاوروبي في اليمن: «المواطنون لا يحتاجون للغذاء فقط بل الى رؤية سياسية للمستقبل» («الأيام» بتاريخ 21/10/2004م ، العدد 4311).

2- حقوق الانسان والحاجة الى إرادة سياسية

في المؤتمر الصحفي في السفارة البريطانية حول الحوار الذي جرى ما بين اليمن والاتحاد الاوروبي في بروكسل في 12/9/2005م سئل فيه السفير البريطاني (الذي ترأس بلاده الاتحاد الاوروبي في دورته الحالية) رأيه حول التقدم الذي احرزته اليمن في مجال حقوق الانسان أجاب بأن «التقدم في مجال حقوق الانسان يحتاج الى ارادة سياسية قوية ومشاركة شعبية» («الأيام» العدد 4609) في حين رأي السفير الهولندي بأنه «قد تكون هناك ارادة سياسية (للتغيير) الى حد معين لكن قد يكون هناك ضعف في القدرة على تنفيذ هذه الارادة».

3- قضية الاعلام والحريات الصحفية

مثل الحديث الصحفي للسفير الامريكي مع «الأيام»، تناول بدوره السفير البريطاني ما اسماه حالات المضايقات التي تعرض لها الصحفيون اليمنيون وعبر عن قلقه من مشروع القانون الجديد للصحافة بوجود مواد «تقيد حرية الصحافة» واستعدادهم تقديم المساعدة في هذا المجال، وهو ما عبر عنه ايضاً في نفس المؤتمر الصحفي ممثل الاتحاد الاوروبي في اليمن، بقوله ان موضوع م احدث للصحفيين تم الحديث حوله مع الجانب اليمني الذي اكد لهم «ان هناك لجنة تحقيق في هذه الاحداث»؟ مشيراً الى دور الاتحاد في افهام شركائهم الجدد (من دول اوروبا الشرقية) وكذا الجانب اليمني المعايير المحددة التي يتوجب اتباعها في قوانين الصحافة لضمان حريتها، واعتبر السفير البريطاني مثل السفير الامريكي انه «عندما نتحدث عن الديمقراطية فنحن لا نتحدث عن الانتخابات فقط ولكن لا بد ان تتدخل حرية الصحافة وحقوق الانسان وقضايا اخرى» حسب تعبيره.

4- الفساد والديمقراطية وضعف المؤسسات

أفرد السفير الهولندي في مقابلته الصحفية المطولة مع صحيفة «النداء» جانباً كبيراً من حديثه لوباء الفساد المنتشر في اليمن. أكد السفير في البداية ان «هولندا راضية عن الاستخدام اليمني لاموال الدعم الهولندي بشكل عام...» بعد هذا التطمين الدبلوماسي للجانب الحكومي اضاف السفير معطيات وحقائق اخرى تكشف معرفة الاوساط الغربية حجم انتشار الفساد والعناصر المساعدة لانتشاره واتساع نطاقه. فإذا كان السفراء الآخرون تحدثوا عن الفساد في اليمن والحاجة الى تحسين مستوى الشفافية في ادارة اموال الدعم الخارجي لم يقتصر السفير الهولندي عليها بل تطرق ايضاً الى كيفية «ادارة الموارد المحلية»، اذن لم يحصر اهتمامه على ظاهرة الفساد في طريقة استعمال الدعم الخارجي وهو معني مباشرة بذلك كدولة مانحة وإنما ركز اهتمامه على الفساد لذاته ما يمس اموال الدعم الخارجي وادارة الموارد المحلية، حيث لا يمكن تجزئة الفساد والمطالبة بالشفافية في واحد منها دون الآخر وهذا الموقف الهام انفرد به السفير الهولندي، كما انفرد ايضاً بربط ظاهرة الفساد بالمركزية التي اعتبرها «جزء من النظام السياسي في اليمن» برغم تسليمه «بوجود تشريعات ظهرت حول اللامركزية لكن نجد تطبيقها ليس بالأمر الهين بل الامر معقد جداً» مضيفاً انه كلما تركزت السلطات في المركز سيكون هناك فساد اكبر ولكن اذا توزعت السلطات سيكون هناك سيطرة اكبر على انتشار الفساد. وحول رأيه في من يعتبر الديمقراطية سببا للفساد والفوضى في اليمن، اجاب السفير الهولندي على ذلك بالقول «أنه لا يرى دليلاً على ان الديمقراطية يمكن ان تدعم الفساد، اذا نظرنا الى العالم ككل سنلاحظ ان الفساد في وضع اسوأ حيث توجد الديمقراطية إذ انه يصبح من السهولة تحديد مواقع الفساد يسهل الاطاحة بمواقع الفساد في النظام الديمقراطي الا في حالة واحدة هو ان يكون جميع الناس فاسدين» ورداً على قول الصحيفة لكن ديمقراطية مع مؤسسات ضعيفة تزيد المشكلة، علق السفيرعلى ذلك بالقول «اذا كانت الديمقراطية ضعيفة فمن الطبيعي ان تكون مؤسساتها ضعيفة وحين لا تعمل المؤسسات بكفاءة يكون هذا عاملاً مساعداً في انتشار الفساد» ليس الكاتب في حاجة الى الاشارة ان السفير الهولندي وهو يتحدث عن الفساد اعطى ايضاً تقييمه لطبيعة النظام السياسي والديمقراطية في اليمن. واعتبر السفير أن خطر الفساد قائم في كل بلدان العالم وفي بلاده ولكن نسبة الفساد أقل بكثير. لدينا آليات وأدوات قائمة لمكافحة الفساد، واعترف بالنسبة لليمن ان جميع المانحين متفقون على ضرورة مكافحة الفساد لكن التفاصيل والخطة الواضحة لم تتم لحد الآن مع ان ذلك ليس مشروعاً مستقبلياً بل هو عملية ملحة.

5- القضاء والتشريعات

اشارالسفير الامريكي في حديثه لـ «الأيام» الى ان لجنة من المسؤولين اليمنيين اقترحت برنامجاً لتقوية القضاء في اطار صندوق الألفية للحصول على قضاء مستقل وقضاء اكثر مهنية «لمكافحة الفساد في الحكومة نفسها». واعتبر السفير البريطاني في المؤتمر الصحفي («الأيام» 4609) في مجال الاصلاح القضائي لدى اليمن عجز وهناك قضية مهمة جداً وهي قضية القضاء والاستثمار .. واليمن تعرف ان لديها عجزاً في هذه المجالات ولا بد أن تفعّلها ونحن سنساعدها واعتبر ممثل الاتحاد الاوروبي من جانبه ان الاتحاد الاوروبي قد تعهد لليمن في زيادة مساعداته في مجال مكافحة الارهاب والقضاء، اهم جوانب مكافحة الارهاب، والقوانين الجنائية اليمنية لابد ان توافق القوانين الدولية وهذه الجزئية الاخيرة سبق وأن طالبت بها منظمة العفو الدولية والذي سبق الاشارة اليه في هذه الحلقة . والموضوع الهام الآخر ما أشارإاليه السفير البريطاني في حواره المنفرد مع «الأيام» العدد 4560 ، حيث اشار الزميل باشراحيل هشام باشراحيل إلى أن عدم تنفيذ القوانين من المشاكل التي تواجه اصلاح القضاء، قال السفير انها تعود الى نقطة الثقة بالقوانين فإصدار القانون يختلف عن الثقة بالقانون فمشكلة تطبيق القانون يجب ان ننظر اليها وهي نقطة غير مألوفة بالنسبة للعديد من الدول المانحة وهذه المشكلة ستكون هي الاجندة الدولية الجديدة.

6- الانتخابات الرئاسية القادمة

في حين لم يتعرض السفير الامريكي الى الانتخابات الرئاسية القادمة (سبتمبر 2006) في لقائه مع «الأيام» سئل السفيران الهولندي والبريطاني حولها.

فقد اعتبر السفير الهولندي في لقائه مع صحيفة «النداء» ان سير ونوعية العمليات الانتخابية في العام القادم يشكلان اختبارات عملية بهذا الصدد، معبراً عن رأيه في ان تكون المرأة حاضرة في الترشيح وفي التصويت ليس فقط في الانتخابات الرئاسية بل ايضاً في الانتخابات المحلية، متمنياً ان تكون المشاركة اكبر، وركز على دور بلاده في الدعم الفني للجنة العليا للانتخابات، اما بخصوص التفاصيل السياسية نحن لا نتدخل، في الجانب الحيادي!! اما السفير البريطاني بصفة بلاده رئيسة الدورة الحالية للاتحاد الاوروبي فقد اكد على الاهتمام البالغ للاتحاد الاوروبي بالانتخابات الرئاسية القادمة، و«مهتمون بدعم الانتخابات لضمان الموارد التي تساعد في سير الانتخابات في مسارها الصحيح والحر والديمقراطي ونرى ان يكون هناك اهتمام دولي كبير.. وعلى سبيل المثال ان ما حدث في مصر وما لاحظتموه كان تغييراً كبيراً واليمن ليست ملزمة بأخذ نفس المسار بهذه العملية ولكن الناس منتظرون عملية التغيير» هذه التصريحات التي وردت في المؤتمر الصحفي بتاريخ 10 اكتوبر 2005م ونشرت في اليوم الثاني في «الأيام» تعني الاشارة الى تجربة مصر في مرحلة الانتخابات الرئاسية وليست البرلمانية الحالية، في الاولى اجري تعديل دستوري للمادة 76 التي سمحت بتعدد الترشيحات وأجازت لكل حزب سياسي ان يرشح في اول انتخابات رئاسية تجري بعد العمل بأحكام تعديل المادة 76 احد اعضاء هيئته العليا دون شروط مما قد يعني التلميح الى حاجة اليمن ايضاً الى اعادة النظر في شروط التزكية المطلوبة للمرشحين للرئاسة، والتي يستحوذها الحزب الحاكم مما يحول دون ترشيح من لا يرغب في ترشيحهم للرئاسة!!

في الخلاصة

تصريحات السفير الامريكي والسفراء الغربيون الآخرون (بريطانيا/هولندا والاتحاد الاوروبي) تعكس مرحلة جديدة تهدف الى محاربة الارهاب عبر نشر الديمقراطية وإجراء الاصلاحات السياسية. إحدى نقاط اختلاف المرحلة الحالية عن المرحلة السابقة تظهر من مقارنة لقاءات الرئيس صالح بالرئيس بوش الابن، اللقاء الثالث هو الوحيد الذي اعقبه توجه النظام الى تبني بعض الاصلاحات برغم تأكيده على عدم الحاجة اليها قبل الزيارة الاخيرة. سكوت سفراء الدول الغربية الأخرى غير الذين ذكرناهم قد يشهد تغييرا في الموقف الالماني بعد وصول المستشارة الالمانية انغيلا مركل الى السلطة والتي ابدت في حملتها الانتخابية تقاربا مع موقف الولايات المتحدة اكثر من المستشار السابق شرودر، وإظهارها في زيارتها الاخيرة والاولى لبريطانيا منذ توليها منصب المستشارة وجود نغمة أكثر توافقا مع بلير بخلاف سلفها .. هل ترجمة هذه الاختلافات مع شرودر ستنعكس في علاقتها باليمن بتعزيز المطالب الامريكية والبريطانية خاصة في طريق إجراء الاصلاحات السياسية وتوثيق العلاقة مع المعارضة؟ سيتبين ذلك دون شك في الاشهر القليلة القادمة فشهر العسل الديمقراطي مع اليمن ربما اقترب من نهايته مع الغرب.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى