يحيى عمر..قائد الشعراء إلى الحب!

> «الأيام» عبد الرحمن إبراهيم:

> يتفق، أو يكاد، الأدباء ودارسو الأدب على أن الشعر العامي في اليمن بخاصة وفي بقية الأقطار العربية الأخرى، أكثر انتشاراً لا سيما في الأرياف، حيث تسود الأمية وتطغى على نسبة كبيرة من الجماهير، وهذا يعزى إلى الظروف الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وهي ظروف لا تحتاج إلى نقاش. فقد بلورتها العديد من الدراسات التي تعنى بالأدب الشعبي بتلاوينه المختلفة. على أن ما يثير تساؤلاتنا على نحو مستمر هو عدم الاكثرات والعناية - رغم قناعتنا بأهمية دوره في الحياة الاجتماعية وتأثيره إيجابياً في النفوس في معظم الأحيان، وفي التمرحلات المختلفة من التأريخ - بهذا اللون الأدبي الشائع على الصعيد الجماهيري، ذلك أنه لم يحظ بالدراسة والنقد والبحث الجاد، لا سيما في قيمه وأبعاده الفنية، ولسنا ندري ما سر تجاهله من قبل الجامعات، وأخص هنا جامعة عدن.. وإن كنت لا أنكر حماس بعض الأساتذة لدراسته، وحث طلاب الدراسات العليا على عملية البحث في اشكالاته وقضاياه الفكرية والجمالية، ولن أضيف جديداً في القول إن اليمن تكتنز في أحشاء قراها وبواديها، بل ومدنها تراكمات هائلة من هذا القول الأدبي، سواء أكان قديماً (تراثاً) أم حديثاً.

ومن الحق الاعتراف بأن الذي جرني واستفز ذهنيتي للكتابة عن تجاهل البحث والدراسات العلمية في الأدب الشعبي عموماً، هي تلك الإصدارات التي تعد محاولة جادة للاهتمام بالشعر العامي في يافع قام بها صديقي د. علي صالح الخلاقي يستحق عليها كل التقدير والاحترام، وأتمنى على الآخرين أن يحذوا حذوه.

شاعر الحب
من بين الكتب التي أهدانيها الدكتور علي صالح الخلاقي كتاب عنوانه «شل العجب.. شل الدان: للشاعر يحيى عمر اليافعي (أبو معجب) لمحات عن حياته وأشعاره»، ولأن الكتاب ينطوي على كثير من القضايا التي تثيرها حياة الشاعر وممارسته الشعرية التي تتعدد جوانبها، وتتنوع مساراتها، سأقتصر الحديث على قضية الحب كونها أظهر القضايا التي عرفناها عن الشاعر يحيى عمر. وهي التي (دون شك) كانت بوابته إلى الشهرة والانتشار.. وإن لم تكن أشعاره تخلو من الإشارات إلى موضوعات أخرى.

يقول يحيى عمر في قصيدته (قلبي تولاه الطمع):

قال الفتى يحيى عمر قلبي تولاّه الطمع

لي بالعمر تسعين لكن عاد قلبي ما قنعْ

أيام بعد أيام يا قلبي حنينك ما انقطع

ولا عرفنا هو تخاذُل منك أو هذا فزع

وقال لي يا شيخ لا تهذي شبابك ذي جزع

لا شاب رأسك لا تحاججني وأنا جاهل ورع

لا يختلف رأيك معي نخسر وأنا وانته سمع

حسبك على الفتان هو ذي قطع أوصالي قطع

إن غاب قطعها وإن جاء ما اقتطع منها اجتمع

كيف اتفيد الأهل يمكن من تكاسل ما انتفع

هذه طبيعة شلها الإنسان سمّاها الولع

وذاك ذي فارق شبابه سميّ الفن الدلع

والحكم للفتّان يا يحيى شف الروح انخلع

هو ذي أسرني هاش عقلي باعنى بيع السلع

جوّب عليا الخل قال اثبت وجودك يا جدع

النذل ما يحظى بحبي لو دفع كم ما دفع

الحب شي لا بد منه في حياة المجتمع

ذي ما يذوق الحب ما ذاق الهنا مهما جمع

في هذه الأبيات من قصيدته، آنفة الذكر، تتجلى خبرة العاشق المحب بعد تجارب طويلة في عالم الحب عانى خلالها ما عانى، ولكن قلبه لا يزال بالحب حتى وإن أدركته الشيخوخة. ولربما يتساءل البعض قائلاً:

لماذا هذا التناقض في القصيدة التي يستهلها (قال الفتى) وهو شيخ قد بلغ من العمر عتيا (تسعين عاماً) .. نقول إن هذا ضرب من ضروب التقليد جرى عليه شعراء العامية الأقدمون.

على أن ما يميز هذه القصيدة وربما معظم قصائد يحيى عمر أنها تعكس تجربة، يحاول الشاعر من خلالها أن يقدم النصح لكل محب حديث العهد بالحب، لم يعترك دنيا الهوى، ولم يعتصر بنار الحنين والأنين والالتياع، كما اعتصرها واحترق بجمر الجوى شاعرنا يحيى عمر ذو التسعين حولاً. والشاعر هنا، أي في هذه القصيدة - ذات المستوى الرفيع في بنايتها الإيقاعية وتراكيبها التعبيرية - يضع أمام المحبين، لا سيما الشعراء منهم، تموجات روحه في بحر الحب العميق. إنه دليل هوى وفارس عاشق وقائد للشعراء، منذ ثلاثة قرون، بحنكة عالية ومهارة نكاد نعدمها عند الكثرة الكثيرة من شعراء هذا اللون، ليس في اليمن وحسب، وإنما عند الشعراء العرب.

هذه مجرد لمحة قصيرة - من خلال هذه الأبيات- عن الحب في قصائد الشاعر الشهير يحيى عمر (أبو معجب) ذلك أن الحديث عن قضية الحب عند هذا الشاعر تحتاج إلى دراسة أو دراسات معمقة، بل تحتاج إلى كتاب يحيط بقضية الحب من جوانبها الموضوعية والفنية.

الأمر الذي يجعلنا نتوجه بالدعوة إلى الباحثين الجادين - وليس كتاب البحث (السفري)-- أن يضعوا المسألة نصب أعينهم.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى