ملاحظات في الإصلاح..عن الإعلام والقضاء

> د. هشام محسن السقاف:

>
د. هشام محسن السقاف
د. هشام محسن السقاف
سوف لن نتمكن من الحصول على فتوى حقيقية بجدية استخدامنا للمثل الديمقراطية والمبادئ التي تقوم عليها الدولة الليبرالية العصرية عن طريق الترويج لأنفسنا بأدواتنا الاعلامية ووسائطها الاكثر انتماء للدولة الشمولية.

وبعيدا عن المحتوى- وهو معلوم لنا في حالة كهذه - فإن الاسلوب المتبع لم يعد يخدم في التناول والتقديم حتى الذين يتوخون من سلطة الاعلام ان تسدي لهم نفعا. ولذلك بات من المحزن ان تنفق الاموال هدرا على إعلام ركيك لا ينتمي الى عصر التنافس الفضائي، ولا يقدم نفسه خاليا من عقدة الخوف والارتباك، وشاغلا نفسه في المقام الاول بأوهام خدمة النظام القائم، بينما تكون خدمة النظام بتحريره كاملا من عبء اعلام لم تعد إليه حاجة وقد تجاوزه عصر الاعلام الحر، وصار من الاجدر والانفع أن يخرج جيش العاملين فيه من قمقم المكبوحات والممنوعات الى فضاء أوسع ليس به التزامات تقيد الحركة وتثقل كاهل المبدع وتلجم لسان القول الحر تحت مسميات شتى لم ينزل الله بها من سلطان سوى سلطان الدولة الشمولية التي ندعي مغادرتها وهي لم تغادرنا لحظة بمدارسها الاعلامية وآلياتها البيروقراطية والروتينية والمركزية المفرطة، وأدواتها القمعية البوليسية وقوانينها الجائرة ومنها مشروع قانون الصحافة الذي يراد لنا أن نتعامل به ومعه في بداية الألفية الثالثة وكأننا لازلنا نرابض في مرابع بني عبس، وشداد يحظر على عنترة قول مغانيه الشعرية في عبلة لسواد لونه. ولعله من نافلة القول والتعجب أيضا ان يرد على لسان خبيرين امريكيين طلب منهما تقديم ملاحظات على مشروع قانون الصحافة (السيدة مادلين شلكتر والسيد ديفيد اي مكرو) في مستهل الملاحظات التي قدماها ان :«العديد من النصوص القانونية يحملها قانون الصاحفة بصورة غير ضرورية وتتصف بأنها تقييدية ومطاطة ومبهمة أو تؤدي جميعها الى قمع حرية التعبير المشروع. وللتدليل على ذلك الجزء الوارد في المادة رقم (4) بقانون الصحافة ومشروع القانون المعدل والتي تنص على ضرورة التزام الصحفيين بـ «اهداف الثورة اليمنية وتعميق الوحدة الوطنية..الخ» («الأيام» 12 ديسمبر 2005م ص 4. وهذه الفقرة وما تلاها من محظورات تفصح عن رغبة مبيتة لاستخدام مثل هذه العبارات العاطفية القابلة للتأويل وقت الحاجة وحسب الحاجة لإلصاق الجنحة او التهمة بأي كان ممن لا يروق كلامه أو كتابته للأجهزة القائمة تحت الذريعة اياها ..وكأن هذه الالفاظ تكتسب القداسة المطلقة او انها لا تحتمل القسمة على اثنين (النقد) الذي قد يوجه الى اولئك الذين يختفون خلف استار الثورة والوحدة، ويمارسون اشكالا مغايرة للمعاني النبيلة التي جاءت من اجلها الثورة أو الوحدة ..وقد رأينا شيوع مثل هذه الالفاظ حتى على ألسنة بعض الذين يسيئون الى الوحدة بتصرفات من قبيل نهب الاراضي والاستيلاء عليها في بعض المحافظات الجنوبية والشرقية، أو استغلال الوظيفة وتهميش الكوادر المقتدرة من ابناء هذه المحافظة او تلك والإتيان بآخرين من خارجها ...الخ ثم رمي كل من يتفوه بكلمة ناقدة لمثل هذه الحالات بتهمة الانفصالية، وكأن الوحدة متراس كبير يختفي خلفه مثل اولئك الذين يمارسون كل هذه الشائنات بحق إخوانهم تحت مسمى وطني نبيل (الوحدة).

وقد افاض الخبيران الامريكيان في طرح ملاحظاتهما على المشروع من وجهة نظر امريكية ولكنها للامانة لا تتقاطع مع وجهة النظر اليمنية، بدواعي الانسانية الرحبة التي تحمل معاني النبل والحرية والاخلاق في قلب وعقل كل انسان بغض النظر عن لونه أو جنسه او لغته. وإذا كان للامريكان باع وذراع في الديمقراطية، فإن التاريخ اليمني الذي نتباهى به دوما فيه من الاقتباسات ما يوحي بأن لليمنيين قصب السبق في هذا الشأن ناهيك عن التاريخ العربي الاسلامي الذي نحن جزء منه. وما عدا هذا وذاك فإن الفترة الخصبة في تاريخ مدينة عدن تحت حكم الادارة البريطانية قد شهدت نهوضا اقتصاديا وسياسيا في اربعينيات القرن الماضي وما تلاها تجلت ملامحه الكبرى في ظهور الاحزاب السياسية وانتشار الصحافة بتجلياتها الليبرالية في وقت كان جزء من الوطن معزولا عن العالم وكانت الجزيرة العربية تغط في سبات عميق. أما الحجة الممجوجة لدى البعض ممن يستهويه السير بخطوات السلحفاة في عصر السرعة والانترنت والاقمار الاصطناعية فهي التخفي وراء الخصوصيات الوطنية والإتيان بذرائع التاريخ الصعب الذي عرفته الديمقراطيات المعاصرة في بداياتها، وكأننا معنيون بالتمثل الاعمى عند سيرنا على دروب الديمقراطية لذات الخطوات التي سار عليها الانجليز او الامريكان في القرن الثامن عشر وهي حجة مردودة على اصحابها لأن العالم قد اصبح شقة واحدة وليس قرية صغيرة كما كنا نقول قبل بضع من السنين بسبب جبروت الثورة التقنية التي شهدتها وسائل المعلومات، ثم إنه إزاء مسائل الحرية والديمقراطية يتساوى الناس جميعا فليس هناك احد سوي وعاقل يمانع ان يتمتع بحرياته كاملة سواء كان في قريته الصغيرة في اليمن أو في ادغال بورما (بانيمار) يناضل ضد حكومته الديكتاتورية.

ولعله من المفيد التأكيد بأن أي قانون للصحافة يحمل كل هذا الكم من القيود سوف يكون ارتدادا عن الديمقراطية يضاف الى سجل حافل بالانتهاكات لحقوق الانسان - والصحافيون في الصميم - في ظل عجز مقصود عن حل المشاكل المرتبطة بالسياسة والاقتصاد وكلاهما يمسان المواطن في صميم حياته، سوف يضعنا في الخانة الاسوأ دوليا في وقت اصبح العالم مفتوحا على بعضه ويتداخل الوطني في الخارجي بصورة مباشرة - شئنا ام أبينا- بينما يتطلب الامر انقاذا للاوضاع من داخلها- اذا توفرت الارادة السياسية لفعل ذلك - من خلال اصلاح القضاء اصلاحا حقيقيا ليقوم بدوره العدلي في رعاية الخطوات الاصلاحية اللاحقة في الشأنين السياسي والاقتصادي، وبعد أن تصبح هذه السلطة مستقلة بقوة القانون والدستور، وتصبح ادوات الضبط خاضعة للسلطة القضائية ومحايدة بل وبعيدة تماما عن التدخل في الشئون السياسية. وإلغاء وزارة الاعلام والاتجاه الى الاعلام الحر والدخول في تنافس حقيقي شريف على ارضاء جمهور المتلقين من خلال الخدمة الاعلامية المقدمة من الاطراف المختلفة مؤسسات أو أحزاب او شركات او جماعات اهلية مع توفير ضمانات الحماية القانونية لذلك.

إن هذين الشرطين هما المدخل الفعلي الى اصلاحات قادمة بالكيفية التي يريدها الناس لتغيير نمط حياتهم نحو الاحسن في ظل تكافؤ فرص يتيح للجميع الحركة بحرية فوق تراب وطنهم يتنافسون ويبدعون ويتألقون .. وما عداه فهو اجترار المرارة مطولاً والبقاء في رقعة الازمات المتوالية والعياذ بالله.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى