داوي الحمار من كرُّه!

> سعيد عولقي:

>
سعيد عولقي
سعيد عولقي
كل الأشخاص الحقوقيين ومنهم بالذات المسؤولين في الجهاز القضائي وعنه من قضاة ووكلاء نيابة ممن شاء حظي أن ألتقي بهم وأسمع منهم.. كلهم وبدون استثناء يجمعون على الاعتراف باستشراء الفساد بالكامل في الجهاز القضائي.. والاستثناءات القليلة جداً والوحيدة هي تحفظ البعض منهم بالصمت فلا ينفون ولا يؤكدون.. لكن حتى وزير العدل السابق نفسه لا ينكر فساد الجهاز القضائي ويعترف به كحقيقة واقعة ولا يكل أو يمل من المطالبة بمكافحة الفساد والحد من استشرائه أما القضاء عليه فإنه المستحيل بعينه الذي يشبه عشم ابليس في دخول الجنة.

إذن اتفقنا جميعاً بشهادة الشهود وبالأدلة والبراهين التي تؤكدها الممارسات اليومية التي نراها أمامنا ومن وقائع بعض الحالات ووثائقها الصريحة- وهي كثيرة - أن القضاء في بلادنا غارق في الفساد حتى الطرف الأسفل لشفته العليا.. ومادام الأمر كذلك وهذا هو حال الجهاز القضائي المناط به - نظرياً- مهام الحد من الفساد ومكافحته في المجتمع والعمل على استئصاله من حياة الناس.. فإن النتيجة المحتومة بالتالي تنعكس لتجعل من الجهاز القضائي وقوداً أساسياً ووسيلة رئيسية للدفع بالفساد إلى مزيد من التطور والانتشار ودعمه وتأصيله وتعميمه ليصل إلى أوسع جماهير الشعب وأكثر فئات المجتمع على طول البلاد وعرضها.

وقد وصلت إلى هذا الاستنتاج العبقري بمجهودي الخاص وبحثي الشخصي بدون الاستعانة بأية مراجع قانونية أو فتاوى فقهية.. فأي أهبل مثلي أو أهبل مني لا يمكن أن يخرج عن نطاق هذا الاستنتاج الذي تفرضه طبيعة الأشياء وحقائق الأمور كتشخيص وحيد لأدوات الفساد وأسبابه ووسائله.. أما منابع الفساد ودوافعه وضروراته فتلك قصة أخرى تتطلب مزيداً من البحث والتمحيص والدحس والتفحيس وذلك من باب العلم بالشيء لا من أجل معاداته ومحاربته، فنحن والفساد جيران والآن أصبحت بيننا وبينه عشرة طويلة تمتد إلى سنين وبعضنا بينهم وبين الفساد عيش وملح ولقمة طيبة.. والعيش والملح والعشرة ماتهونش إلا على أولاد الحرام بصرف النظر عن كون اللقمة طيبة أو بطالة وعن كون أولاد الحرام يتكاثرون بمعدلات تزيد عن أولاد الحلال.

زمان .. يعني قبل فترة مش بعيدة ولا قريبة كان كثير من الناس هبل وعمي أو نظرهم ركيك وسمعهم ثقيل وبعضهم قليل مجانين أو مهفوفين ومرابيش.. وكانوا يصدقون الحكومة - والسلطة عموماً - عندما ترفع شعار محاربة الفساد والقضاء عليه مع انه الفساد هاذيك الأيام ماكانش بطال كثير ولا وسخ مرة واحدة زيما هوه في هذي الأيام.. كان هذا قبل ما تصدر المحكمة الموقرة حكمها بطرد المواطن اسماعيل الطويل من بيته.. وبعدما صدر الحكم بطرد اسماعيل الطويل بالباطل من بيته الشرعي صحت الناس فجأة وعرفت أنه الحكومة تكذب عليها وانه مافيش محاربة للفساد ولا يحزنون.. وبدأت الحقائق تتكشف الواحدة بعد الأخرى.. وبعد أن كان الفساد يمشي بدون قانون أو من وراء القانون أصبح يمشي بالقانون وعلى عينك يا شاطر وعين اللي يتشفع لك وما بعد الحراج إلا البيع.. وبعدما كان الفساد محجباً خلع الحجاب وراح يتمخطر في الطرقات سافراً وسافلاً.. وبعدما كان الفساد يستحي ويخاف من الحَبَل صار قليل الحياء يحبل ويولد ويتكاثر ويصل إلى أي مكان وإلى كل مكان.. بعدما كان الفساد خائفاً أصبح مخيفاً.. وتحول من وسيلة إلى غاية ومن سلطة إلى سلطان.

ومن مداميك الفساد - حلوة كلمة مداميك مش كذا؟ - وعلى أساساته بنى النظام صرح حكمه الشامخ.. وتمكن بنضال مثابر ودؤوب من تحويل الفساد من خلال عملية طويلة صبورة ومعقدة من استثناء محدود البناء إلى قاعدة واسعة متينة البنيان.. ومع هذا كله وبرغمه فإن النظام بكل مؤسساته يرفع بحماس مثير للعجب شعار محاربة الفساد والقضاء عليه في الوقت الذي يعتمده فيه كوسيلة حكم وأسلوب حياة.. ولم يعد مهماً أن يصدق الناس الشعار أو لا يصدقوه .. المهم هو أن العمل قد تم إنجازه!

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى