يوم من الأيــام..في ذكرى وفاته الثامنة :فكر الجاوي السياسي

> د. هشام محسن السقاف:

> قراءة الفكر السياسي للأستاذ الكبير عمر الجاوي يقودنا إلى تقصي بداياته المبكرة، من لحظات الفتى الناهض من رمال الوهط ودورها الطينية وقباب مساجدها البيضاء يتلمس أفقاً آخر، مغايراً بالغريزة لما هو كائن، كسمة إنسانية تفصح عن نفسها في الموهوبين والطامحين من البشر أكثر من غيرهم. فالجاوي عمر بن عبدالله لم يكن إلا ابناًً شرعياً لبيئته وثقافة عصره، فهذه الفترة، وقد وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها، قد جاءت بمتغيرات دولية كبرى لم تشذ عدن - حاضرة اليمن والجزيرة العربية - عنها وقد خلقت أجواء سياسية تبشيرية بما يحلم به أبناء ذلك الجيل، وهي نتاج لما أسفرت عنه الحرب الكونية تلك كمعادل خارجي وكإفراز واضح لمتغيرات اقتصادية واجتماعية شهدتها عدن تحت الإدارة البريطانية داخلياً، وكأوضح ما يكون التجلي في المجتمعات المدنية سياسياً بظهور التنظيمات والأحزاب والنقابات العمالية، ناهيك عن التجليات الثقافية والأدبية والفنية المتزامنة كنتاجات مع بعضها البعض.

من الوهط التي كانت كباقي حواضر السلطنة اللحجية قد استقبلت البعثات التعليمية العربية، والقريبة من تأثيرات مدينة عدن، يتخلّق فكر (عمريٌّ) جديد عماده حرية الوطن ووحدته مهما كان النزوع يسارياً في أدائه، قريباً أو في الصميم من منطلقات الفكر التحرري العربي والعالمي، فالأوفر حظاً عقيدة الجاوي الراسخة التي لا تفصل في القول أو الفعل واحدية الوطن أو تجزئ النضال ومنطلقاته، وهو بذلك مع كوكبة من زملائه قد سبقوا عدداً من التيارات السياسية بطرحهم ذاك، والمتجلي وضوحاً ناضجاً في فكر رابطة الطلبة اليمنيين في القاهرة، وهو الدور الذي يجهله أو يتجاهله كثيرون ممن يضيفون رؤى ومواقف بأثر رجعي إلى أدبيات وأفكار بعض التيارات السياسية الوطنية لم تكن في الأساس قد وضعتها نصاب العين، وبالتحديد في القضية الوطنية اليمنية، بينما القراءة الأولية لفكر الجاوي السياسي تضع المرء القارئ والمتمعن والدارس في المعطيات الفكرية إزاء نضوج الرؤية ووضوحها منذ اللحظة الأولى، لحظة التكوين المبكرة في أوائل الخمسينيات من القرن الماضي، وحتى لحظة مفارقة عمر الحسية لنا في 23 ديسمبر 1997م مع ما أغنته التجربة لصاحبها على مدى نصف قرن من الزمان من تساوقات إيجابية على صعيد مكونه الثقافي والسياسي لصالح الفكرة ذاتها -أو العقيدة السياسية- فهو السباق- وقد أتى بما لم يأته الأوائل من إنعاش لفكر الوحدة اليمنية من موقعه في كيان إبداعي موحد في وطن مشطر يتّملّك ما يشبه الحصانة الجماهيرية في وجه آليات القمع الشطرية - إلى تأصيل مبدأ التوأمة بين الديمقراطية والوحدة المحققة كإجراء لابد منه لصالح الوطن، إذ إن الغاية من الوحدة لا تكتمل بالإنشاد ورفع العلم والذوبان في كيان واحد بقدر ما يكون ذلك مدخلاً لحياة مثلى متميزة غير تلك التي عاشها المواطنون شمالاً وجنوباً قبل الوحدة بمسلمات الديمقراطية التي تحفظ حقوقاً متساوية للمتوحدين، وهو ما ظل الجاوي يناضل من أجل تحقيقه بعد الوحدة وحتى وفاته.

رحم الله الفقيد الغالي عمر الجاوي رحمة واسعة في ذكرى وفاته الثامنة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى