سر (القوة)

> محمد عبدالله الموس:

>
محمد عبدالله الموس
محمد عبدالله الموس
قبل أيام فقط انتهت الانتخابات الرئاسية البوليفية، وقد دفعت إلى مقعد الرجل الأول (الرئيس) رجلاً من أصل هندي أحمر، وهم السكان الأصليون في الأمريكيتين، وذلك لأول مرة منذ خمسمائة سنة حين اكتشف العالم الجديد.

بوليفيا، الواقعة وسط أمريكا الجنوبية تبلغ مساحتها أكثر قليلاً من المليون كيلومتر مربع ويقترب سكانها من التسعة مليون نسمة، مارست انتخاباتها الرئاسية دون وصاية من أحد، وجاءت برجل يخلو سجله (الوظيفي) من أي من المؤهلات التي تلزم الرجل في العالم الثالث ليكون رئيساً، فكل ما يحمله عبارة عن مشروع لدولة ذات سيادة يمكن أن يقول (غير موافق) للإمبراطورية العظمى في العصر الحديث ولا تملك هذه الإمبراطورية إلا التحاور معه، ذلك لأنه لا يعبر عن إرادته أو إرادة نخب تحيط به، وإنما يعبر عن إرادة تسعة ملايين بوليفي، ولا يحمل مشروع حكم يخصه، وإنما مشروع وطن وضعه على عاتقه كل البوليفيين.

بوليفيا تملك ثاني أكبر احتياطي عالمي من الغاز بعد فنزويلا، وكلاهما ليست على وفاق مع الولايات المتحدة الأمريكية، حتى أن الانقلاب الأبيض الذي تعرض له الرئيس الفنزويلي شافيز، قيل أن (السي آي ايه) تقف خلفه، لكن الشارع الفنزويلي الذي جاء به إلى كرسي الرئاسة فرض حصاراً بشرياً على مقر الحكم حتى أفرجت المجموعة الانقلابية عن الرجل وأعادته إلى مقره وممارسة مهامه كرئيس لفنزويلا، ولم تغير هذه المحاولة في خطابه العدائي تجاه الولايات المتحدة الأمريكية، وهو خطاب يجد صداه في الخطاب السياسي للرئيس البوليفي الجديد.

لا تملك أي من الدولتين أسلحة تدمير شامل، ولم توجه التهمة لأي منهما بممارسة الإرهاب أو رعايته، ولا تعدو المساجلات الخطابية مع الولايات المتحدة الأمريكية عن كونها درجة من درجات التفاوض العلني، فالمصالح المتبادلة تجعل القطيعة الكاملة مع الآخرين، ضرباً من الجنون، ولم نسمع أن البنادق (معمرة) في هذا الطرف أو ذاك، ولم تطرب آذان البعض بمقولات (دون كيشوتية) من تلك التي لا تتجاوز قوتها (لاقط الصوت) في الميكروفونات التي تنقلها.

تدرك الولايات المتحدة الأمريكية، بوصفها رائدة المشروع العولمي الجديد، أن تداول السلطة سلماً في بلد ما، وبإرادة وحرية مطلقة، يمنح قوة ومشروعية تفرض احترامها حتى لو كانت تصطدم مع بعض مشاريعها، فالمسألة هي أن هناك مصالح للآخرين يجب أن توضع في مكانها في أولوية (الأجندة) على قدم المساواة مع المصالح الأكبر، وبوليفيا أو فنزويلا ترتفع إلى مستوى الإمبراطوريات (القديمة الجديدة) حين يتعلق الأمر بمشروعية حكامها وبمصالحها المتبادلة مع الآخرين، فالقوة ليست بمقدار ما تمتلكه من أسلحة، أو ما تمثله من تهديد ولكنها بمقدار مشروعية التفويض الذي منحه الناخب لهذه السلطة وحقها في تمثيل هذا الناخب واعتمادها على هذا الناخب في مواجهة الآخرين.

لسنا بحاجة إلى الخوض في هذا الأمر كثيراً، لكن ديمقراطية بوليفيا وفنزويلا تدلنا على أن قوة كل منهما مستمدة من مشروعية الحكم، والآلية التي أفرزت هذا الحكم، وتحتفظ هذه المشروعية بقوتها طالما حملت (الهم العام)، وطالما ارتفعت من (مشاريع حكم) إلى (مشاريع أوطان) ففي المشروعية فقط يكمن سر القوة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى