إيضاح للإنصاف حول يحيى عمر

> «الأيام» د. علي صالح الخلاقي:

>
د. علي صالح الخلاقي
د. علي صالح الخلاقي
قرأت باهتمام ما كتبه الأستاذ أديب قاسم في صحيفة «الأيام» في العدد 4667 بتاريخ 21 ديسمبر 2005م تحت عنوان (تعقيب على مقال «يحيى عمر»..) وكواحد من المهتمين بتراث يحيى عمر اليافعي ومسؤول ثقافي لمنتدى يحيى عمر، أجد من الواجب إيضاح بعض ما ورد في هذا التعقيب إنصافاً للحقيقة لا غير، وبعيداً عن التعصب أو الأحكام الجاهزة.

وللأسف أقول إن الأستاذ أديب - وهو كاتب وناقد حصيف - لم يكن منصفاً في هذا التعقيب ليس فقط في مزاجه الاستعدائي وليس النقدي بحق الشاعر الأديب المعروف عبدالرحمن إبراهيم، ولكن في تسرعه بالقول عن يحيى عمر بأنه «شاعر له حظ يسير من التاريخ.. وإن بقي قيد الغموض قليل الضوء» وكأنه لم يطلع على المؤلفات التي صدرت حتى الآن حول أشعار يحيى وحياته، منها (غنائيات يحيى عمر) الصادرة عن منتدى يحيى عمر مطلع التسعينات من القرن الماضي وكتاب بدر بن عقيل (إبحار في أشعار يحيى عمر اليافعي) وكتاب صاحب هذا الإيضاح(شل العجب.. شل الدان) وأخيراً كتاب الزميل د. سعودي علي عبيد حول تنوع مضامين القصيدة في أشعار يحيى عمر، ناهيك عن الكتابات المتناثرة التي أجلت جميعها الغموض حول شخصية هذا الفنان الشاعر الذي يمثل أحد أعمدة الغناء اليمني، كما يصفه الأديب الكبير عبدالرحمن طيب بعكر الحضرمي، وهو بحق رائد الغناء اليمني في المهجر، وعن تأثير فنه وأشعاره خارج اليمن يقول الباحث د. خالد بن محمد القاسمي في كتابه (الأواصر الغنائية بين اليمن والخليج) : «فاق تأثر الأغنية الخليجية بفن يحيى عمر أو الفن (اليافعي خاصة) أكثر من تأثرها بالغناء اليمني بشكل عام. وهكذا نلاحظ بأن تأثر منطقة الخليج بالغناء اليافعي واضح في ترديد الفنانين الخليجيين لأغاني يحيى عمر». ويكفي أن نشير إلى أن أشهر فناني البحرين المرحوم محمد بن فارس (1895-1947) الذي عرف بأنه أبو الأصوات الخليجية قد غنى وحده اكثر من 34 أغنية من أغنيات يحيى عمر اليافعي وردت جميعها في الكتاب الصادر عنه لمؤلفه الأستاذ مبارك عمروالعماري محتلة المرتبة الأولى سواء من حيث الترتيب او الكثرة مقارنة بما غنى ذلك الفنان لغير يحيى عمر من أشعار، أما المفارقة التي وقع فيها الكاتب وغابت عن ذهنه فتتمثل بقوله «إن بعض مفردات قصيدة يحيى عمر (قلبي تولاه الطمع).. لا تتفق مع عصر الشاعر».. وبما أنه قد ذكر بعض الكلمات فقط التي ربما تعد دخيلة على قصيدة عدد أبياتها 30 بيتاً، فهل من المنطق أن تفضي به خلاصته إلى إصدار حكمه التعسفي ويصف القصيدة بكاملها بأنها « منحولة»..؟ أعرف أن هناك من سطا على أشعار يحيى عمر ونسبها لنفسه وكتبت عن أحدهم رداً بعنوان «سطو فاضح على غنائيات يحيى عمر» في «الثقافية» قبل حوالي عامين، لكنني لم أسمع أن أحد شعراء العامية قد أبدع مثل هذه القصيدة في يومنا فادعاها عليه، وكم كنت أود أن يذكر شاعراً معيناً قبل أن يصدر مثل هذا الحكم.

ولا أنكر أن جميع قصائد يحيى عمر قد تعرضت على مدى ثلاثة قرون للبسط والخلط الذي ربما لحق بها أكثر من غيرها، لأنها ظلت تتناقل شفهياً عبر الأجيال، وفي الدراسة التمهيدية لديوان يحيى عمر (شل العجب.. شل الدان الصادر قبل ثلاثة أشهر قلت بالنص : «أجزم أن معظم ما بين أيدينا من أشعاره لم تصل إلينا كما كانت بصورتها الأصلية التي أبدعتها قريحة صاحبها، أو حتى كما سجلها اصدقاؤه الذين كانوا يلازمونه باستمرار ويدونون كل أشعاره، لأن طرق وصولها إلينا بصورتها التي هي عليها الآن قد كانت متعددة ومتعرجة والذاكرة الشعبية كمصدر رئيسي لحفظ وتناقل أشعاره، لا يمكن الركون اليها، لأنها عرضة للنسيان ومن شوائبها أن كل ناقل يساهم في بعض الإضافات أو التعديلات بشكل إرادي أو عفوي، وقد تخونه الذاكرة فيسقط بعض الأبيات أو المقاطع سهواً أو يخلط بينها، والدليل على ذلك تعدد روايات أشعاره والاختلاف البين والواضح في صيغها ومفرداتها وتأخير في بعض الأبيات هنا، أو نسيان وإضافة هناك» (ص 19). وتأسيساً على ما تقدم، فهل من الإنصاف أن نحذو حذو الكاتب أديب قاسم ونصدر حكماً عاماً على جميع قصائد يحيى عمر بالقول: «إنها منحولة» طالما لحق بها ما لحق مما أشرنا إليه؟! أم أن الصواب والإنصاف يقتضي أن لا نطلق مثل هذه الأحكام على قصيدة كاملة بسبب «بعض كلمات» ولا أدري كيف غاب عنه ان عدة مفردات في النص، أو حتى جملة أو بيت لا تعد دليلاً قاطعاً على أن القصيدة بكاملها منحولة وهي قاعدة معروفة في الشعر العربي.

فهل يعدل أديب عن رأيه ويقرأ أشعار يحيى عمر بموضوعيته التي عهدناها في كثير مما كتبه غير هذا التعقيب. علماً أن لفظ «الرجل المجتمع» في لسان العرب هو الذي بلغ أشده ولا يقال ذلك للنساء، ومعناه في «المنجد» الذي استند اليه: الرجل الذي بلغ اشده لأنه وقت اجتماع القوى. أما «جذع» فغير «جدع» والأولى هي الأصح وهي لهجة لازالت سائدة، وتعني الرجل المحنك. وهذا كمثال فقط.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى