المرشدي.. والثنائيات الفنية الناجحة

> «الأيام» عصام خليدي:

>
المرشدي
المرشدي
يعتبر الفنان محمد مرشد ناجي أحد أهم وأبرز رواد (الغناء التجديدي الحديث) فقد قدم إضافات تميز بها عن غيره من زملائه ومجايليه وحسبت له في مسار تطور الأغنية اليمنية الحديثة، فللمرشدي (وثبات فنية) مبتكرة ذات أبعاد جمالية ورؤى فنية مدعمة باشتغالات إبداعية بالغة التميز والخصوصية تتمحور في تركيب وصياغات بناء الجملة اللحنية النغمية والموسيقية بطريقته وبأسلوبه ومنهاجه الذي يعتمد على (شقين) الجملة الموسيقية التي تستند على الثبات والركوز في صياغة القوالب اللحنية والجمل الموسيقية وبالتالي يرتكز قوامها ويستقيم على رصانة ووضوح مخارج الألفاظ وسلامة المفردات ومعاني الكلمات بالإضافة إلى حالة التدفق النغمي الوجداني والروحي الممزوج مع القصيدة بشكل لافت وقوي يضيف ويضفي للقصيدة والنص الشعري الذي يتعاطاه (المرشد) كثيرا من الصور والدلالات والرؤى الفنية الموسيقية والنغمية، ولعل أبرز هذه الأعمال قصائد الشاعر العظيم محمد سعيد جرادة فقد اشتركا معاً بتقديم (ثنائيات وأعمال غنائية متميزة رائعة) كأغنيات: وقفة/ذات الخال/ لقاء/ هجرت وابعدتني/ شبابك ندي ريان وغيرها.

كما لا يفوتني أيضاً الإشارة إلى (الثنانية) المشهود لها بالإبداع والتفوق مع الشاعر المبدع الخلاق لطفي جعفر أمان التي نتذكر منها الاعمال العظيمة التالية على سبيل المثال: إلى متى/ ظبي من شمسان/ عرفت الحب/ ودعت حبك/ مش مصدق وغيرها.

بالإضافة للأعمال الجميلة والمتفردة التي تؤكد عبقرية فناننا القدير المرشدي وإسهاماته الهامة في تطوير الأغنية اليمنية منها الاغنيات الأتية التي ارتقت بذائقة الناس وحفرت في ذاكرة ووجدان الجماهير اليمنية والعربية بل إنها وضعت بصمات وملامح هامة شكلت أهم تجليات وإشراقات الأغنية اليمنية الحديثة والمعاصرة.

مثال على ذلك: بيني وبينك، خلاني وراح، على ذكراها، أكيد، مع السلامة، ذا كان زمان ي اصاح، صلاة قلب، ضناني الشوق، ياللي أنكرت الهوى والحب، اللقاء العظيم، نظرة من مقلتيها، لا تخجلي، مازلت أهواك، غنوا معي غنوا، طلعت بدرية، بغينا الحب دايم بالتفاهم، اشتقت لك، تاج النهار، بروحي وقلبي، لم يندمل، وكثير من الأعمال الرائعة والمهمة.

أما الشق الثاني في تجربة المرشدي الغنائية والموسيقية ومدرسته في (فن التلحين وطرائقه المختلفة) فيعتمد على الجملة الموسيقية القصيرة التي تستند على الحركة والإيقاع ويمكننا أن نطلق عليها أسلوب (السهل الممتنع) ولكنه أيضاً يهتم بتنويع المقامات والإيقاعات وبالمقدمات الموسيقية التي تحتاج لمحور خاص للحديث عنها بشكل مفصل مستقل. ومن الأعمال الغنائية التي تتوافر فيها هذه المعطيات والمقومات اللحنية في اغنياته على سبيل المثال ما قدمه لنا بالآتي:

حبيبي جاني، يا بن الناس حبيتك، يا سائلي عن هوى المحبوب، با معك، لقيته يا ماه، ليه يا بوي، يا نجم يا سامر، غزير الحب، ندانه..ندانه، يا عيدوه، يا غارة الله، يا حبايب، لا وين أنا لا وين، بانجناه، يا بوي أنا شي لله وغيرها من الاعمال المتميزة.

المرشدي والثنائيات المتعددة الناجحة

ربما يكون من المألوف وكما جرت العادة أن يتفوق فنان مع شاعر معين ويشكلان معاً (ثنائية) يشار إليها بالبنان، ولكن الأمر مع فناننا المبدع اختلف تماماً ولا يمكن أن يحدث إلا إذا جاد الزمان (بحالة استثناء) فالمرشدي حقق ما عجز عنه الكثير من الفنانين غيره لأنه شكل ثنائيات غنائية متعددة ناجحة مع أكثر من شاعر من فحول وفطاحلة الشعراء اليمنيين والعرب واستطاع أن يتميز ويتفرد بإبداعاته وعطاءاته الغنائية الموسيقية مع كل واحد منهم بل وكان جديراً مقتدراً بتعامله مع نصوصهم وقصائدهم المختلفة المتنوعة بحسب ثقافتهم وفلسفتهم في أسلوب ونمط العيش والحياة، فمن منا لا يتذكر روائعه وإبداعاته مع الشعراء الكبار الأساتذة: محمد سعيد جرادة، لطفي جعفر أمان، عبدالله هادي سبيت، أحمد الجابري، علي محمد علي لقمان، حسين أبوبكر المحضار، أحمد السقاف، علي بن علي صبره، مطهر صبرة، مطهر الارياني، د. سعيد شيباني، ناصر علوي حميقاني، أحمد بو مهدي، القرشي عبدالرحيم سلام، أحمد عباد الحسيني، أحمد شريف الرفاعي، فريد بركات، عباس المطاع، وديع أمان، وأخرين.

فللشاعر الكبير عبدالله هادي سبيت قدم هذه الاغنيات: حبيبي جاني، لاوين أنا لاوين، نظرة من مقلتيها، ليه يا بوي، ياعيدوه.. ياعيدوه، بانجناه، يا بن الناس حبيتك، عمرنا ليل(ياحبايب).

وقدم للأستاذ أحمد الجابري هذه الأعمال الهامة أيضاً: علمسيرى، يا غارة الله، أخضر جهيش مليان، يا عاشقين، لا تخجلي.

وللشاعر والملحن القدير حسين أبوبكر المحضار قدم باقة منتقاة من الأعمال الجميلة اتسمت بالخصوصية منها: دار الفلك دار، أهل باكرمان، دعوة الأوطان يا ساري الليلة.

وكذلك قد للشاعر الرائع علي محمد علي لقمان هذه الأغنيات: صلاة قلب، غنوا معي غنوا وغيرها.

وللأديب الشاعر الاستاذ عبدالله فاضل قدم عملين جميلين: بروحي وقلبي وأغنية مازلت أهواك.

من هنا تأتي عبقرية فناننا القدير المرشدي بقدرته على العطاء المتدفق والكبير وإمكانياته الغنائية الموسيقية التي جعلته يتجدد إبداعاً بصور وأشكال مختلفة وبالطبع تأتي ثنائياته مع العملاقين محمد سعيد جرادة ولطفي جعفر أمان بصدارة القائمة في سجل المرشدي الغنائي والموسيقي الطويل الحافل.

التجديد في الحان المرشدي

سمعت بعض التصريحات مفادها أن الأستاذ محمد مرشد ناجي يصنف (بالفنان الشعبي) وفي الواقع أن هذا التصنيف مجاف للحقيقة ومغلوط جملة وتفصيلاً ولا ينطبق عليه إذا توخينا الدقة في اختيار التصنيفات الفنية على (المرشدي) أو غيره من فنانينا المبدعين ومع تقديرنا واحترامنا لتصنيف ومسمى الفنان الشعبي إلا أن الأمر يختلف هنا تماماً كما سنشرح ونوضح بالبراهين والأدلة في هذا السياق الذي سنؤكد فيه اهتمامات المرشدي واشتغالاته الموسيقية التي لا يمكن أن يقدم عليها ويتعاطاها إلا (فنان شامل مثقف) يمتلك موهبة الخلق والإبداع والإبتكار فإذا اعدنا شريط الذاكرة وقمنا بعملية مسح شامل وعام في هذا الاتجاه الهام لأغنيات المرشدي منذ بداياته سنكشف اهتماماته بالمقطوعات الموسيقية كمقدمات مستقلة لأغنياته وسنجدها (مطرزة بزخارف ونمنمات مقامية وإيقاعية مرشدية) غاية في الروعة والجمال وكانت عبارة عن (تاج موسيقي بديع وضعه على رأس أغنياته) الأمر الذي يؤكد بالقطع تطلعاته وتحدياته وتمرده الواعي المسؤول عن كل مألوف وسائد في ذلك الوقت، أما الأدلة والبراهين فهي كثيرة منها على سبيل المثال المقدمات الموسيقية لهذه الاغنيات الشاهدة على براعته ونزعته العارمة نحو آفاق التحديث والتجديد بأعمال نتذكر منها على سبيل المثال 1) على ذكراها 2) عرفت الحب 3) ودعت حبك 4) ضناني الشوق 5) أهلاً بمن سلم 6) صلاة قلب 7) إلى متى 8) عن ساكني صنعاء 9) أكيد 10) أحبها 11) وقفة 12) بالله عليك يا طير 13) نظرة من مقلتيها 14) يا بلادي 15) تاج النهار16) هات يدك وكثير من الأعمال الأخرى التي اتحفنا بها ولا يزال.. أطال الله عمره.

عن ساكني صنعاء

في هذا المقام سنعرج على هذه الأغنية ذات القصيدة الحمينية كلمات الشاعر والقاضي عبدالرحمن بن يحيى الآنسي لنستخلص من هذا اللحن البديع والرشيق (أهم خصائص ومميزات المرشدي الملحن المتجدد والمتطور) منذ بدايته الأولى مروراً بمشواره الغنائي الزاخر والحافل بالعطاءات الإبداعية وبالتألق والمفاجاءات.

البداية: 1) المقدمة الموسيقية والاشتغال على جمل موسيقية جديدة مبتكرة مغايرة عن كل ما كان سائداً حينها في ذلك الوقت فإذا استمعنا للمقدمة الموسيقية جيداً وقمنا بتحليلها علمياً سندرك أنها لحنت على (مقام البيات على درجات الدوكا واستخدم فيها الإيقاع الشرح الثقيل 6/8 وكانت المفاجأة في تراكيب جمل موسيقى صولو العود الذي استخدم فيها المرشدي (تكنيكا عالي المستوى ورفيعا جداً ) بطريقة (مضاعفة سرعة الريشة وزيادة الوحدات) إذ أن العود كان متناغماً بانسجام بديع مع الكمانات وبقية الآلات الوترية في قوام الفرقة الموسيقية فاستطاع أن يخلق ويبتكر مقطوعة موسيقية فائقة الروعة والجمال ثم يبدأ بعد ذلك التمهيد الموسيقي للغناء بطريقة حديثة وجديدة نجد بها روح واحساس ومدرسة (المرشدي) فلم يخضع المرشدي لخصوصية وطبيعة النص الحميني المعروف والتقليدي الذي عادة ما كان يكتبه شاعر القصيدة الحمينية وعرفت قصائده ملازمة ولصيقة بأهم الموشحات الصنعانية اليمنية، لكن قدرة المرشدي الموسيقية الهائلة مكنته من الخروج من دائرة الصياغات الغنائية الموسيقية(الإحيائية والتقليدية) باشتغال جاد مبتكر تمرد به من (تبعية النص الغنائي الحميني وهيمنته على فرض أسلوب محدد ومعروفً بصياغات لحنية على النمط الغنائي التقليدي المعروف).فقد تجسد نجاح (مرشدنا) بتلك المقدمة الموسيقية الرائعة وفي الخروج والتمرد من قوالب التلحين بطريقة (الموشح اليمني الصنعاني التقليدي التي فرضته وهيمنت عليه القصيدة الحمينية منذ زمن طويل جداً) وفي الواقع أن رغبة ونزعة المرشدي بتطوير الغناء اليمني إلى أسلوب آخر جديد مكنه من التفوق والإجادة والإبداع بمهارة في تخطي تلك (المخاطرة الفنية الصعبة) وفي تألقه بنجاح هذا اللحن وأدائه العظيم.. فإلى مذهب الأغنية:

عن ساكني صنعاء حديثك

هات وافوج النسيم

وخفق المسعى وقف

كي يفهم القلب الكليم

هل عهدنا يرعى وما يرعى العهود إلا الكريم

ثم يزداد إبداعه تألقاً وروعة في الكوبليهات التي يقول فيها:

تبدلوا عنا وقالوا عندنا منهم بديل

والله ما حلنا ولا ملنا على العهد الأصيل

ما بعدهم عنا يغيرنا ولو طال الطويل

***

بالله عليك ياريح أمانة إن تيسر لك رجوع

لمح لهم تلميح بما شاهدت من فيض الدموع

والشوق والتبريح والوجد الذي بين الضلوع

إن المرشدي حينما نسمعه يردد هذه الأبيات الشعرية مموسقة ملحنة بصوته الذهبي الدافئ والشجي نشعر وكأنه

يحترق لوعة وعشقاً وهياماً للوصول لمحبوبة الغائب .

وفي الحقيقة نجح المرشدي ببراعة واقتدار في ترجمة أبيات ومفردات ومعاني قصيدة شاعرنا الكبير القاضي العلامة (عبدالرحمن بن يحيى الآنسى) وفي التعبير عن مكنوناته ودواخله الشعورية من خلال اللحن الجميل الذي اتحفنا به وبكثافة الأحاسيس والشوق والشجن الذي امتزجت لتشكل مع صوته وحدة فنية متماسكة ونسيجاً رومانسياً عاطفياً عكس صورة ذلك الزمان الجميل بكل صدق وأمانة.

ونحن لا نملك إلا تسليط الضوء صوب هذه الأغنية التي تعتبر نموذجاً ومثالاً لروائع أستاذنا الجليل الفنان محمد مرشد ناجي ودوره الريادي وخدمته لتطوير الغناء اليمني فهي بقيمتها الموسيقية والغنائية من وجه نظري تشكل علامة بارزة وبصمة هامة أضيفت إلى رصيده الغنائي الموسيقي المشرق والمشرف ورفدت مع عطاءاته الغنائية الموسيقية بثراء دافق مسار الغناء اليمني واستمراريته وتألقه نحو الأفضل والأجمل.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى