دروس وعبر في أداء فريضة الحج

> زهير حامد لقمان:

> كان العرب قبل ظهور الاسلام قد أحالوا مبدأ التوحيد الذي جاء به سيدنا إبراهيم عليه السلام إلى ضروب وألوان من الوثنية والشرك والتزلف، فهم يصنعون الاصنام ويضعونها في حرم الكعبة ثم يسجدون لها معتقدين بخشوعهم اليها أنها قادرة على النفع والضرر، بل ويتوسلون اليها ويتقربون ويطوفون عليها في توسل وخفية، وإذا حجوا الى البيت قدموا القرابين لأصنامهم تلك التي لا فائدة ترجى منها.

وجاءت رياح التغيير التي تمثلت بظهور الاسلام متمثلاً بخاتم الانبياء محمد صلى الله عليه وسلم فطهر بيت الله من هذا الرجس وجعل من الحج اليه عدة معان سامية تحققت فيها أخوة بارة ومساواة ظاهرة لا يختلف ملك عن أحد رعيته، ولا غني عن فقير في أي مظهر أو ملبس، فالكل فيه سواسية في ملبس واحد ومطلب واحد هو الاتجاه الى الله عز وجل يلبون نداءه ويسرعون الى رحاب دينه في أمن وسكينة.

وكان فتح مكة المكرمة التي خصها الله تعالى بكتابه العزيز وذكرها بأسماء عدة بلغت أحد عشر اسماً ، وأقسم بها وأعطاها ما لم تحظ به أي مدينة في الدنيا، وأنزل فيها الوحي الإلهي على الرسول صلى الله عليه وسلم بأول سور القرآن الكريم، في شهر رمضان عام ثمانية للهجرة، الفاصل بين زمنين، فطهر البيت للطائفين والركع والسجود ودخلها الرسول صلى الله عليه وسلم وطاف حول البيت العتيق، وكانت سماحة رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم بأنه لم يأخذ الثأر بالثأر انما ظهر منه عفو عند المقدرة وسماحة عند الاقتدار فنادى صلى الله عليه وسلم معشر قريش يسألهم ماذا يظنون أنه فاعل بهم فيقولون: أخ كريم وابن أخ كريم، فيقول «اذهبوا فأنتم الطلقاء» .. ويتناول الرسول مفتاح الكعبة ويقف على بابها ويخطب بين الناس فيفتتح خطبته بعبارة التوحيد «لا إله الا الله لا شريك له صدق وعده ونصر عبده وهزم الاحزاب وحده» هذه الخطبة التي هي عبارة التوحيد التي جاء بها الاسلام فمحا الشرك وقضى عليه نهائياً.

وقد خرج رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم من المدينة المنورة - دار الاسلام الاولى التي ناصرته وقاتلت معه معارك تاريخية فاصلة، وهي المدينة التي أحبها كثيراً وأحبته، فبنى فيها مسجده الشريف ودفن فيها والتي لها من الاسماء 91 اسماً - ظهراً من ذي القعدة ميمماً شطر بيت الله الحرام وعرف الناس في حجته هذه مناسك الحج يأخذونها عنه ويفعلون كما يفعل، وفيها كانت حجة الوداع التي خطب فيها من على جبل عرفات والتي هي عبارة عن محاضرة كاملة وإرشاد عظيم وتربية تامة للمسلمين كيف يؤدون مناسكهم وكيف يقومون بحجهم وكانت آيات من هدى إيمانه والتي هي نبراس لنا نتعلم منها ونستلهم تعاليم ديننا الحنيف بعد القرآن الكريم وتوضح ما استعصى فهمه على الناس في ما يتعلق بحياتهم من البيع والشراء والربا وحقوقهم تجاه نسائهم وحقوق نسائهم عليهم وغيرها فيما يتعلق بأمور الدنيا والدين، هذه أمانة الله قد بلغها الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم لعباده منهياً بذلك عهداً بائداً بما فيه من جهل وشر وفساد.. تأتي عقود وتذهب عقود من الزمن والمسلمون يؤدون فريضة الحج من استطاع إليه سبيلاً فإذا اجتمعوا في مناسكها وتوضحت لهم العبر وذكروا ما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم في خطبة الوداع من اكثر من عقود مضت لأن الدرس واضح والعبرة دائمة لا يبلى منها جديد.. يأتي حجاج من الشرق والغرب يقطعون الارض والجو وعباب البحار وقوله تعالى {وأذّن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم}.

ولا تدّخر وسعا حكومة خادم الحرمين الشريفين على مدى السنوات الطويلة في خدمة حجاج بيت الله الحرام وتذليل كل الصعاب، وقد كانت توسعة المسجد الحرام في مكة والمسجد النبوي في المدينة من اكبر الاعمال العظيمة التي قامت بها، وكذا التوسعات في المشاعر المقدسة في منى وعرفات وما تقدمه من خدمات في السكن والطعام والشراب والخدمات الطبية الراقية لجميع الحجاج.

إن مكة المكرمة والمدينة المنورة هما اليوم أطهر بقاع العالم.. تهفو اليهما القلوب المتقدة بالشوق لتطفئ لظى القلب بمشاهدتهما.. خصهما الله بالتكريم دون سواهما من المدن على ظهر الارض.. هما مقصد الملايين من المسلمين أكانوا حجاجاً أم معتمرين أو زائرين .. مهوى أفئدة المسلمين في شتى أرجاء الارض ومهبط الوحي.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى