نحو فهم أعمق لاستراتيجية التنمية المحلية

> «الأيام» هيثم الزامكي:

>
هيثم الزامكي
هيثم الزامكي
صدر مؤخراً عن البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، تقرير حذر وبشدة من أن أهداف التنمية للألفية الجديدة وأهداف اجتماع مونتري اللذين أعلنا في بداية عام 2000م يتعرضان لخطر عدم التنفيذ كما هو مقرر لهما في العام 2015م، وأن هناك خطراً حقيقياً يتهدد الأمن والسلم العالميين من جراء ذلك، وحث التقرير على تسريع الخطى وحشد الجهود واستغلال الفرص المتاحة لانقاذ العالم من الفقر وتحقيق الأمن والسلم العالميين قبل فوات الاوان، وأضاف التقرير أن هناك خمس سياسات مهمة لا بد من تنفيذها لانقاذ الفقراء وتحقيق أهداف الالفية في التنمية، وجاء على رأس تلك الاجراءات والسياسات الواجب اتباعها للخروج من شبح تلك الازمة الخطيرة، وفي البند الأول (تفعيل استراتيجيات التنمية ومكافحة الفقر).

وانطلاقاً من هذا التقرير ومن عدة دراسات سابقة تنصح بأهمية تنفيذ تلك الاستراتيجيات التنموية، رغم أن اليمن وحسب التقرير ليست من المناطق التي وصلت إلى وضع حرج وحساس للغاية كدول جنوب الصحراء في أفريقيا، فإن هذا ليس مبرراً للاطمئنان لوضعنا التنموي في اليمن، بل هو مدعاة لمضاعفة الجهود والعمل على الخروج من كافة التصنيفات ذات الوضع الحرج فيما يخص التنمية ومكافحة الفقر.

وما تمثله عدن بكل مقوماتها من أهمية كبيرة لليمن وللمنطقة الاقليمية يحتم عليها أن تكون عند مستوى تلك التوقعات من سكانها وسكان اليمن عموماً.

إن مكافحة الفقر ورفع مستوى التنموية وتهيئة بيئة اقتصادية استثمارية تمكن عدن من ممارسة دورها التجاري التاريخي كأحد أهم موانئ العالم، تفرض على كافة القائمين بإدارة شؤونها والمتفاعلين معهم القيام بكل ما يلزم من أجل استعادة الدور التجاري لعدن بعد أن استعادت عدن كافة أدوارها الاخرى، وعلى رأس ما يلزم القيام به هو التنفيذ الامين لاستراتيجية التنمية المحلية لمدينة عدن بالتنسيق مع المخطط العام للمدينة (Master plan) وإذا كانت الاستراتيجية التنموية لمدينة عدن قد نجحت في أن تكون مثالاً نظرياً للمدن الطامحة إلى رسم استراتيجياتها التنموية، فإنه سيكون من المخيب للآمال أن تبقى تلك الاستراتيجية مجرد مثال نظري عاجز عن التحول إلى أرض الواقع لينتفع به وبفوائده كل سكان المدينة.

وقبل البدء بتنفيذ الاستراتيجية لا بد من تلافي بعض جوانب القصور المفاهيمي لتلك الاستراتيجية، والتي نعتقد أنها تسبب الكثير من التشويش عند المتعاطفين مع امور التنمية في المدينة. وأهم تلك الجوانب:

1- زمن التخطيط والتنفيذ
تفيد معظم الدراسات الصادرة عن البنك الدولي والأمم المتحدة والمنظمات العاملة في التنمية بأن من أهم المعوقات التي تعترض تنفيذ المشاريع التنموية وخاصة في الدول النامية، مسألة طول الفترة الفاصلة بين التخطيط وبدء التنفيذ، مما يؤدي إلى ظهور الكثير من المتغيرات المحلية والخارجية الجديدة التي تسهم بشكل كبير في زيادة فروض عدم التحقق، وبالتالي عرقلة تنفيذ المشاريع، مما يستدعي في كثير من الاحيان اعادة التخطيط، وبالتالي زيادة كلفة المشاريع وتناقص قيمة عامل الزمن. ويبدو هذا صحيحاً إلى حد كبير ولكنه يأخذ شكل الاثر النسبي إذا ما قارنا بين مشروع واحد أو مشروعين تقابلهما جملة من المشاريع المترابطة والتي تعد لتنفذ في إطار زمن بعيد المدى ونعنى هنا مشاريع الاستراتيجية، وهذا لا يبرر التأخر في بدء تنفيذ الاستراتيجيات ولكنه يعد تبسيطا منطقيا يحافظ على حماسة صانع القرار كي يتدارك الوقت عندما تكون الظروف مواتية، وفي وضع استراتيجية عدن التي تتكون من مئة وواحد وأربعين مشروعا يراد تحقيقها وتحقيق غيرها على المدى الطويل فإن الفترة الفاصلة بين نهاية التخطيط وبدء التنفيذ لا ينبغي أن تكون مصدر احباط وتقاعس، بل على العكس تماماً ينبغي مضاعفة الانجاز لتعويض الفرق الزمني المتحقق في استراتيجية عدن، وهو امر غير مستحيل بالنسبة لخطة نعتقد أنها تملك من المرونة ما يكفي لتدارك الوقت الضائع.

2- النظرة الكلية
النظر بشكل كلي إلى الاستراتيجية هو أمر ايجابي إذا كان الهدف المزيد من التحليل ومحاولة ايجاد طرق فعالة في عملية التنسيق بين الجهات الراغبة في التكامل من أجل التنفيذ، ولكن في نفس الوقت قد تكون تلك النظرة ذات مردود سلبي عندما يكون الهدف منها محاولة وضع حكم قطعي ما إذا كانت الاستراتيجية قابلة للتحقيق بشكل كلي 100% أم لا، لأن عدم تحقيق هذا الهدف هو أمر ممكن الحدوث، لا بل هو حتمي في ظروف مشابهة لظروف مدينة عدن، لذلك ينبغي لصانع القرار التعامل مع الاستراتيجيات بشيء من المرونة تتيح تنفيذ ما هو ممكن وضروري، وعدم اهمال الفوائد القصيرة والمتوسطة الاجل التي قد تقدم قيمة إضافية لمشاريع الاستراتيجية تتيح ربما تنفيذ ما هو ابعد من الاهداف المرسومة.

3- حجم الانفاق الاستثماري
التصورات الواقعية أو حتى المبالغ فيها لحجم الانفاق الاستثماري المطلوب لتنفيذ الاستراتيجية قد يشكل عامل احباط في بلد يتصف بضعف القاعدة الراسمالية في مجال البنية التحتية والفوقية، ولكن في الحقيقة أن هذه النظرة لا تعكس مضمون وجوهر الاستراتيجيات التنموية للمدن، التي تعتبر تحسين وتطوير البنية التحتية والفوقية من أهدافها وليس شرطا لازما للبدء في تنفيذ الاستراتيجيات، وتركن في ذلك إلى جملة من المكونات لتحسين اداء بيئة الاستثمار والاستفادة من القيم المتحققة، لتعزيز كفاءة تلك البنى بشكل تدريجي واستراتيجي، وإذا ما نظرنا مثلاً إلى المنطقة الحرة في عدن نرى أن البنية التحتية والفوقية لها مازالت دون المستوى المطلوب من وجهة نظر الاستراتيجية، ولكن هل يمنع هذا تحسين ادائها واستخدام عائداتها لتطوير تلك البنية؟ قطعاً لا. لذلك يمكن القول إن هناك امكانية لتحقيق مكونات وأهداف كثيرة تدعو لها الاستراتيجية، ومن أهمها التحديث الإداري وتنمية المهارات وتطوير القوانين المنظمة لعملية الاستثمار في عدن، وتحديث قاعدة بياناتها، وتفعيل عمليات الرصد والتقييم عن طريق أتمتة نظام المعلومات لديها، وكل تلك الأهداف هي عمليات يمكن ترتيبها لتصبح ممكنة التحقق، ويمكن لكل شركاء التنمية في المدينة المساهمة فيها، ويعتمد تحقيقها على نجاعة التدخلات الاستراتيجية المستقبلية وحنكة القيادة الإدارية للعملية.

4- تنسيق المشاريع
التضارب في فهم البرامج والمشاريع التي يقع تنفيذها على عاتق الحكومة المركزية، والبرامج والمشاريع التي يقع تنفيذها على عاتق المحافظة بقطاعها العام والخاص والجهات المانحة، هذا التضارب يعد من عوامل التشويش عند اتخاذ القرارات الخاصة بالتنفيذ، لذلك لا بد من الفهم الواضح والدقيق لخطط الحكومة المستقبلية المتوسطة والبعيدة المدى من أجل تلافي أية تداخلات قد تؤدي إلى ازدواجية التخطيط والتنفيذ، فالاستراتيجية معدة بمرونة تسمح لها بالتنسيق مع أية برامج أخرى دون حصول ذلك التضارب.

5- التطبيق الميكانيكي
محاولة التطبيق الميكانيكي للاستراتيجية وحصر كافة الجهود فيها واعتبارها خطة لازمة وكافية لتحقيق التنمية في المدينة، تعتبر نظرة قاصرة لعملية التنمية وللامكانيات الأخرى الموجودة التي لم تتعرض الاستراتيجة لها، والتي يمكن أن تظهر في المستقبل على شكل فرص استثمارية جديدة ينبغي اقتناصها، لذلك ينبغي النظر إلى الاستراتيجية على انها خطة مرحلية عريضة يمكن التعامل معها بمنتهى المرونة بشكل يسمح بإضافة وإسقاط أيّ من بنودها الفرعية حسب الحاجة لذلك.

6- حصر الاعتماد والمشاركة
إن الاعتماد على الجهاز المتمثل في المحافظة ومكاتب الوزارات في عدن، على أنها العنصر القيادي المكلف بتنفيذ الاستراتيجية هو أمر ينافي ما تدعو إليه الاستراتيجية، لذا تعتبر عملية تطوير بنية لجنة اشراف ومتابعة موسعة تتسم بأكبر قدر من المشاركة والتمثيل والاختصاص، من الأمور التي يجب دراستها للبدء بتنفيذ الاستراتيجية.

7- التوظيف
لعل من أهم عوامل التشويش على تنفيذ الاستراتيجية (عامل التوظيف ) وعدم توفر الموارد المالية اللازمة لتمويل توظيف العنصر البشرى المتخصص لتنفيذ الاستراتيجية، فبمجرد التفكير في أن تنفيذ الاستراتيجية سيتطلب جهازا وظيفيا جديدا من لجان عمل ووحدات تنسيق ورصد وتقييم...إلخ، يجعل الأمر في غاية الصعوبة، لكن القيادة الإدارية الخلاقة هي التي تستطيع استثمار الموارد البشرية المتاحة وتأهيلها ضمن الموارد المالية الممكنة، عن طريق توزيع المهام بطريقة واضحة تعتمد على القدرات الذاتية الحالية لمرافق المدينة، وتشغيل البطالة النشطة في المدينة والتي ينبغي عليها أن تقبل بمبدأ التطوع المدعوم بالحماس لاداء وظائفها، مع اعطائها بعض الميزات الوظيفية المحفزة على انخراطها في العملية، وترغيبها بالفوائد الممكن الحصول عليها من نتائج انشطة الاستراتيجية.

8- أمور أخرى
مما لا شك فيه أن هناك عدة حقائق لا يمكن القفز على نتائجها السلبية التي طبعت عملية التنمية في الاعوام المنصرمة وأصبحت اليوم تشكل عائقاً كبيراً أمام تنفيذ الاستراتيجية للمدينة ومن تلك العوامل:

1) عامل سوء تخصيص الارض: عملية تخصيص الارض وتعقيداتها الكبيرة والمؤثرة على ارتفاع كلفة الاستثمار في المحافظة بسبب ندرة عنصر الارض، ولكن تلك المعضلة لا ينبغي النظر اليها على أنها عامل أساسي وحاسم في تقرير تنفيذ الاستراتيجية، بل ينبغي النظر اليها من زاوية كونها أحد المعوقات الممكن القضاء عليها عن طريق المخطط العام للمدينة (Master plan) كما أن الخطة الشاملة التي اعلنها المحافظ اثناء ورشة العمل لمناقشة تنفيذ الاستراتيجية، والتي بموجبها سيتم وعلى المدى البعيد استيعاب مشكلة السكن العشوائي، تعد خطوة في الطريق الصحيح تعول عليها الاستراتيجية كثيراً.

2) التداخلات القانونية : تتجلى اشد المظاهر السلبية لتلك التداخلات القانونية الحاصلة ضمن المرافق الاقتصادية الاساسية في المحافظة من خلال عدم وجود جهة معينة تمنح تراخيص الاستثمار وعدم وجود جهة معينة للحصول على الارض، عدم وضوح وعدم تعاون بين المرافق التي تحصل الضرائب والجمارك والرسوم، أو تمنح الاعفاءات والتسهيلات، ولقد دعت الاستراتيجية بصراحة إلى سرعة التعامل مع تلك التداخلات وتمهيد الطريق امام بيئة أكثر تنسيقاً بين جميع مرافق المدينة. وتعد الاجراءات الحكومية الأخيرة بشأن دمج بعض الهيئات المتداخلة إجراءات في الطريق الصحيح.

3) ضعف التخصص لدى المجالس المحلية في المديريات والتي تعاني من قلة الخبرة وحداثة الممارسة للعملية كما انها تفتقر إلى العنصر البشري المتخصص بالتنمية وهي في تكوينها تقترب إلى الشكل الحزبي وهذا ما جعل مهمتها في تحديد أولويات المشاريع التنموية في المديريات مهمة صعبة إن لم تكن مستحيلة، وعليه ينبغي أن يتم رفد تلك المجالس بكوادر اقتصادية تنموية متخصصة تقوم بالعمل معها ومساعدتها في تحديد المشاريع المناسبة لها.

4) قوة المنافسين لعدن: إن المنافسة بمعناها الاقتصادي عامل مفيد للارتقاء بجودة المعروض ورفع توجهات المستهلك نحو السلعة أو الخدمة، واذا ما ارادت عدن المنافسة على مستوى المنطقة فينبغي أن تحدد اساس تلك المنافسات ومقوماتها، مع من نتنافس؟ ماذا لديهم وماذا لدينا؟ ماذا يريد الآخرون؟ ماذا يمكن أن نضيف؟ واخيراً هل نحن نساير أم نسابق في منافستنا للآخرين؟.

إن الاجابة على تلك الاسئة بعلمية وموضوعية ستشكل اساسا متينا للمنافسة.

واذا كان الآخرون قد تقدموا بما لديهم وأخذوا حتى الآن نصيبهم من السوق العالمية فإنه يمكن لعدن أن تأخذ نصيبها عن طريق تقديم ما لم يستطع الآخرون تقديمه.وبشكل عام نقول إن كل من ينظر إلى ما جاءت به الاستراتيجية من زاوية الشروط الواجب تحققها قبل البدء بتنفيذ الاستراتيجية، انما هو صاحب نظرة جزئية، وكل من يهمل تلك الشروط ويتوقع أن بإمكانه تحقيق اهداف الاستراتيجية هو صاحب رؤية خاطئة.

وتكمن الرؤية السليمة للاستراتيجية وتنفيذها في فهم الإدارة لعملية التناوب بين الاهداف والشروط، فما يبدو اليوم وكأنه شروط، ينبغي النظر إليه كأهداف تتحول مستقبلاً إلى شروط تنموية والعكس صحيح.

مكونات استراتيجية التنمية الاقتصادية المحلية لمدينة عدن
1) نمو تنافسي لمرافق المحور الاقتصادي (الميناء، المطار، المنطقة الحرة).

2) ضمان التحويل المباشر للقيم الاقتصادية المتحصل عليها من المحور الاقتصادي إلى اقتصاد المدينة وذلك بواسطة مجموعات الربط الاقتصادية.

3) تنويع اقتصاد المدينة وانعاش الاقتصاد الوطني.

4) تهيئة بيئة صالحة للاستثمار.

5) الترويج لعدن وجذب استثمارات جديدة.

6) تنمية المهارات وتطويرها، بما يجعلها متجاوبة مع بيئة عمل تنافسية.

7) الوصول العادل والميسر للفرص الاقتصادية .

8) إحياء المراكز الحضرية.

بعض أهم مؤشرات مشاريع الاستراتيجية

1) المشاريع بصفة عامة:

إجمالي المشاريع 141 مشروعا

مقسمة على مكونات الاستراتيجية على النحو التالي:(جدول 1).

2) مؤشر الاستقلالية في إدارة وتنفيذ مشاريع الاستراتيجية (جدول 2).

3) مؤشر حاجة مشاريع الاستــراتيجية إلـى التـوظيف (جـدول3).

4) مؤشر المساعدات الفنية المطلوب من أجل التنفيذ (جدول 4).

5) مؤشر اتساع نطاق التنسيق (جدول 5).

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى