أول قطرة من غيث قادم

> فضل علي مبارك:

> عجبت - ولا أرى في بعض من العجب إثماً - مما طرح على صدر هذه الصحيفة، التي غدت بفعل منهج ناشريها واحة لمختلف الآراء ومرآة عاكسة لنبض الشارع، الأخوان العزيزان أحمد عمر بن فريد وعلي هيثم الغريب في عددي «الأيام» يومي الأربعاء والخميس الماضيين على التوالي بشأن موقف السلطة من اتفاق فرقاء مأساة 13 يناير. ومكمن العجب الذي ليس بالضرورة أن يرتد على صاحبه بالسوء هو محاولة الأخوين- وبالتأكيد غيرهما كثر لا يعدون ولا يحصون - مداراة معرفتهما الواضحة من موقف السلطة تجاه فعل كهذا يُحدث ولو (قطرة) تقارب أو (فكرة) تذيب (ذرة) احتقان وتنافر بين أبناء هذه المناطق تحديداً.

إن السلطة القائمة - يا أحبتي - التي جاءت نتاجاً مشوهاً وغير طبيعي لفعل التناحر السياسي الذي أفضى إلى حرب رعناء، لا تعمل فقط على إبقاء حالات التناحر والبغضاء بين أبناء الجنوب التي ولدتها الصراعات السياسية المسلحة، بقدر ما تعمل جاهدة على إذكاء روح الصراع وتغذية التناحر، وافتعال (أباطيل) عجز إبليس عن الإتيان بها بما من شأنه تأجيج هوة الفرقة وخلق حالة عداء دائم بين أشقاء البيت الواحد، حتى يتسنى لها تحقيق مآربها.

وكيف بالله عليكم تستكثرون عليها استهجان أو (شتم) ثلاثمائة وخمسين (رعوياً) التقوا لتبادل القبلات والتهاني في ذكرى يوم تجرعوا مرارته جميعاً -المنتصر منهم يومها والمهزوم- علماً بأنه لم ينتصر أحد كما لم يهزم آخر في 13 يناير 1986م، وعندما رأى هؤلاء - وهذا متفق عليه بإجماع الكل -أن يزيلوا جرحا قديما قد اندمل من زمن ولم يعد له أثر، بالتلاقي والمصافحة والاتفاق على تحدي الهم المشترك الذي يواجههم في هذا الوطن الذي ضاق بهم ذرعاً بقدر اتساعه، دون سواهم.

ورب الكعبة إن 13 يناير بحجم مأساته وكبر ألمه وعظيم جراحه قد اندفن وتطاير رماده في يوم ريح صيفي بأرض هذه المحافظات الطيبة، ولم يعد في قلوب المكتوين بناره حتى ذكرى سوى ما يقوم بإبداعه إعلام السلطة ودراويشها كل عام لإجبار الناس على التذكر بالصميل.

انظر افتتاحية صحيفة «الثورة» يوم 13 يناير وإعادة نشرها في صحيفة «14 أكتوبر» اليوم التالي، بما يعطي دلالة واضحة كيف تتجسد سياسة الإعلام الرسمي الممول من عرق مآسي وآلام الناس.

إن حدوث التقارب ونمو حالة التآخي بديلاً عن البغضاء والسعي نحو لملمة أشلائنا المتناثرة على محطات الصراع، أمر يؤذي السلطة، بل هو (رجس من عمل الشيطان) في نظر مفكريها.

ولذلك لا ينبغي لـ (البدوي) أن يرد السلام على (اليافعي) ومحرم على (الشبواني) أن يجتمع في مقيل مع (الضالعي) وممنوع على (العدني) أن يحضر عرس زميله (الحضرمي)، لأن في ذلك جريمة أشد وطأة من (الخيانة العظمى) بحسب (قانون) قوة البسط والسيطرة.

لذلك فإن قرار (معاقبة) جمعية ردفان أول قطرة من غيث قادم يشمل إجراءات أخرى، فالجمعية في عرف هذا القانون يجرم عليها العمل بالقانون الذي أشهرت بموجبه كغيرها من الجمعيات (جمعية اجتماعية خيرية)، فتفسير (اجتماعية) لا يعني لم شمل الناس وتكوين حالة تقارب وانسجام وملامسة هموم المجتمع، بقدر ما المسموح لها توزيع الدقيق والسكر في الانتخابات أو (البعسسة) على الآخر.. وعدّ أنفاسه.

كم يطول بنا الهم للحديث الذي تسعى السلطة لتغذية جذوته فيما نحاول إخمادها للتكيف مع الوضع والتغني - تصبراً - بغد فيه ثواب للصابرين، وأقسم أننا نبغض الحديث عن مآسينا أو تذكر انشطاراتنا السابقة من كثر ما مللنا ترديده ولأننا اكتشفنا أنه كلما شعرنا بألمنا زاد ذلك السلطة ارتياحاً، وتدفعنا للتخندق بالقبيلة والمناطقية.

ترى أي تفكير ووفق أي منهج هذا الذي تضغط السلطة بأنيابها لتمريره والذي يفضي إلى التنافر والتشرذم والاحتراب بدلاً من الالتقاء والتوحد وتجسيد معاني الوحدة، اليمنية منها والوطنية التي لم نلمسها إلا سمعاً وقراءة في الإعلام.

يخال لي - والله أعلم - أن السلطة مدركة جيداًَ لخطورة ما تقدم عليه وتمارسه، واليقين أنها تعلم أن هذا الأمر لا يعينها - كما تتوهم - على إطالة عمرها من منطلق حكمة (دق الحجر بأختها) لأن الشرر المتطاير قد يعمي، وكذلك فإن بريطانيا قد فشلت في (قانونها) (فرق تسد) وقرب أجلها في الجنوب لأن الآلام تجمع الناس لا تفرقهم، وحاشا لله أن نبحث عما يجمعنا بغير مظلة 22 مايو.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى