أيــام الأيــام..هناك فرق وبالمختصر

> محمد عبدالله باشراحيل:

>
محمد عبدالله باشراحيل
محمد عبدالله باشراحيل
هناك فرق بين الحق والباطل، وهناك فرق بين الصدق والكذب، وهناك فرق بين الحكم الديموقراطي والحكم الدكتاتوري، وهناك فرق بين العلم والجهل، وهناك فرق بين المركزية واللامركزية، وهناك فرق بين النظام القبلي ونظام الدولة، وهناك فروق بين مجموعة من الأشياء ونقائضها، والمشاهدات والممارسات اليومية التي نعيشها تُرينا كثيراً من المفارقات والفوارق في الحياة، وفي هذا الإطار نضع نماذج من الواقع فيها رسائل لذوي العلاقة علّهم يقرأونها أو تصل إليهم، وتتوفر لديهم الإرادة لإزالة الفروق وإيجاد الحلول. ومن تلك النماذج الآتي:

1- شكا لي أحد الجيران قائلاً: «ابني يدرس في الصف السابع (أول إعدادي) وهو حتى الآن لا يجيد القراءة ولا الكتابة، وأن مستوى التعليم في عدن قد تدهور ووصل إلى الحضيض وإلى درجة يهدد فيها مستقبل أبنائنا وهو أمر لا يمكن السكوت عنه»، فأجبته عندك كل الحق، ولا تستغرب من هذه الحالة فمثلها أو ربما الأسواء منها، أنني شخصياً في عام 2004م كنت محاضراً لمادة الحسابات القومية والاقتصادية المقررة على طلبة الصف الرابع بكلية الاقتصاد - جامعة عدن، وقد لاحظت أن مستوى بعضهم - وهم على وشك التخرج - لا يرقى في أحسن الأحوال إلى مستوى الثانوية، فنظام التعليم برمته بحاجة إلى مراجعة وتغيير وتحديث. وهذان النموذجان يدلان على أن مستوى التعليم في البلاد قد هبط وانحدر إلى ما تحت الأسفل وأن هناك فرقاً بين مستوى التعليم ومخرجاته حالياً ومستوى التعليم في السابق. مع التأكيد أن التنمية أساسها المتين هو التعليم.

2- يلاحظ مع الأسف الشديد أن الشباب الحالي لا يعير الكتاب الأهمية المطلوبة لرفع مستوى ثقافته والاستمتاع بجمالية الصور وروعة التعبير وتذوق فن الكتابة وعشق القراءة، وتلقي المعلومة أو البيان بأسلوب راق، ونرى الجيل الجديد هذا يقضي وقتاً ليس بالقليل مع التلفاز وعلى حساب قراءة الكتاب غالباً، قلت لأحدهم: إذا كنت تحب القصص فلم لا تقرأ مثلاً للكاتب الكبير نجيب محفوظ، أو غيره؟ فرد علي بسرعة «لقد شاهدت معظم قصصه في أفلام»، وتساءل لماذا أقضي أياماً في قراءة قصة بينما يمكنني أن أشاهدها في فيلم سينمائي خلال ساعة ونصف؟ جيل يمكن أن نسميه بجيل الساندويتشات أو الوجبات السريعة حتى في الثقافة، مع أن البعض يعزو عزوف الشباب عن القراءة إلى الظروف الاقتصادية الصعبة التي تأخذ معظم وقتهم في اللهث وراء لقمة العيش وأن الوضع الاقتصادي يُحدث فرقاً حتى في الإقبال على الكتاب، وأن هناك فرقاً بين الجيل الحالي والجيل الذي سبقه في هذا الشأن. شباب اليوم يحتاج منا أن نرعاه ونوجهه الوجهة الصحيحة ونحميه من الانزلاق ومن الانحراف.

3- كنت في صنعاء قبل حوالي شهر وتجولت في أحيائها المختلفة وشاهدت الكثير من الأشياء الجميلة فيها ومنها العديد من القصور الفخمة الجديدة والرائعة، وعند سؤالي عن هذا القصر وذاك، وجدت أن معظم ملاكها من المسؤولين وكبار المتنفذين، وقد علَّق أحد المواطنين مستهزئاً أن هذه القصور بنوها من جهدهم ومن عرق جبينهم، وعند عودتي من صنعاء براً مررت بلحج الخضراء لحج الحسيني والقمندان بمبانيها العتيقة التي أكلها الدهر وبيوتها الطينية وعششها الخاوية، وهنا تذكرت المزارعين الذين يمثلون غالبية العمالة في لحج، والذين تصب جباههم عرقاً من الكدِّ والتعب يومياً في أراضيهم، ولكني وجدت أن هناك فرقا كبيرا بين عرق هؤلاء وعرق أولئك، فعرق المسؤولين يبني قصوراً ويشيِّد عمارات، بينما عرق المزارعين يبقي أصحابه في بيوت طينية وعشش من صفيح وقش فيا سبحان الله!

4- نماذج مرفوضة لمركزية مفرطة

أ- التقيت في صنعاء بأحد الزملاء القادمين إليها من عدن فسألته: ما أخبارك؟ فأجابني:«صدق أو لا تصدق فقد وصلت صنعاء بغرض تغيير لوحة رقم سيارتي التي فقدتها في عدن، وعند مراجعتي إدارة المرور هناك قيل لي إن اللوحة يجب تغييرها مركزياً في صنعاء، لذلك أنا موجود هنا».

ب- أفادني أحد أقاربي في حضرموت أنه يتابع شهادة ميلاد ابنه مع الإدارة المعنية في مدينة الشحر لفترة زادت عن ثلاثة أسابيع، تحت مبرر الإدارة الرسمية بأن استمارات شهادات الميلاد قد نفدت بالمحافظة وأنهم بانتظار وصولها من صنعاء وليس لديه خيار آخر سوى الانتظار.

ح- عُرفت مختبرات عدن التابعة للمواصفات والمقاييس بأنها ذات مستوى عال، ولكنها لا تُعتمد حالياً، وأن الجهة الوحيدة المعتمدة هي المختبرات المركزية بصنعاء فقط، وأن المعاملات هناك تحتاج على الأقل إلى أسبوعين، ناهيك عن ضرورة دفع المعلوم طبعاً.

وختاماً فإن بعض النماذج التي أشرنا إليها أعلاه إذا بقيت على حالها دون حراك، فإنها تنذر بمخاطر جمة، وهي بحاجة إلى معالجات حاسمة وسريعة، وأن كل المؤشرات تؤكد لنا بأن هناك فرقا بين هذا وذاك، وأن الأمور قد زادت عن حدها ولا يمكن السكوت عليها، وأن هناك فرقا كبيرا وكبيرا جداً بين هنا وهناك. فهل وصلت الرسالة؟

[email protected]

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى