أنور مبارك.. الحاضر في زمن الفن المحظور!

> «الأيام» مختار مقطري:

>
الفنان أنور مبارك
الفنان أنور مبارك
من يستمع للفنان القدير أنور مبارك وهو يتحدث عن نشأته وعن مشواره الفني، يجد نفسه أمام طفل صغير يتربى في أسرة متماسكة دينياً لينجذب الصغير إلى صوتين عظيمين هما عبدالباسط عبدالصمد وأم كلثوم، وهو انجذاب دل على ذائقة فنية مبكرة وإحساس موهوب بالفن الجميل، ثم تستهويه الموسيقى ليتدرب على آلة الجيتار، ثم ينضم لفرقة (البراعم) الموسيقية، وتتفتح موهبته في الغناء على يد ورعاية الموسيقار الراحل يحيى مكي، وفي عام 1969م ينجح في امتحان الاذاعة، وفي ذكري للعام تلميح لرهبة امتحان الاذاعة آنذاك أمام لجنة تتكون من شعراء وأدباء وفنانين كبار، وفي عام 1970م يحقق أنور مبارك ظهوره الحقيقي كمطرب في حفل أقيم في مسرح (الشعب) ليتألق أمام الجمهور بأغنية (غالي.. غالي).. ثم يلتحق بمعهد جميل غانم للموسيقى والفنون الجميلة عند افتتاحه عام 1975م، ويتفوق في دراسة الموسيقى تفوقاً كبيراً ليتخرج في المعهد بامتياز.

وبداية المشوار هذا تكاد تشبه بداية مشوار كثير من فناني السبعينات والثمانينات، ولكن يبقى تفرد الفنان وقدرته على التواصل مع جمهوره مقدماً لأجل ذلك تضحيات جساماً أعظمها إصراره على البقاء فناناً في زمن يغتال الفنانين، وإيثاره العيش في وطنه في فترة قيدت فيها السياسية حرية الفنان وحرمت عليه الانطلاق ليبدع لجمهوره ما شاء له الابداع، وأنور مبارك واحد من عدد قليل من مجايليه وممن ظهروا بعده نجح في تحقيق التواصل مع جمهوره بأغانيه الجميلة وألحانه العذبة التي غناها أو غناها غيره، حين ضاع البعض وضيعه الجمهور إما بأغاني المناسبات والأغنية الموجهة وإما بالتشدق والطاؤوسية والتلميع الإعلامي المفبرك.

وهكذا قيد النجاح لأنور مبارك في الوصول للجمهور بصوته العذب والجملة اللحنية الرشيقة المتدفقة حيوية ونضارة، وإشراق جميل تجده في أغنياته مثل (ما أشتيش عتاب)، (فينك يا قمر)،(غالي) وغيرها كثير، رغم معايشته لمرحلة أحبطت كثيرين غيره، حتى أولئك الذين خضعوا لشروطها ونزلوا بفنهم إلى مستوى تلحين الشعارات والمصطلحات السياسية ومسميات أطراف الصراع الطبقي، ولندع هنا أولئك الذين وجدوا ضالتهم في ظروف تلك المرحلة ليشهروا إفلاسهم الفني المبكر، لكن أنور مبارك نجح في تحقيق المعادلة الصعبة فقدم العديد من الاغاني الفردية متغلباً على رفض تلك المرحلة لهذا اللون من الغناء، وحققت عدد من أغانيه شهرة واسعة، كما نجح في تلحين الاغنية العاطفية وأغنية الطفل والاوبريت والمسرحية وأغنية المناسبات، وله أغان دينية لم تسجل، كل ذلك قدمه أنور مبارك رغم اضطراره للبقاء في فرقة الإنشاد سنوات طويلة، ولأنه فنان أصيل يكره الركون لليأس والاستسلام للشكوى، فهو يؤكد دائماً أنه استفاد كثيراً من تجربته في فرقة الانشاد بحفظ العديد من أغاني التراث.

على أن ما يدفعني إلى إكبار أنور مبارك أنه لا ينسى أن يذكر متى سنحت له فرصة للحديث عن مشواره الفني، أنه غنى من ألحان زميله الفنان القدير عبدالله بافضل أغنية (بلادي )، فتذكرت عدداً من مجايليه وممن جاؤوا بعده ورفضهم أي شكل من أشكال العلاقة الفنية فيما بينهم، بحجة أن كلا منهم ملحن قدير وأستاذ على زميله، لكن أنور يشير إلى ذلك بتلقائية فيما عرف عنه من خلق مهذب وأدب جم وتواضع شديد، وهي صفات يعرفها فيه كل من عرفه، ولذلك هناك إجماع عليها، فهو لا يمدح نفسه تباهياً ولا غروراً، ولا يغتاب زميلاً أو صديقاً أو عدواً، وإذا عاتب قدم الصفح على العتاب، ويترفع بتواضع القادر على كتم الغيظ، عن رد الاساءة بمثلها، فيصمت ليغني، ويغني ليصمت الآخرون.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى