من التاريخ الوبائي لعدن .. وباء الطاعون

> «الأيام» د.وليد ناصر عبدالله:

> مقدمة عن المرض:يعتبر الطاعون أو الموت الأسود Black Death من الأمراض الخطيرة التي تظهر بين الحين والآخر على هيئة حالات متفرقة هنا وهناك في أماكن كثيرة من العالم أو على هيئة وباء كما كان يحدث في الماضي.

والطاعون من الأمراض المشتركة التي تنتقل من الحيوان إلى الإنسان وسبب المرض نوع من الكائنات الدقيقة تدعى باستوريلابستس أو Yersenia pestis وتنتقل هذه الجراثيم المرضية من القوارض والفئران إلى الإنسان عن طريق نوع من البراغيثFleas وتعد القوارض الهالكة خلال انتشار المرض ذات أهمية كبيرة حيث تلعب البراغيث دوراً كبيراً في نقل المرض من القوارض إلى الإنسان.

الأعراض السريرية للمرض:
إن فترة حضانة المرض تتراوح من يومين إلى ستة أيام بعدها تظهر الأعراض السريرية العامة للمرض من حمى، صداع، رعشة، إنهاك شديد وهناك أعراض أخرى حسب موضوع الإصابة ولذلك فهناك نوعان رئيسيان هما الإصابة الغددية Bubonic Form وأكثر الغدد اللمفاوية المتضررة هي تلك الموجودة أسفل البطن أو الغدد الأربية التي تتضخم وتصبح مؤلمة خلال ساعات قليلة ونسبة الوفاة في هذا النوع تشكل 20% من مجموع الإصابات الغددية.

أما الشكل الثاني من الإصابة فهو الإصابة الرئوية Pneumonic Form وتعتبر الأخطر من حيث الانتشار السريع للعدوى بواسطة رذاذ المصاب، ويتميز بالسعال والبصاق المصبوغ بالدم، ألم في الصدر وزيادة في سرعة التنفس ونسبة الوفاء في هذا النوع تتراوح (50-70)%.

تفشي الطاعون في عدن:
في التاسع من يناير من العام 1928م أعلنت الإدارة الصحية Health Department في محمية عدن عن تفشي حالات طاعون (نوع إصابة الغدد اللمفاوية) في منطقة منعزلة من مدينة التواهي في حي شعبي فقير يقطنه حمالو الفحم Coal Coolies الذين يشتغلون في الشركات العاملة بتزويد البواخر الراسية في ميناء عدن بالفحم.

وتفاءلت الإدارة الصحية في مستعمرة عدن وأكدت أن الحالة الوبائية تحت السيطرة حيث أدخلت جميع الحالات المرضية في مستشفى الأمراض المعدية في المعلا آنذاك، وقد تم نقل جميع المخالطين للمصابين بالقوارب إلى جزيرة فلنت Flint island (جزيرة أمام منطقة التواهي) وذلك للمراقبة والحجر الصحي حيث تم تزويدهم بالملابس والطعام والمأوى، كما اتخذت وسائل المكافحة الميدانية السريعة في بؤرة منطقة الإصابة أو بؤرة الانتشار وشملت ربما تكون أكثر من الأرقام الرسمية.

ويبين الجدول أن أعلى الحالات كانت في شهر مارس وهذا يعكس ضعف التدابير الوقائية والترصد الوبائي في الشهرين السابقين.

كما يلاحظ التناقص التدريجي لعدد الحالات في شهري أبريل وذلك نتيجة دخول فصل الصيف وارتفاع درجة حرارة المناخ الضرورية لقتل البراغيث وقطع سلسلة العدوى، حيث إذا ما قضي على الفئران دون القضاء على البراغيث فإن هذا يسبب كارثة حقيقية ومرد ذلك هو حرمان البراغيث الناقلة للمرض من عائلها الرئيسي ألا وهو الفئران وبالتالي يكون اتجاهها إلى الإنسان مباشرة حيث تكون الإصابة أعم.

كما يبين الجدول أن نسبة الوفاة خلال فترة الوباء قد ارتفعت من 42% في شهر يناير إلى 94% في شهر مايو وهذا يدل على تدهور التدبير العلاجي للحالات المصابة إما لنفاد الأدوية أو تدهور الرعاية الطبية الطارئة أو ربما وصول الحالات المرضية متأخرة بعد استفحال المرض وغياب التوعية الصحية للمجتمع.

ويجب أن ننوه هنا إلى أن العقارات الحديثة في علاج الطاعون مثل تتراسايكلين Tetracycline وكذا عقار استربتوماسين Streptomycine الذي يعطي لحالات الطاعون الشديدة كانت غير متوفرة في ذلك الزمن فقد اكتشف عقار الاستربتوماسين على سبيل المثال في سنة 1950.

نهاية الفاجعة
في الثاني من يونيو وبعد ثمانية أيام مكافحة الفئران وحرق الملابس وتطهير الحي الذي كان على ما يبدو يفتقر لمقومات البيئة الصحية.

أما مكتب صحة الميناء Port Health office فقد اتخذ الإجراءات الصحية الوقائية والاحترازية المشددة لجميع طواقم السفن الراسية في الميناء وذلك لمنع انتشار الوباء و الحفاظ على الحركة الاقتصادية والسمعة العالمية لميناء عدن.

وصف سير الوباء:
بالرغم من الإجراءات الصحية المتخذة إلا أن الصورة الوبائية المفزعة للطاعون كانت تسير إلى الأسوء فقد ازدادت الحالات وانتقل المرض من منطقة الإصابة إلى كريتر والمعلا ثم زحف إلى مدينة الشيخ عثمان وضواحيها وظل يحصد الناس لمدة خمسة شهور تقريباً من آخر حالة أعلنت الإدارة الصحية في المحمية القضاء على وباء الطاعون وخلو عدن من الوباء ورفعت القيود الصحية والحجر الصحي وتوقفت الإجراءات الوقائية الصحية في ميناء عدن. وتنفست عدن الصعداء بعد أن تركها ثلث السكان فزعاً من كابوس الطاعون.. ولنا أن نتخيل حجم التدمير النفسي والاجتماعي والاقتصادي الذي زرعه الوباء في حياة الناس حينها.. وتعاقبت الأجيال ودخل الطاعون ذاكرة النسيان.

وتعتبر هذه الكارثة الصحية بحق أكبر فاجعة وبائية أصيبت بها عدن في القرن الماضي.

المراجع:

- محمد صالح معافي (1986) أمراض الطفولة المعدية وطرق الوقاية منها ، دار الكتب الوطنية - بنغازي.

- بيدرون اكاويروس رفريس (الأمراض السارية والمشتركة بين الإنسان والحيوان) الترجمة بالعربية - جامعة الموصل (1986م).

- وباء الطاعون في محمية عدن 1928م (مراسلات قنصلية أمريكية) دار الكتب والوثائق - بغداد.

اختصاصي طب المجتمع

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى