النص المصاحب للبرنامج الوثائقي عن حياة الفنان والإنسان محمد صالح حمدون

> «الأيام» متابعات:

> قدمت طالبات الدفعة الخامسة قسم الصحافة والاعلام (تخصص إذاعة وتلفزيون): فطوم حسن محمد، لينا حسن عبدالله، نهاد يحيى عوض، سحر خليل أحمد. وبإشراف د. محمد عبدالهادي. مشروع تخرج بعنوان «النص المصاحب للبرنامج الوثائقي عن حياة الفنان والإنسان محمد صالح حمدون».

«الأيام» تنشر النص بمناسبة مرور ثلاثة أعوام على رحيل محمد صالح حمدون:

النص (التعليق):

إذا كانت الطبيعة الخلابة وسحر المدن الاخاد هي مواطن الالهام ومكامن الابداع فإن الاغنية الاصلية المعبرة هي انعكاس لهذا السحر والجمال وامتداد لأصالة الفن صوتا ولحنا وكلمة. فالتراث الغنائي اليمني زاخر بالعديد من الألوان الغنائية التي تتنوع بتنوع المكان.. والشاعر والفنان لكنها تلتقي في جذور هذا التراث الفني الذي أسس له الاجداد. وإذا كانت للكلمة دلالة في رسم الملامح الأولى للاغنية ومنطلقا للفنان والهاما للشاعر.

فإن: لحج المحافظة النائمة بين ظلال اشجار الحسيني التي كانت قبلتنا في هذه الرحلة ما تزال ينبوعا من العطاء الفني الاصيل الذي يختزن موروثا فنيا وثقافيا كبيرا، فإليها ينتمي فحول الشعر وارباب اللحن واصوات الغناء مثل:

الشاعر الأمير (أحمد فضل القمندان) والشاعر (عبدالله هادي سبيت) وفاضل محمد اللحجي) (الفنان محمد صالح حمدون)، هذه الكوكبة التي اضفت للغناء اللحجي رصيدا فنيا خصبا عرف بلون الغناء اللحجي الاصيل، ونحن نسير باتجاه الوهط المنطقة القاطنة في الطرف الجنوبي لحوطة لحج عاصمة الفن اللحجي والمكان الذي ولد فيه محمد صالح حمدون الفنان الذي ولد كبيرا وسطع في اواخر الخمسينات فأضاء سماء الاغنية اليمنية سعيا لتوثيق مادة تلفزيونية تحكي حياة محمد صالح حمدون الفنان والانسان الذي أطرب الكثيرين وأشجى القلوب بصوته الرخيم الذي تغلبه نبرة الحزن، والذي داعب من خلال همسه الاشجار والحقول الخضراء الممتدة على طول الطريق، ونحن كذلك شعرنا حينها بروعة المكان وسر الالهام ومنبع الكلمة واصالة الفن.

هنا ولد الفنان محمد صالح حمدون في هذا البيت الذي تقادم في العمر بتقادم الزمن لكنه احتضن كروان الأغنية اللحجية فظل عبق الغناء شدو الكلام الجميل يفوح منه ليحكي قصة زمن الغناء الجميل. تلقى تعليمه في مدرسة الجعفرية القريبة من بيته حتى أكمل المرحلة المتوسطة.

عاد بعدها عام 1962 ليعمل في ورشة الحاج محمد عبدالعزيز الأغبري لتوفير قوت يومه، ثم انخرط في عام 1966م في صفوف جبهة تحرير الجنوب وكان مثالا للواجب الوطني اعتقل عدة مرات مع مجموعة من بينهم الشاعر الكبير لطفي جعفر أمان الذي زامله في معتقلات عدن ونجبار ومكيراس، عمل بعد ان افرج عنه مدرسا في مدرستي الشوكاني للتعليم الاساسي والثانوي بالوهط وعمل في مدرسة الشهيدة إقبال للبنات، ثم عمل في التلفزيون ثم اتجه الى هندسة الصوت في إذاعة عدن.. عاد الى التدريس ثانية بعد أن كان قد غادر إلى شمال الوطن للمشاركة في أعياد ثورة سبتمبر وأكتوبر. كانت حياة الفنان محمد صالح حمدون كحياة أي إنسان عادي من أسرة فقيرة فيها الكثير من المواقف الإنسانية الصعبة. هو اب لثلاثة اطفال (وعد- وعود- عهود) وكان عادة ما يجلس في بيته وبين اولاده وهو يقلب ذكرياته فالذكريات هي اجمل عزاء لمن فرقتهم الأيام. أحبته اسرته واحبها وتعلقت به فاخلص لها.

بدأ النفان محمد صالح حمدون رحلته نحو الغناء في بداية الخمسينات وهو في التاسعة من عمره عندما كان يردد الاناشيد المدرسية ويتغنى بالاغاني العاطفية.. فقد كانت انشودة (اقسمت باسمك يا بلادي) قريبة من قلبه و(الله أكبر) و(حي ابطالك يا بورسيعد) استطاع من خلالها ان يلهب حماس الجماهير بصوته الرخيم ذي الايقاع المعبر اما بداية الشهرة فكانت عندما تعرف الفنان محمد صالح حمدون الى الشاعر عبدالله هادي سبيت في احدى الرحلات المدرسية في ليلة سمر، رأى الشاعر الكبير حينها الموهبة تنفجر في هذا الفنان الصغير الذي تقرحت سليقة الغناء لديه فأدرك الشاعر بحسه المتقد وفراسته التي لا تخيب انه وجد الصوت الذي يطاوع اللحن ويشكل مع النغمات أداء بديعا يحفظ لمغنياته اللجنية سبيلها الانساني الخالد الذي لا تكتمل الا به.

فكتب ولحن له أغنية (سألت العين) التي صدح بها الفنان بن حمدون من إذاعة عدن فطغت شهرتها الجزيرة والخليج.

أغنية (سألت العين):

سألت العين حبيبي فين .... أجاب الدمع راح منك

حبيبك ما سأل عنك.. وخلي القلب في نارين

سألت العين حبيبي فين

وما بقي لابن حمدون الفنان والانسان الذي عشق الارض واحب الوطن وهامس الحقول هو ما تركه من قيم تضفي على نفوس المعاصرين لمسة سحر حملتها كلمات اغانيه وشنفت بها مسامعهم لما تلبسه هذه القيم من محاسن وروائح طيبة. فإذا اردنا ان نفصل حياة هذه القامة الغنائية فإننا سنحتاج الى حيز اكبر نتحدث فيه عن هذه القيم ولكن مع ذلك فقد تربعت أوصافه قلوب عشاقه.

وهكذا يظل الفنان خالدا في النفوس بما تركه للناس.

ومحد صالح حمدون هو واحد من اولئك الذين تركوا بصمة خلدتها الكلمات، وعزفتها الالحان ليبقى بذلك قبلة للفن الاصيل. تتعمق مشاعر الفنان عندما يستلهم احساسه من جمال الطبيعة واخضرار الحقول وتدفق المياه لتقترن بنغمات لحنية عذبة موقعة بأنامل شاعر متفنن يعتمد اليها الفنان مضيفا روحا جديدة تتباهى مع الذات الشعرية الأولى مشكلة وجه النص الغنائي الاصيل لا سيما اذا كان كاتب الاغنية هو (مهدي صالح حمدون). تميزت اغاني الفنان محمد صالح حمدون بكثرة العتاب وشكوى الحب ولوعة الصد والهجران فبين عتاب المحب ولوعة المشتاق ظل كروان الاغنية اللحجية على الرغم من ذلك متسائلا ليه يا هذا الجميل..

وإذا كان للكلمة الشعرية الرقيقة فضاءات متسعة من الوجد والشجو والحنين فإن محمد صالح حمدون هو الفنان الذي انطلقت اغانيه من ذات عاشقة متيمة بالصدق والانتماء للمحب للجمال وللارض وبكل فيض انساني نبيل.

فمن أروع ما غنى بعد (سألت العين) أغنية (يا باهي الجبين) التي كتبها ولحن كلماتها الشاعر الكبير عبدالله هادي سبيت.

يا باهي الجبين.. كم مرت سنين.. وأنا في أنين...

ليلي من بحين.. قالوا مستحيل..

تحظى بالقليل.. خد غيره بديل.. قلتلهم منين

لهذا كانت أغاني الفنان بن حمدون مزيجا من العاطفة المتأججة والحزن المكبوت، فمثلث لونا متفردا من الغناء له طابعه الخاص الذي تناسب مع نكهة المكان ووطنية الارض. وعندما كان يوم الاثنين من شهر اكتوبر 2003م اتت النهاية وكانت ساعة الرحيل ليغادر باهي الجبين الفنان محمد صالح حمدون الحياة اثر ازمة قلبية بعد أن فرغ من كتابة مذكراته بأسبوع واحد فقط.. فبكته الوهط المدينة التي احضتنته صغيرا وودعته كبيرا.

وتألق لفراقه الوادي وتوقفت ايقاعات (الهاجر) اللحجية وموسيقى ريحان الحسيني وأنشدت الطيور ألحانا حزينة تاركة صدى صوته الوجداني وعبق روحه العطرة كي تستأنس به وحشتها، واليوم ها هو (وعد) يواصل المسيرة التي بدأها والده الراحل مستأنفا ومستقصيا الاثر نحو القلوب التي تشتاق الى الحمدون. وهكذا يظل محمد صالح حمدون (الفنان) تقديرا نبيلا لجهد وعطاء وابداع متميز وحياة ارتبطت ارتباطاً وثيقا بنضال شعب ومسيرة كفاح. وتظل اغانيه تاريخ انسان سطر من خلالها جملة النتاج الفني والابداعي الذي سيظل زاخراً عامرا في القلوب لأنه:

الفنان الذي غنى للثورة وعشق الوادي وعاتب الحبيب وغازل الحب والطبيعة

والذي غادر كل شيء وانتهت به الرحلة ليحتضن جثمانه الطاهر هذا القبر الباكي الحزين.. لكنه سيظل حيا في قلوب جماهيره.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى