أيــام الأيــام .. المُسرَّحون الجامعيون والقانون الذي لم يولد

> د. عبده يحيى الدباني:

>
د. عبده يحيى الدباني
د. عبده يحيى الدباني
«.. وفي الجملة يتبين لي من التجربة والاختبار أن المنشغلين بالأعمال الفكرية لا تهيض السن من قدرتهم كما تهيض من قدرة العاملين بالعضلات أو ما يشبه العضلات، وأن السن مكسب للعاملين بالقلم أو هي إلى المكسب أقرب منها إلى الخسارة».

(عباس محمود العقاد)

عجبا لهذا الصلف الذي تمارسه الحكومة في تعاملها مع هذه القضية الوطنية الأكاديمية الحقوقية النقابية الخطيرة، لقد ارتفعت الأصوات هنا وهناك في أوقات متواترة محذرة ومنبهة وناصحة وراجية ولكن ما من مجيب إلا من تصريحات وتسريبات هدفها الاستهلاك ودغدغة العواطف أي جعجعة من غير طحين بينما بات المُسرَّحون من الأساتذة الجامعيين قاب قوسين أو أدنى من بوابة التقاعد المفزعة دونما قانون خاص عادل.

أزمة قانونية وأزمة أخلاقية وأزمة عمل نقابي مقتدر تقف جميعا وراء قضية هؤلاء الضحايا المسرحين ومن وراء كل ذلك (الفساد) قاتله الله وقاتل أربابه. جيش من الأساتذة المقتدرين وجدوا أنفسهم فجأة خارج أسوار الجامعات التي أسسوها وبنوها طوبة طوبة من دون رغبة أو طلب أو عجز ومن دون حجج قانونية مقنعة وحقوق مكتسبة، لقد حلت (المحاضر) سيئة الصيت بدلا عن القوانين الخاصة التي تنظم هذه العملية الخطيرة وأضحت الخدمة المدنية والمالية هي التي تسرح الأساتذة من جامعاتهم وتنتزعهم بقوة من بين طلابهم وطالباتهم بعيدا عن إرادة الجامعات نفسها وفي ظل غياب لقانون جامعات شامل ينظم هذه المسألة كغيرها من المسائل في روح القوانين العامة، أجل يحدث كل هذا في ظل جامعات خضعت للضغوط الإدارية والمالية الممارسة عليها خضوعا مخيفا مريبا ونقابات خاذلة متخادلة ميعت القضية وذرفت دموع التماسيح بعد أن رعت مع الراعي وأكلت مع الذئب، ألم تكن لجان النقابات من ضمن الموقعين على المحضر المشؤوم؟!

إننا نوجه نداءنا إلى مجلس النواب أولا وإلى المسؤولين في الحكومة ممثلة بكل من وزارة الخدمة المدنية والمالية والتعليم العالي والجامعات، فنحن واثقون أن فيهم رجالا راشدين من مثل أستاذي القدير صالح باصرة وزير التعليم العالي أن يوقفوا هذه المهزلة قبل لا ينفع الندم وأن تتضافر الجهود أولا في إعداد قانون جامعات شامل ينظم كل أمورها بما فيه التسريح من الخدمة والاستفادة من الكفاءات بعد تسريحها، قانون ينبثق من الجامعات نفسها، يرعى مصالحها ويقدر خصوصيتها ويقوي شوكتها ويضمن حقوق كوادرها حتى لا يكون التقاعد سيفا- أو جنبية- تشهره المالية والخدمة المدنية في وجوهنا كلما هبت نقابات الجامعات بالمطالبة بحقوقها المشروعة.

إن محضركم المشؤوم أيها الأخوة لا يقوم مقام القانون ولقد أحاط به الباطل من كل جانب، فأين ستذهبون من تاريخ العلم والبحث والجامعات والنقابات في بلادنا؟ ومن الخسارة التي سيتكبدها الوطن من جراء هذه الإجراءات المرتجلة، بل من جراء هذا النزيف الذي قد يستمر؟ إننا مع (التقاعد) كحق مشروع ولكن من خلال القانون الخاص الذي لم يولد بعد، القانون الذي يرعى الخصوصية والمصلحة العليا للوطن وضمان الحقوق. كما تجدر الإشارة هنا إلى أن القضية كأنما كادت تتلاشى من الجامعات ويحسم أمرها وتخف حدتها بيد أنها تجسدت بكل مأساتها في جامعة عدن (حمالة الأسية) إذ وجد أكثر من تسعين أستاذا في هذه الجامعة أسماءهم مشطوبة من المالية من كشوفات راتب شهر يناير 2007م رغم أنف الجامعة التي تورطت من قبل في إرسال الكشوفات بالمتقاعدين وخنعت وخضعت للجهات المالية والإدارية بينما الأساتذة المتقاعدون من جامعة صنعاء- كما سمعنا- لم تسقط أسماؤهم من الكشوفات ولكنهم لم يستلموا رواتبهم وقد قيل إن عددهم في البدء كان (500) متقاعد فتقلص إلى (63)متقاعدا ومن هذا العدد الأخير بقي ثلاثة على قيد الحياة بينما الستون قد توفاهم الله تعالى، فهذا الأمر الذي جرى في صنعاء كان بجهود حثيثة من الجامعة والنقابة، ونحن هنا لا ندعو إلى المساواة بالظلم بل ندعو إلى المساواة بالحق ونشد على يد جامعة صنعاء ونقابتها حيث عالجتا الأمر بحكمة وشجاعة. لقد وجدنا نقابة جامعة صنعاء تتضامن مع المسرحين من جامعة عدن وتتعاطف معهم وتدعم قضيتهم وهذا موقف إيجابي لن ننساه لها لكنه يدل على أن المشكلة لديهم كأنما قد حسمت وأن ليس هناك من متضرر أو أن الضرر قد خف إلى درجة كبيرة، لتبقى جامعة عدن تنوء بحمل هذه القضية الفادحة وحدها من بين الجامعات أو أنها أكثر معاناة من سواها، فعلى الحكومة أن تتحمل تبعة أي توظيف سياسي غير مشروع لهذه القضية من قبل جهات مختلفة، أما نحن هنا- كاتبا وصحيفة- فإننا ننطلق من كونها قضية وطنية أكاديمية قانونية نقابية حقوقية بحتة.

وسواء أكانت المعلومات التي تخص الأعداد والأسماء وملابسات القضية صحيحة أم غير ذلك فإن القضية نفسها عامة وبارزة بروز الحزن والشعور بالغبن في وجوه المسرحين.

فليس هناك مخرج- كما نرى ويرى غيرنا- إلا في تأجيل العملية برمتها إلى بعد إصدار قانون الجامعات عاجلا أم آجلا الذي سيستأنس بتجارب الجامعات في الدول العربية والأجنبية حتى لا نضع مستقبل الأجيال في مهب الاجتهادات والأحكام العرفية والمساومات والضغوطات وردات الفعل والمحاضر التي تتمخض عنها المقايل، حتى أولئك الذين توفاهم الله تعالى فإنه ينبغي إحالتهم إلى المعاش وفقا لهذا القانون المنشود نفسه. ألسنا في بلد الإيمان والحكمة أم أنه الفساد قد أعمى البصائر؟ وإلا كيف نقاعد الناس ثم نصدر القانون على طريقة البناء العشوائي ثم التخطيط الحضري؟! فيا ترى هل بلَّغت اللهم فاشهد.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى