ثنائية القات والقوت في ثقافة حضرموت

> صالح حسين الفردي:

>
صالح حسين الفردي
صالح حسين الفردي
تجاوباً مع ما كتبه الأخ د. سعيد سالم الجريري في عدد «الأيام» الغراء رقم (5015) بعنوان «مفارقة القات والقوت في تظاهرة حضرموت» وكذلك ما جاء في موضوع الأخ د. عبدالله سعيد باحاج في عدد «الأيام» 5022 الموسوم «في طريقنا الى مجلس التعاون .. صراع القات والقوت في حضرموت»، وعلى صدى ما أثاره هذان الموضوعان اللذان مسّا به مسّاً عميقاً قضية حياتية واجتماعية واقتصادية وثقافية، وهي من أهم القضايا التي تركت دون مواجهة من قبل الكثيرين الذين يقع عليهم سبق المواجهة، بحكم تصدرهم لتمثيل المجتمع الحضرمي «أصحاب المصالح والمنافع» وكذلك الذين يتغلغلون في شرايينه الحياتية، ولكنهم للأسف أول من يقع عليهم اللوم في استفحال هذه الظاهرة، وما يصحبها من سلوكيات ليست من الخصوصية، و الأصالة، والتراث، والتاريخ في شيء وهي أبعد ما تكون عن هذه المكونات، ففي حين جاء الموضوعان ليدلا على مسكوت عنه، أُريد له أن يظل طي الكتمان، وحقيقة تفاعل الرأي العام بحضرموت الذي أثبت أن ثقافة الوعي، ووعي الثقافة هو الفيصل الحقيقي بين من يعمد إلى توفير مناخ ثقافي حقيقي خال من الدخان وبين من يسعى جاهداً في جعل جلسات العشب الأخضر والمرافق الأثيري له ( الدخان) هي عنوان المجد الثقافي والحضور المجتمعي والتمثيل الواجهة والمرجعية لكل ألوان الطيف في المشهد الثقافي - الراكد - بحضرموت .

وبوقفة مع نموذجين من النماذج التي تصب في خدمة الوعي وثقافته، تظهر جلياً مفارقة ( القات - القوت) في حضرموت، ففي حين تلقف الكثير من المهتمين بالشأن الادبي والإبداعي خطوة قيادة اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين بالمكلا بجعل أمسياته الأربعائية الثقافية خالية من (القات والدخان)، في وقت راهن الكثيرون فيه على انسحاب النخب عن هذه الأمسيات تحت مبرر أن جلسات الدخان والقات هي آلية حديثة تجمع الناس على مناقشة القضايا الحياتية كافة.

ولكن ما حدث هو العكس تماماً فقد جاءت هذه الخطوة تؤكد أن الانعتاق من لوثة القات وتوابعه قد عادت بالنفع الحقيقي والقوت النقي الخالي من الكيماويات السرطانية التي تشل الحركة - وإن جعلتك تنتفض لبرهة من أثر المرض وليس العافية - فتكثف العمل الاتحادي بانتظام مجلة «آفاق» الأدبية التي تصدرها سكرتارية الاتحاد، وعادت بثوب جديد وتواصل عميق مع الكثير من المبدعين في وطننا اليمني وخارجه وانسجمت الرؤى واتجهت إلى فعل يتلوه فعل اوسع، حتى اصبحت مجلة «آفاق» التراث الشعبي قاب قوسين أو أدنى من الصدور، وبدأت تفكر قيادة الاتحاد في إصدار أول مجلة للطفل بعموم اليمن، متخصصة بإبداعات الأطفال، فهي منهم وإليهم بإشراف متخصصين في أدب الطفل. هذه المنظومة الثقافية الأدبية انعكست إيجاباً على الحراك الثقافي بمدينة المكلا.

وأصبحت عنوانا يشع ضياء في زمن العتمة الثقافية الرسمية، وبذلك تكون بادرة اتحاد إبداعي بلا قات قد جعلت منه اتحاد القوت الروحي والزاد المعرفي، وما أحوجنا إليه .

أما النموذج الآخر، فيشمل الكثير من المنتديات والجمعيات المحسوبة -خطأ - على الثقافة والإبداع وهي منه براء، خاصة في المدن الرئيسية (المكلا، الشحر، غيل باوزير، الديس الشرقية)، ومن المفارقات المؤلمة أن رواد هذه المنتديات والجمعيات هم لفيف من الباحثين عن (لوكندة) لقضاء فسحة المزاج، ولكن الصاعق في الأمر أن نجد العديد من قيادة جامعة حضرموت وأساتذتها وهم من حملة الدكتوراه، يحرصون على التواجد في هذه الفعاليات، مقدمين بذلك نموذجاً سيئاً للجيل الجديد، جيل العلم وتقنيات العصر والحداثة، جيل المستقبل.

وتعمد هذه القيادات الجامعية إلى الانسحاب من كل أوجه النشاط الإبداعي الأخرى، وهو ما يتضح في عدم تفاعلهم مع قضايا الوطن والمواطن، وإعادة الوجه الحضاري لقيم العلم ورسالة الأستاذ النموذج فهل يتعظون ؟!..

كما أن هذه الظواهر تخلخل الأهداف التربوية والتعليمية في المجتمع من خلال تسويق هذه الظواهر وجعلها طريقاً للحضور المجتمعي، فهل يدرك القائمون عليها خطورة ما يفعلون؟! .

وإذا كانت هذه المنتديات والجمعيات التي تجد الدعم الكبير من السلطة، خاصة مكتب الشؤون الاجتماعية، قد وضعت عند إنشاء كياناتها الحفاظ على التراث ونشر الوعي المعرفي والثقافي، وهو القوت اليومي الذي استطعنا أن ننثره في أرجاء الكون، في زمن بعيد، مقدمين الأوائل من أجدادنا نماذج مشرفة ومضيئة في تاريخ البشري.

فماذا نقول عن أحفاد اليوم؟! أليس الـقات قـد زاحم القوت الثقافي بحضرموت؟! ولكن إلى حين !

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى