في رحيل العربي والمفكر والأديب الشاعر والمؤرخ .. الشيخ العلامة عبدالله بن أحمد الناخبي

> رياض عوض باشراحيل:

> في الساعة الخامسة من عصر يوم الأحد الماضي 2007/6/10م الموافق 1428/5/25هـ وقبل أن تغيب الشمس غاب علم من أعلام الدين والتربية وانطفأ مشعل من مشاعل الأدب والتاريخ، رحل المربي والمفكر الجليل والأديب الشاعر والمؤرخ الشيخ العلامة عبدالله بن أحمد الناخبي عن عمر يناهز الثامنة عشرة بعد المائة قضاها في البحث والدرس والتعليم والتأليف والإبداع، وفي وقت مبكر من فجر يوم الاثنين 6/11 ووري جثمانه الثرى بمقبرة «الفيصلية» بمدينة جدة بالمملكة العربية السعودية التي توفي بها، وقد ودعت مربي الأجيال الشيخ الناخبي جموع غفيرة من أبناء حضرموت ويافع وكل أطياف الجالية اليمنية بالمملكة، إضافة إلى تلامذته ومريديه ومحبيه من أبناء الجاليات العربية بالسعودية. وقد حضر مراسيم دفن وعزاء الفقيد الناخبي- عليه رحمة الله - كوكبة من العلماء ورجال الدين والشخصيات الاجتماعية الحضرمية واليمنية والعربية ممن عرفوا منزلة الفقيد الراحل وفضله على الأمة وممن تتلمذوا على يده أو من عاشروه من أقرانه، ومنهم الشيخ عمر السبيع بادحدح، د.الشيخ علي عمر بادحدح،والشيخ م. عبدالله أحمد بقشان، الشيخ عبدالله محمد العمودي، وصالح ابن السلطان غالب بن عوض القعيطي ممثلا لوالده السلطان غالب المسافر بالخارج، والشيخ المؤرخ خميس كرامة حمدان، والشيخ محمد أحمد السعدي وغيرهم.

كان الفقيد قد وصل إلى حضرموت بصحبة والده قادماً من مسقط رأسه بلدة (حمحمة) بيافع وهو صبي في السابعة من عمره ومنذ يفاعته كان - عليه رحمة الله - مولعاً بالقراءة والاطلاع ومشغوفاً بالعلم خاصة بعد أن تلقى دروس تعليمه الأول لفترة سبع سنوات في قرية تبالة على يد العلامة الشيخ سالم بن مبارك الكلالي فقرر ككل مفكر فذ وعصامي جاد أن يعمق علمه بالتحصيل المعرفي والتثقيف الذاتي، وكان له ما أراد حيث انتقل إلى مدينة المكلا وأصبح فيما بعد تربوياً وأديباً ومؤرخاً شهيراً وإماماً وخطيباً وعالماً مشهوراً، تعمق الإيمان في قلبه ورسخت قيم الإسلام ورسالة الدين في وجدانه تلك التي كان قد غرسها في تربته الصافية أستاذه الكلالي فأصبحت هدفاً سامياً له في الحياة.. ولإدراك الفقيد ووعيه بأهمية الحياة التربوية والتعليمية في نشأة شباب المستقبل والنهوض بشؤون المجتمع والوطن اهتم الشيخ الناخبي برسالة التربية والتعليم وتدرج في مناصبها القيادية فكان مدرساً في مدرسة الفلاح ثم المدرسة الوطنية ثم المدرسة السلطانية ثم مساعداً لناظر التعليم وعضواً في مجلس الدولة القعيطية بحضرموت. وعدّ الشيخ الناخبي - يرحمه الله - حينها من أبرز أعيان ووجهاء المكلا وشخصياتها العلمية والاجتماعية وذلك لما تتمتع به شخصيته من سمات التفوق والذكاء والحكمة ورجاحة العقل والبصيرة النافذة واتساع العلم، إضافة إلى ما يتسم به من الخلق الرفيع وسعة الأفق وما أثر عنه من قيم التواضع والإيثار والتسامح وحب الخير للناس.

لقد نذر الفقيد نفسه لخدمة مجتمعه وهدايته ورفع منارة العلم ليهدر بها ظلمات الجهل وغشاوة التخلف الاجتماعي، فكان الشيخ الناخبي إماماً وخطيباً لجامع مسجد عمر بالمكلا وكان قبلة للعلم تقصده الناس للحصول على نصحه وإرشاده في الشؤون الدينية والأدبية والتاريخية، وظل كذلك حتى بعد أن غادر الوطن واستقر بمدينة جدة بالسعودية فأصبح إماماً وخطيباً لمسجد «بابيضان» بالكندرة وله في المسجد مجالس علمية خلال فترة ما بين صلاتي المغرب والعشاء يعلم فيها الناس الخير والعلم الشرعي، وبعد أن تقدم به العمر وكلّ بصره ووهنت طاقته انتقلت تلك المجالس إلى منزله فكان هدفاً للزوار في مختلف الأوقات، وظل الشيخ- رحمه الله - كما هو فارساً يتمتع بذاكرته الحية ويقظته كما كان القدوة الحسنة في خلقه وسلوكه وعلمه ونزاهته. قال عنه الدكتور يحيى الغوثاني: «زرته مراراً بمفردي وبصحبة أهل العلم الوافدين للحج، وحضرت مجالسه في صحيح البخاري وختم البخاري في مسجد بابيضان، وقرأنا عليه واستمعنا واستفدنا الكثير ومازلت أتردد عليه ومازالت مجالسه العلمية عامرة والحمد لله».

وفي ملتقى أهل الحديث كتب عنه خضر بن سند تحت عنوان «موجز عن المسند المجيز المؤرخ الكبير المعمر الشيخ عبدالله الناخبي حفظه الله» وبعد الحديث عن سيرته قال:«الشيخ مقيم في مدينة جدة منذ عام 1394هـ حيث خرج من حضرموت بعد الفتن والقلاقل وكان في حضرموت من الشخصيات السياسية والعلمية المهمة، فهو مقام وزير للمعارف، ومؤرخ وفقيه وشاعر وأديب ولغوي والشيخ يأتيه الناس من كل مكان لطلب الإجازة منه وممن طلبها منه الشيخ عبدالفتاح أبو غدة رحمه الله وغيره من كبار المسندين».

والشيخ الجليل عبدالله بن أحمد الناخبي أديب وشاعر ومؤرخ شهير ينساق في كتاباته بفطرته الأدبية وحسه التاريخي وذوقه الناقد المنصف ففي إحدى زياراتي له في يوم 2000/7/25م برفقه قريبه من النسب الشيخ محمد أحمد السعدي سألته عن رأيه في الأستاذ المؤرخ والأديب الكبير محمد عبدالقادر بامطرف فقال: «الأستاذ بامطرف يرحمه الله مؤرخ وأديب ومفكر عربي وهو قمة الأدباء والمؤرخين والمثقفين الموسوعيين الحضارمة في العصر الحديث، ويعد من القمم الموسوعية الحضرمية على مر التاريخ الحضرمي كله، والأستاذ بامطرف لا يدانيه أحد في ميزة الإنصات والفهم السريع، وأناقة القلم واللسان والإحاطة والشمول في الموضوع الذي يكتبه أو يتحدث فيه لذلك كانت لنا جلسات تجمعنا نناقش فيها مختلف قضايا الحياة، وكنا نختلف في الآراء بل ونتصادم أحياناً بينما بامطرف صامت لا يتحدث إلا عندما يطلب منه الحديث فعندئذ نصمت كلنا ونستمع لأننا ندرك أن كلمته دائماً هي الكلمة الفصل في الأمر المختلف عليه، وأتذكر أننا ذات مرة كنا نتحدث عن الزراعة والتكاثر في النبات فأبهرنا بما قدمه من معلومات علمية دقيقة وكأنه خبير زراعي حاذق وقتل الموضوع شرحاً وتفصيلاً».. وأضاف الشيخ الناخبي يقول:«إن من أهم صفات الأستاذ بامطرف أنه أديب من الدرجة الأولى وأدبه أثرى مؤلفاته التاريخية كلها لأنه عندما يكون لديه سنتيمتر من التاريخ يجعله بقدراته الأدبية أمتاراً طويلة أو كيلومترات يجتمع فيها التاريخ والفكر والإبداع، فكان يرحمه الله آية عصره».

وللشيخ الناخبي عدة مؤلفات مطبوعة منها: يافع في أدوار التاريخ، الكوكب اللامع فيما أهمل من تاريخ يافع، المختار فيما للعمودي من أخبار، وله ديوان شعر بعنوان «شاعر الدولة» وغيرها. كما كتب شيخنا في الصحافة المحلية التي كانت تصدر في المكلا وعدن ومنها صحيفة «الجنوب العربي» و«الرائد» و«الناظر» وغيرها العديد من المقالات والبحوث ضمنها آراءه الأدبية والتاريخية في قضايا عصره. ولإدراك الوسط الثقافي بالمملكة العربية السعودية منزلة الشيخ الناخبي وقيمته العلمية الكبيرة فقد استضافته قناة «المجد» الفضائية في حوار لبرنامج «صفحات من حياتي» لعدة حلقات نالت اهتمام المتابعين لقضايا الدين والأدب والتاريخ واستحسان المشاهدين.

وفي زاوية من ساحة عزاء الفقيد التقيت المؤرخ الشيخ خميس كرامة حمدان صاحب كتب مطبوعة منها: الشحر عبر التاريخ، ومدرسة مكارم الأخلاق، والإيجار في هجرة الحضارم إلى الحجاز، وغيرها وسألته عن منزلة الفقيد ومكانته في تراثنا وثقافتنا فقال: «الشيخ الفاضل عبدالله بن أحمد الناخبي رحمه الله علم بارز من أعلام حضرموت التربوية والتعليمية والأدبية والتاريخية، له أياد بيضاء في تأسيس وتطوير حركة التعليم في حضرموت وكان يدعم بوعي سابق لعصره نشر التعليم وفتح المدارس ليس في المكلا فحسب ولكن في كل أرجاء حضرموت، ففي الشحر ساهم في افتتاح «المدرسة الغربية» بها وفي وادي دوعن افتتح «مدرسة صبيخ» وكذلك «مدرسة صيف»، وللفقيد مؤلفات معروفة ومقدمات رصينة ورائعة منها مقدمته لكتاب «تأملات عن تاريخ حضرموت» تأليف السلطان غالب بن عوض القعيطي، ومقدمته لكتاب «إثبات ما ليس مثبوت من تاريخ يافع في حضرموت»، وهو عبارة عن خواطر وتعليقات للشيخ المرحوم عبدالخالق البطاطي وكانت مقدمة الكتاب للناخبي أعلى قيمة ومكانة من الكتاب نفسه. ومن مآثره أنه وقف أمام ناظر التعليم (القدال) الذي كان يرسل البعثات التعليمية إلى بلده السودان فحسب واستطاع الناخبي أن يحول سير البعثات ويضيف دولاً عربية إضافة إلى السودان ومنها سوريا التي درس بها عمر صالح وعلي الغرابي وغيرهما. نسأل الله أن يرحم شيخنا الجليل ويسكنه الجنة جزاء ما قدم لوطنه وأهله ودينه من خير وبر وعمل صالح».

لقد كان الفقيد علامة مضيئة في جبين أمته، عاش من أجلها وأدى رسالته الدينية والتربوية والأدبية والتاريخية بدأب ومحبة وإخلاص فاستحق تقدير الوطن وعرفانه وتخليد أمته لجهوده ومآثره العظيمة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى