قراءة لواقع .. سياسي عربي .. تدهور الوضع السائد عربيا وإسلاميا في ظل الفوضى الخلاقة

> عبدالله الأصنج:

> لست بحاجة للتأكيد على خطورة عواقب ما نشهده من جنون سياسي يطغى على صوت العقل والضمير والمسئولية والأمانة. وإذا كان الصمت والاكتفاء بالفرجة والمشاهدة هو عين الصواب في عالم عرائس المولد، فإن الأكثر صوابا وعقلانية ومسئولية وأمانة أن لايحبس المفكرون العرب مشاعرهم ويتخلوا عن واجبهم نحو دينهم وأرضهم وأمتهم، وأن ينطلقوا للتعبير عما يجيش في صدورهم ونفوسهم وذلك بالكتابة إلى أهل السلطة حول خطورة ما يجري باعتبارهم جهة الاختصاص والقرار والشرعية مهما يختلف البعض في هذا الأمر.

إن الحاكم والمحكوم، تحت وطأة الصدمة والفجيعة المحيطة وتلاحق الأحداث في فلسطين ولبنان بعد العراق والسودان والصومال وبعد افغانستان وأخيرا الباكستان وربما إيران قريبا، يواجهون حالة سياسية أمنية في غاية الخطورة والتعقيد كحصاد مر لنبتة شيطانية غرسها ليلا أعداء العروبة والإسلام وأسموها شجرة الفوضى البناءة.

وإذا كنا ندين ونستنكر تلك الدعوات والأعمال الهدامة التي تَسبب ويتسبب فيها مرضى الهوس الديني من متطرفي (الأسلمة) في عالمنا العربي والإسلامي، فإن نظراءهم الأكثر دهاء من المحافظين الجدد في واشنطن وحلفائهم في اسرائيل وأوروبا هم جهة تصدير الحروب والإثارة والفتنة تحت مسميات ومقولات ودعاوى مخادعة ومتناقضة أطلقوا عليها تسمية الفوضى البناءة على طريق الديمقراطية الزور، بعد أن وجدوا في منظمات الأسلمة وممارساتها الرعناء الشماعة المناسبة التي تعلق عليها جرائمها.

لقد دفع العرب والمسلمون وما يزالون ثمنا باهظا أموالا ودماء وأرواحا منذ انصياع القائمين على السلطة للإملاءات الخارجية والهرولة وراء أوهام زيّنها لهم الأعداء المتربصون من صهاينة ومحافظين جدد (بيجن ورابين وباراك ونتنياهو وشارون وكلينتون وبوش الأب وبوش الابن وبلير وتشيني وكونداليزا) ومن لف لفهم. وملفات حقبة بلفور وما تلاها وصولا إلى كامب ديفيد1 مع السادات، وكامب ديفيد2 مع عرفات، وأوسلو مع ابومازن عباس، ومدريد مع قادة حكومات العرب ما تزال عالقة في الأذهان وتسجل الهروب الكبير للجميع حكومات وشعوباً من مواجهة مسئولياتهم في التمسك بقرارات مصيرية هم من أعلنها وتعهد بالالتزام بها.

وفي مقابل طغيان وجبروت تحالف الصهاينة والمحافظين الجدد في الولايات المتحدة وأوروبا وبريطانيا، ابتلينا بالظواهري وأسامة بن لادن والملا عمر وأبو حمزة وأبو مصعب الزرقاوي وحسن الترابي وباعشير والديملي والعبسي وفتح الإسلام وجند الشام وأمراء الحروب في الصومال وافغانستان إلى آخر السلسلة غير المباركة وصولا إلى دراويش فتح وحماس في فلسطين والشباب المؤمن في صعدة اليمن ونظرائهم في السعودية والخليج ومصر والأردن والعراق ولبنان والسودان والمغرب والجزائر والصومال وعلى امتداد بلدان الاغتراب حيث يقيم الفارون من عذاب وظلم الأوطان مما يسهل على الخبثاء مهمة توظيف هؤلاء الضاربين في المهاجر ودفعهم وتوظيفهم على طريق العنف والإرهاب.

وإذا كان أمن واستقرار وخيرات وثروات الأمة وأنظمة الحكم فيها مستهدفة من إسرائيل وحماتها المحافظين الجدد ومن جماعات التطرف والإرهاب (ناشطة ونائمة) بإسناد وتوجيه خارجي من قيادات هنا وهناك يعملون تحت يافطات شتى في مصر وسوريا والأردن والجزائر والمغرب ودول الخليج في معظمها، وهذه حقيقة لا مراء فيها، هذا في المجال الأمني فقط.. وأما في المجال السياسي فإن الأمر مختلف للغاية بسبب تناقض وتباين أو حتى تقاطع المواقف والمصالح السياسية، وعلى سبيل المثال:

> للاردن مصالح وحاجة في الارتباط والامتثال للإملاءات الأمريكية والاسرائيلية لأسباب معروفة والشرح يطول، فحماية العرش من إنشاء (الوطن البديل - الفيدرالية الفلسطينية الاردنية).

> ولمصر حاجة ومصلحة في الارتباط بواشنطن بالرغم من تنامي الاعتراض والمعارضة في الشارع المصري، كما أن دور مصر في استقطاب مجموعة المنتفعين في حركة فتح والتخلي بذكاء وحذر ودهاء عن حماس ربما يكون له ما يبرره، فالحدود مع غزة مفتوحة على بدو سيناء وتيار الأسلمة عبر رفح وغزة في سلطة حماس يثير قلق الأمن المصري، وقيد كامب ديفيد يكبل الرئاسة المصرية ويطلق أيدي اولمرت وعصاباته لسفك الدماء ونشر الفتنة فيما تبقى من فلسطين وضواحي القدس بينما يقتصر الدور المصري على التهدئة لترضية إسرائيل أولا.

> وفي لبنان صراع يخفي وراءه الكثير.. وإذا كان اللقاء في منتصف الطريق مع إيران ممكنا فإن بالإمكان ترويض (الأخوات اللبنانيات الهابطين) من جماعات السنة وحزب الله والمسيحيين من أصدقاء وأعداء سورية والعروبة. وأذكر من هؤلاء (فرنجية والجميل وجعجع وفي الواجهة جنبلاط وسنيورا وفتفت والحريري والمفتي القباني ومن الجهة الأخرى نبيه بري ومعه كرامي والحص في طرابلس) ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى الموقف الصامد للرئيس لحود فشرعيته اليوم تبقى عنصرا يسهل دور الوساطة العربية، وهو شخصية لبنانية متميزة والتعاون معها أجدى وأنفع من الرهان على فعالية عرائس المولد التي تحظى بالرضى الأمريكي.

ولا بد مما ليس منه بد وأعني تخطي معوقات فتح بوابة دمشق من الجانبين على مصراعيها لإلغاء فرص التدخل الخارجي تحت مظلة دولية، وتتحمل الرئاسة السورية مسئولية تكريس سياسة عدم التدخل في شأن لبنان والامتناع عن أي رغبة في الاحتفاظ بدور الوصي. ومن الجانب الآخر على جنبلاط وجعجع والحريري وسنيورا ومن معهم الكف عن مناكفة سوريا صباح مساء، فسوريا قد غادرت المسرح اللبناني ولا يفكر بشار الأسد وأجهزته في العودة.

> وحالنا في اليمن لا يعقل فالتقارير الصادرة في الصحف اليمنية والعربية والدولية تؤكد أن سوقاً لمزايدة أو مكايدة سياسية جعلت من اليمن محطة إيواء للفساد وللمفسدين صناع المتاعب لأهلهم في المقام الأول. كما أن الغزو الأثيوبي للصومال وتسهيل مرور عناصر إرهاب وأسلحة ومخدرات عبر اليمن وإليها يثير لغطا وقلقا.

وأمام مسلسل الانهيارات السياسية في فلسطين ولبنان وخطورة المخطط الصليبي - الصهيوني على الأمة وحكوماتها فإن اليقظة والحذر والاستعداد لدرء الخطر أمر واجب، وتنشيط فكرة تأسيس جهة عربية موحدة تتخصص للرصد والمتابعة ولإدارة الأزمات القائمة داخليا وخارجيا. ولتكن البداية وضع مسافة في التعامل العربي والدولي غير قابل للاختراق أو التفرد كخطوة على طريق إنقاذ ما يمكن إنقاذه، فمشاكل اليمن ودول الخليج ومصر ولبنان والمغرب وسوريا وغيرها في الشأن الداخلي تخص القائمين عليها وأما الشأن المصيري العربي فيتم التعامل معه في إطار الموقف العربي الواحد.

أ- والخلاصة: في ظل أهم ما هو قائم يعزز الرأي بضرورة قبول دوائر القرار الاحتفاظ بعلاقة متوازنة في معالجة المسألة الفلسطينية مع عدد من عقلاء حماس وعقلاء من فتح للخروج من أجواء الكارثة وتأمين الحل الممكن على المدى القريب والآجل، ولا يترك الموقف بيد الصهاينة وأصدقائهم للدفع بحكومات المنطقة إلى المجهول المرسوم.

ب- ترويض موقف الأطراف المتصارعة في لبنان بلجم وفرملة الانصياع أو الاستقواء بالخارج وتأمين الجو المطلوب لبدء حوار بين الأطراف المعنية على قاعدة التوافق المنصوص عليه في ديباجة دستور لبنان.

ج- الاستعانة بمساع حميدة حيثما أمكن بلجنة حكماء مختارة ودائمة ملحقة بمجلس القمة العربية لحل كل أزمة قائمة أو تطرأ على العلاقة بين دول عربية وأخرى حتى لا تُستخدم هذه الاختلافات أو الخلافات كمخلب قط يجر المزيد من المآسي والكوارث على الحكام والمحكومين.

د- متابعة وضع أسس تعاون قابل للتطور بين كل العرب وإيران دون التخلي عن حق للإمارات في الجزر أو حق لايران في حماية أمنها من عدوان أمريكي اسرائيلي مبيت يعلن يوميا عن نفسه بتكثيف إيواء حشد عسكري أمريكي وتحرك عدائي اسرائيلي وانقياد أوروبي وراءهما.

هـ - تنشيط دورالمؤتمر الإسلامي وجامعة الدول العربية لإنهاء الاحتلال الاثيوبي للصومال وإسناد دور فاعل لحكومة شمال الصومال للتعاون في حل أزمة الجنوب.

و- تكليف مصر بحل معضلة دارفور بالتعاون مع ليبيا إنقاذا للسودان من أطماع صليبية مفضوحة واندفاع شركات نفطية أمريكية وفرنسية وبريطانية تستخدم مظلة الأمم المتحدة لإخضاع حكومة السودان وبالتالي تمزيق وحدته شرقا بعد جنوبه. علما بأن نظام عمر البشير لم يعد هناك ما يبرر استمراره. والدعوة لإجراء انتخابات عامة بإشراف دولي باتت حاجة ملحة.

وأخيرا إن الحركات الإسلامية المسيّسة مهما حوصرت أو أُضعفت وأُخضعت أو اختارات طوعا أو كرها التواري والانزواء أو التوبة فإن حمى التطلع لشيطان السياسة وكراسي الوزارة ستبقى مسيطرة في النفوس والعقول.. ومن الخير الإبقاء على شعرة معاوية مع الأكثر اعتدالا واتزانا وانفتاحا في هذه الحركات لتجاوز المرحلة، وهذا يتطلب نهجا متكاملا مرسوما بدقة.

وفي كل الحالات والظروف فإن إحياء التمسك الحقيقي بمبدأ التضامن العربي وتأكيد الانتماء العربي والإسلامي قولا وعملا هو الموقف الأصح والمطلوب إعلانه في وجه مخططات الغدر والوقيعة والفتنة التي تعاني منها الأمة العربية والإسلامية وحكامها، فالفوضى الخلاقة التي تدعو لها جماعة بوش وبلير وأولمرت لن تنتظر طويلا صحوة حكومات وشعوب ولجوا كهفاً في غفوة طال أمدها.

وزير خارجية اليمن الأسبق

E-mail:[email protected]

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى