الشعب يجوع وانتم تتحاورن

> محمد فارع الشيباني:

> عندما كان (هنبال) القائد القرطاجي يزحف عبر جبل الألب بجيشه للقضاء على مدينة روما كان الشيوخ الرومان في مجلسهم يناقشون كيف يواجهون هنبال وجيشه والفيلة التي تتقدمهم، ولكنهم بعد مدة من النقاش تاهوا نتيجة للمهاترات والخلافات السقيمة بينهم وخرجوا عن الموضوع الأساس وهو كيفية الدفاع عن روما ومواجهة هنيبال، ونتيجة لذلك فقد اقترح عليهم أحد حكمائهم أن يعينوا واحداً منهم يصيح «قرطاجنة على الأبواب» كلما تاهوا وخرجوا عن الموضوع.

وأنا هنا لا أريد أن ألعب دور ذلك الشيخ في مجلس الشيوخ الرومان لأهتف «قرطاجنة على الأبواب» لأنه ليس دوري وليس بقدرتي القيام بذلك ولكن تذكرت هذه الحادثة وأنا أقرأ البيان الصادر عما أطلق عليه «وثيقة الحوار وضوابطه» بين أحزاب اللقاء المشترك وحزب المؤتمر ولا ادر من لماذا ازاد فوق حزني حزنا وارتفعت درجة تتسامى انه مافيش فائدة فقد اخرجوا الوثيقة كانهم كما يقول اخواننا في مصر «جابوا الديب من ديله» وأن مشاكل اليمن قربت من النهاية فمع احترامي الشديد للطرفين فإني لا أتفق مع ما يريانه فقادة اللقاء المشترك يعتقدون بأنهم يمثلون أغلبية الشعب بينما هم لا يمثلون إلا أنفسهم، ومن في المؤتمر يعتقدون أنهم الحزب الحاكم وهم في الحقيقة ليس لهم علاقة بالحكم ولا من يحكم- ما علينا- ولقد جاء في هذه الوثيقة ما يشبه الأوامر الإدارية التي تصدر من سلطات عليا لتحديد مهام الإدارة وكذلك تحديد صلاحياتها وطريقة عملها وإنشاء سكرتارية وأرشيف لها أي انه عمل بيروقراطي لا معنى له وهناك المثل البيروقراطي المشهور الذي يقول «إذا أردت إنهاء أي قضية وتمييعها فشكل لها لجنة» ولي شخصياً تجارب مريرة مع اللجان والحوارات أذكر مثلاً أيام لجان الوحدة التي وصفها الرئيس الشهيد سالم ربيع علي بدقة عندما أطلق عليها «عبدالله طالع عبدالله نازل» فقد طلعت إلى صنعاء مع لجنة الثقافة والتربية عن الجانب الجنوبي للاجتماع مع لجنة الجانب الشمالي وتصوروا لمدة ثلاثة أيام كان الحوار كله يدور حول جملة واحدة عن اتحاد الطلبة في اليمن الموحد فقد كان الجانب الجنوبي يقول «يحق للطلبة تشكيل منظماتهم الجماهيرية» بينما كان الجانب الشمالي يرى «يحق للطلبة تشكيل منظماتهم الاجتماعية» وبين الجماهيرية والاجتماعية جلسنا ثلاثة أيام نتحاور ولم نتفق ولكن بعد عودتي إلى عدن سمعت في التلفزيون والإذاعة بياناً عن اجتماع اللجنة يقول بأن الاجتماع كان ناجحاً بصيغة تظهر أن الوحدة سوف تتحقق اليوم التالي، بعدها عرفت أن الذي صاغ البيان هو الأستاذ حسن اللوزي وزير الثقافة الشمالي ووافق عليه الأستاذ راشد محمد ثابت وزير الثقافي الجنوبي.

ومع الأسف الشديد فإن المأساة نفسها تتكرر الآن رغم اختلاف الظروف والمكان ومن الطريف أن الأشخاص يكادون أن يكونوا هم أنفسهم الذين عاشوا تلك الفترة وتشبعوا بفكرها وطريقة عملها وكذلك أسلوب حل المشاكل ولكن بينهم البين وليس حل مشاكل الشعب، وأنا متأكد أن الحوار سوف يتوقف في اليوم نفسه الذي سيبدأ به فسوف ينشب خلاف حول تفسير ما جاء في الوثيقة نفسها وسوف ينسحب طرف ويتهم الطرف الآخر بأنه سبب الفشل وسوف تصاغ البيانات الطنانة ويتوقف الحوار وستمر أشهر ثم يعودون مرة أخرى للحوار وهكذا إلى أن يجد الله للناس مخرجاً منهم وفي هذه الإثناء وهم يتحاورون فإن الحالة وصلت بالشعب إلى درجة لا يمكن تحملها، ارتفعت الأسعار وخاصة للمواد الأساسية بحيث أصبح راتب الموظف الكبير لا الصغير لا يكاد يكفي مصاريف عشرة أيام أما العاطلون عن العمل والموقوفون والمحالون إلى التقاعد فقد أصبحت الحياة ذاتها نوعاً من الترف والموت أفضل، يضاف إلى كل ذلك شحة المياه وانقطاعات الكهرباء وتصورا أن المواطن في عدن بلد السمك وهو الغذاء الرئيسي لسكان هذه المدينة أصبح المواطن لا يقدر على شراء سمك الباغة وهو أرخص أنواع السمك.

أيها السادة المتحاورون انزلوا من البروج العاجية التي تعيشون فيها، انزلوا وشاهدوا كيف يعيش الشعب الذي تتحاورن من أجله كما تدعون وكفاكم كذباً على الناس، فقد وصل الشعب إلى مرحلة بحيث أصبح كذبكم لا ينطلي عليه والجوع كافر فكفاكم كذباً وزوراً وبهتاناً واذكروا واتعظوا كيف خرج الشعب الجائع في باريس وحطم سجن (الباستيل) هداكم الله ورحمنا ويرحمكم برحمة من عنده، آمين.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى