الديمقراطية المتغنى بها وحرية التعبير .. غياب وحرب واستنفار وقت الانفجار

> «الأيام» كفى الهاشلي:

>
الحرية الصحفية الحاضر الغائب في المجتمعات العربية ومنها اليمن، هي الهبة والمنحة التي لا تقدمها السلطة إيا كان مسماها، لأنها نضال من أجل الشعب ومن أجل تواجد الحريات الأخرى، وعليها تقاس درجة الديمقراطية في المجتمعات وبها تبصر الأمور للحكام في معرفة مكامن العطب في مفاصل الدولة وتحديد مقاعد الفساد بين كراسي السلطة، ومعها يظهر الجدير بالبقاء واللازم الانقضاء.

بيد أنها تواجه معتركا مؤلما في دفاعها عن الحق المسلوب والجور المكنون والتعسف والمذلة المسلطة على عباد الله وخلقه، من خلال ما يطرحه الصحفيون من وقائع مؤلمة في الحياة، ولأن اليمن ليست مستثناة من العالم العربي حصل ما حصل لوسائل الإعلام ولحملة لواء الكلمة الصادقة غير المرجو منها دينار ولا درهم، بل إن الصحفيين يضعون حياتهم على أكفّهم هدية في سبيل إحقاق الحق وإن كان هناك من شواذ فذلك ليس حديثنا.

«الأيام» تقف على مجريات ما يحدث لصاحبة الجلالة ومنتسبيها بعدة تساؤلات وجهتها لباحثين عرب تواصلنا معهم عبر الشبكة العنكبوتية لنعد صورة بسيطة في قراءة لواقع حرية التعبير المزعومة وما هي المشكلة، في سطور هذا التحقيق:تعددت أسباب اعتقالات الصحفيين الناشطين في مهنة البحث عن المتاعب، وهي متاعب الشعب والوطن، لنجدهم يواجهون عصا الاستاذ غير المسؤول ولذع المتنفذين وتهكم الشامتين فأغلقت بعض المواقع الإلكترونية لبعض الصحف وقيدت حريات الصحفيين بإجراءات غير بناءة وتحول الزميل عبدالكريم الخيواني إلى مجرم حرب وإرهابي، بعكس كل المفسدين الذين طالت أيديهم كل جميل فشوهته، على الرغم من التغني بالديمقراطية، ولأن الديمقراطية لدينا مسمى فقط لا فعل مغروس في المجتمع انتهكت حقوق من يقع عليهم الدفاع عنها .. ترى ماذا يقول المختصون في هذا الشأن؟

لو كانت الحرية منحة لذهبت بنفس الطريقة التي جاءت بها

من باريس جاءت الإجابة من أحد المهتمين في إدارة الحوارات الفكرية المختصة في المؤسسات التعليمية الجامعية ومراكز البحوث، ومشارك في المنابر الإعلامية المختلفة وفي الإعداد والإشراف على تنظيم المؤتمرات العلمية، د. محمد بن نصر، أستاذ مساعد في المناهج وتاريخ الأفكار والفكر الإسلامي المعاصر والفرق الإسلامية، الجامعة الإسلامية في كوالالمبور، ومدير تحرير سابق لمجلة «التجديد» الجامعية ومحاضر في المعهد الفرنسي للعلوم الإسلامية 2005 وفي المعهد الأوروبي للعلوم الإنسانية حتى الآن، قال عن حرية الصحافة في الدول العربية: كلما أثير موضوع حرية الصحافة في البلاد العربية اختزل الأمر في موقف السلطة السياسية من هذه المسألة ويقع التركيز على الإجراءات التي من المفروض أن تتخذها السلطة لتأمين حرية الصحافة، وبذلك يتم إغفال حقيقتين في غاية الأهمية، أولاهما أن السلطة السياسية مهما كانت طبيعتها تفضل الأصوات المؤيدة والمتناغمة مع سياستها وثانيتهما أن الحرية إذا كانت منحة وهبة يمكن أن تزول بنفس الطريقة التي جاءت بها فهي دوما معرضة للزوال والتراجع عنها إذا أصبحت تشكل خطرا على شرعية السلطة وعلى مصداقيتها، وبالتالي فإن حرية الصحافة مثل الحرية في المجالات الأخرى يجب أن تكون نابعة من المجتمع، أولا بتحققها في مؤسساته المدنية وثانيا بفرضها سلميا على السلطة السياسية. حرية الصحافة تتوسع وتتقلص بحسب الجهد الذي تبذله والإصرار الذي تبديه القوى الحية في المجتمع، فإذا لم تكن عندنا في الوطن العربي صحافة حرة فليس بسبب أنظمتنا السياسية فحسب ولكن لأن انتهاك حرية الصحافة لم يصبح أمرا مستهجنا ومرفوضا، الصحافة في عمومها ملك للرأسمال المرتبط بأجهزة الدولة، والصحيفة التي لا تسعى إلى تجنب غضب السلطة لا تستطيع أن تستمر لأنها لا تجد المجتمع الذي يحميها، فحرية الصحافة لا تتمثل في الضمانات الشكلية ولكن بالحس العام الذي تعبر عنه مؤسسات المجتمع المدني تجاه كل عملية تضييق على حرية التعبير، فلو كانت السلطة السياسية متأكدة من أن ما تتخذه من إجراءات تعسفية ضد الصحافة وضد كل أشكال التعبير سيجد رفضا شديدا من جبهة واسعة تضم مثقفين ومفكرين وعلماء دين وكل ذوي الشأن والنفوذ فلن تتجرأ على ذلك. في المجتمعات التي قطعت شوطا كبيرا في مجال حرية الصحافة تكونت قوة مناعة سميكة ضد كل نوع من أنواع الانتهاكات ضد الصحافة، فالمطلوب من السلطة السياسية هو احترام هذه المكاسب التي تحققت في هذا المجال وليس حمايتها لأن المجتمع هو الذي يحميها.

وعن تضييق الخناق على صحفيات بلا قيود وموقعي الاشتراكي والشورى قال: سعي السلطة السياسية إلى التضييق على مؤسسات المجتمع المدني وعلى الأحزاب المعارضة ليس أمرا مستغربا في حد ذاته، لأن كل سلطة سياسية تسعى إلى توسيع نفوذها وتسعى إلى احتكار كل أسباب القوة، ولكن الأمر الذي يثير الاستغراب ويدعو إلى التفكير هو سكوت القوى الحية في المجتمع على هذا الأمر، ولو أن كل صحفي يتعرض للملاحقة الأمنية و الاعتقال والمساءلة القانونية والسجن والتعذيب يجد من يقف إلى جانبه ويدافع عنه من موقع مبدئي ولو أن كل منبر صحفي يتعرض للمحاصرة المالية والمضايقة الأمنية يجد المساندة المجتمعية فإن هذه الممارسات التي تقدم عليها السلطة ستتوقف تدريجيا.

يسهل على السلطة السياسية أن تواجه المعارضة متفرقة ويسهل عليها أن تواجه الصحافة عندما تعمل بشكل غير مهني وعندما تمارس التهريج السياسي، ولكن يصعب عليها فعل ذلك حين تمارس الصحافة بمهنية عالية، وحين يتم التصدي لكل محاولات انتهاك حرية الصحافة وحرية التعبير بشكل عام.

غياب حرية التعبير أحد أسباب اللجوء إلى القوة

وعن لغة القوة والسلاح فيما لو كانت الوسيلة الأهم في الحوار مع السلطة قال:

الحوار يقتضي الاعتراف المتبادل بين طرفين أو بين أطراف متعددة ولذلك من الصعب اعتبار القوة شكلا من أشكال الحوار، لأن استعمال القوة يؤدي إلى القطيعة وإلى التنافي المتبادل، وعليه فإن استعمال القوة بين طرفين تجمع بينها قواسم مشتركة لا يؤدي إلاّ إلى مزيد من الخراب للبلد، في كل الأحوال استعمال القوة لا يجب أن يكون اختيارا مبدئيا و لا يلجأ إليه إلا إذا أصر الطرف الثاني على استعمال القوة، بلغة أخرى هو آخر الحلول التي يمكن اللجوء إليها في حالة الاضطرار. ولكن إذا أردنا أن نتجنب هذا الأسلوب المدمر يجب أن نعالج الأسباب المؤدية إليه، ولعل من أهم الأسباب التي تجعل البعض يلجأ إليه هو إما غياب حرية التعبير بحيث يمنع من التعبير عن رأيه أو لافتقاده للحجة عندما يجد الفرصة للتعبير عنه، في الحالة الأولى يكسب تعاطف الناس وإن كان مخطئا وفي الثانية ينفض من حوله الناس وإن كان محقا. ولذلك يمكن أن نقول إن أنجع وسيلة للقضاء على العنف أو على الأقل للتقليل من حدته هي معالجة أسبابه معالجة جذرية، بذلك فقط يمكن أن نربح المعركة ضد العنف، ولكن معالجة العنف بالعنف لن تؤدي في أحسن حالاتها إلا لكسب جولات محدودة التأثير وتهيئة الأجواء لعنف أشد ولكنه غير منظور.

وفي سؤال أخير عن أسباب تأخر الدول العربية في الاستماع للحقيقة بل ومسارعتها إلى رفضها لتجد نفسها في مأزق أكثر تعقيدا.. أكد أن ذلك هو حال الذي لا يملك حرية الإرادة ولا يملك القرار وينفذ - أحيانا عن جهل وأحيانا انطلاقا من حسابات ذاتية ضيقة - ما يطلبه الآخرون. ليس للحكومات العربية استراتيجية تنمية طويلة المدى ومتكاملة الأبعاد ولكنها تشتغل مثل رجال المطافئ، كلما حصلت أزمة هبت مذعورة لمعالجتها أمنيا دون إثارة الأسئلة حول أسبابها الحقيقية، ثم تتعامل معها بالتجاهل وبنسبتها لأطراف تريد زعزعة النظام، وتتراكم المشكلات لتتولد عنها مشكلات أكثر تعقيدا وهكذا. هل بوسعها لو توفرت الإرادة أن تفعل أحسن من ذلك؟ بالتأكيد نعم ولكنها احتكرت كل طاقتها في المحافظة على السلطة وكلما اتسعت الهوة بينها وبين شعبها ازدادت ارتباطا بالقوى الخارجية وربطت مصيرها بها. وزاد الطين بلّة أن المعارضة في بلادنا ليس في قاموسها إلا كلمة لا، يتلخص برنامجها في معارضة السلطة حتى عندما تكون محقة، ولم تفلح في تطوير تقاليد ديمقراطية في داخلها فعندما يقدر لها أن تصل إلى السلطة تمارس نفس السياسة التي ثارت عليها وتعيد إنتاج الأزمة من جديد.

الديمقراطية ليست حبة دواء

أما الكاتب والأكاديمي الفلسطيني أحمد أبو مطر، المقيم في أوسلو، فقال: المشكلة في حرية الصحافة العربية أنه لا توجد حرية بالمعنى المتعارف عليه في الدول الديمقراطية، وهذا يعود إلى عدم وجود أنظمة ديمقراطية حقيقية في كافة الأقطار العربية بدون استثناء، فعندما لا توجد أنظمة ديمقراطية لن تتوفر حرية الصحافة، فالديمقراطية ليست حبة دواء تأخذها اليوم فتصبح غدا ديمقراطيا، الديمقراطية هي نتاج تربية وبرامج تعليم وممارسات منزل منذ الصغر، فالطفل العربي الذي يتربى ويتعلم وينشأ ضمن برامج تعليم من الحضانة حتى الجامعة لا تؤسس إلا للاستبداد والمستبدين، كما نلاحظ في الخطاب الثقافي والديني، لن يكون ديمقراطيا عندما يكبر ويتسلم أي منصب. الخطاب الثقافي في مجمله مُخزٍ فلا يوجد إلا في الدول العربية هذا الكم الهائل من الكتاب والمثقفين الذين ينظّرون للاستبداد والحكام المستبدين.

فلا يمكن إحصاء الكتب التي تمجد الطغاة في الثقافة العربية. لماذا في أوروبا والولايات المتحدة لا يسمح للحاكم بالبقاء في السلطة إلا ثماني سنوات، وفي عالمنا الموصوف بالعربي فقط لدينا حكام منذ أربعين عاما وسيبقون في الكرسي حتى الموت أو توريث أولادهم.. أليس هذا مظهراً من مظاهر الكارثة العربية.. ولن ينتج عنها ديمقراطية أو حرية صحافة حقيقية، بدليل هذا القمع للصحفيين من السجن والاعتقال إلى الموت كما حدث في حالة الصحفي المصري رضا هلال الذي اختفى منذ أربع سنوات ولا أحد يعرف عنه ميتا أم حيا. أما الخطاب الديني السائد فيؤسس أيضا للاستبداد، و إلا ما معنى فيما يزيد على ربع مليون مسجد في الدول العربية، يدعو أئمة المساجد في خطبة الجمعة لنصرة حاكم البلاد على أعدائه وهم يعرفون أننا نحن الشعوب أعداؤه، أي أنهم يدعون الله أن ينصره علينا، وكذلك الترويج لطاعة أولي الأمر ما لم يشركوا بالله، فهذا معناه التطبيقي أن نطيعهم مهما كانوا مستبدين وقمعيين ومصادرين للحريات طالما لم يعلنوا شركهم بالله. هذا الوضع السائد في العالم العربي يرسخ الاستبداد والقمع ولن ينتج عنه حرية صحافة حقيقية. هذه هي المشكلة ولا حل لها إلا بوجود ديمقراطية حقيقية. وحول الانتهاكات الممارسة بحق الصحفيين وأثرها على جيل مهنة البحث عن المتاعب.. قال: الانتهاكات المزرية بحق الصحفيين العرب من السجن إلى الاعتقال إلى المحاكمات الجائرة والقتل الخفي المادي والمعنوي، لن تشجع أجيال هذه المهنة على الخلق والإبداع والتفرد، فمن يريد أن يدخل بازار هذه المهنة يعرف مسبقا أن عليه أن ينسجم مع الوضع غير الديمقراطي وإلا فالسجن والتعذيب هو ما ينتظره، لذلك غالبية الصحفيين العرب عملهم روتيني بحت لا جدّة ولا حرفية فيه فيما عدا حالات قليلة. هناك في بعض الدول العربية حسب معرفتي كما في مصر والأردن والكويت هوامش واسعة من الحريات الصحفية، علينا أن نعمل من أجل تعميقها وتعميمها ليكون الصحفي العربي خلاقا مبدعا، ولن يكون هكذا دون أن يشعر بالأمن والأمان مهما كتب. أنا أعيش في النرويج منذ ستة عشر عاما، الصحفي النرويجي يستطيع أن يتهم ملك البلاد صراحة بالسرقة والفساد إن قدّم الوثائق التي تثبت اتهاماته. لا يستطيع مطلقا ملك النرويج أن يسجنه أو يرسل له رجل مخابرات ليقتله.. إن كان الصحفي متجنيا على الملك فأمامه القضاء والمحكمة.. متى نصل إلى هذا الوضع؟

لغة التهديد والوعيد لن تفيد

وقال الكاتب والباحث الفلسطيني من سوريا هشام منور: أعتقد أنه من الظلم تعميم الحكم على جميع الدول العربية، فمستوى ودرجة حرية التعبير فيها متفاوت إلى حد ما، إلا أنه في الآونة الأخيرة قد تراجعت هذه الحرية ومساحة التعبير عن الرأي لأسباب عدة، منها ما يسمى بالحرب على الإرهاب وتحالف الأنظمة العربية مع أمريكا في ذلك، ومنها حالة الاستقطاب الحادة بين الإسلاميين الحركيين والحكومات غير الشرعية لبلدانهم وتأثير ذلك على حرية الصحافة.

ولعل حالة الاستقطاب والاصطفاف هذه هي من أهم المعضلات التي يجب على كلا الطرفين (الحكومة والصحفيين) تجاوزها وعلاجها بدلاً من اللجوء إلى لغة التهديد والوعيد التي لن تنفع وستزيد من تأزم مجتمعاتنا المأزومة أصلا.وكما أن الصحفيين اليد التي خطت على سطور صفحات الصحف مقالات وتحقيقات واستطلاعات لأجل أفراد المجتمع أعتقد أنه من المنصف الوقوق جنبا إليهم في وقت شدتهم، ومهما كان الجور لا بد من شمس الحقيقة يوماً من الأيام.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى