الإعلامي والفنان باجنيد.. رحلة إبداع امتدت من عدن إلى هولندا

> «الأيام» محمد فضل مرشد:

> عشق الموسيقى طفلاً وتبع فرقة أحمد قاسم في الأفراح والحفلات حتى بات أحد موسيقييها .. التحق بالإذاعة وأصبح صوتا إذاعيا لامعا في تقديم مختلف البرامج ولم يلبث أن أصبح أحد مؤسسي تلفزيون عدن، ومن ثم إذاعة صوت هولندا.. إنه عبدالرحمن باجنيد ضيفنا لهذه الحلقة. < انطلاقتك الأولى إلى عالم الفن من أين بدأت وما دافعها؟

- بعمر 13 عاما فترة الخمسينات نشأت وترعرت في حافة الشريف بمدينة كريتر، والتي كان يقع في ركنها وعلى هضبة بيت الفنان الكبير أحمد قاسم، وفي تلك الايام كنت دائم المرور صباحا ببيت الفنان أحمد قاسم اثناء التوجه إلى المدرسة أو اللعب مع أصدقائي أو التوجه إلى السوق، فكنا نسمع صوت العود ينبعث من هذا المسكن وعصرا عند مرورنا بجانب مدرسة بازرعة الخيرية الاسلامية نسمع موسيقى فرقة نحاسية تصدح من داخل مبنى هذه المدرسة، فنتسلق النوافذ لنشاهد الفنان أحمد قاسم يقود الفرقة الموسيقية ويعزف على آلة الترمبيت (البوق)، فشدني هذا الرجل العازف على العود صباحا وقائد الفرقة الموسيقية وعازف الترمبيت عصرا إلى عالم الفن وكانت البداية.

< ما قصة التحاقك بفرقة أحمد قاسم الشهيرة؟

- كانت تقام مخادر وحفلات موسيقية للاعراس في أحيائنا وكنت أشاهد أحمد قاسم وفرقته يحيون هذه الحفلات، فبدأت اقترب منهم ولاحظ الفنان أحمد قاسم هذا الشغف بالفن في عيني ووجدته يطلب مني أن أردد مع الكورس، وبدأت منذ ذاك ملازمة فرقة الفنان أحمد قاسم والغناء معهم وكانت تلك البداية.. ثم تعلمت مع فرقة أحمد قاسم العزف على عدد من الآلات الموسيقية منها الإيقاع والكمان وبعدها تعلمت العود لوحدي.

أحمد قاسم شجعنا وشجع محمد عبده زيدي ومحمد عبدالله زوقري ومحمد سعيد منصر ونديم محمد عوض الذي أصبح فيما بعد قائد الفرقة الموسيقية.. وكنا أثناء الحفلات احمد قاسم يغني ويعطينا أيضا فرصا لنغني وهنا كانت بدايتي الفنية، فأنا لم ابدأ لوحدي وإنما بفضل الفنان أحمد قاسم.

< ما أولى أغاني الفنان عبدالرحمن باجنيد؟

- كنت أدرس في كلية عدن جنبا إلى جنب مع ممارسة هوايتي الفنية مع فرقة أحمد قاسم.. وأتذكر اثناء دراستي في المدرسة المتوسطة التي تقع في مدخل كريتر كان أستاذي المرحوم توفيق عبدالمجيد لقمان في الحصة الأخيرة يطلب مني أن أغني لعلمه بأنني في فرقة الفنان أحمد قاسم، فكنت أغني للطلاب ويقومون هم بدور الكورس، وكنت أغني أغاني أحمد قاسم وفريد الأطرش.

انتقلت إلى كلية عدن وهناك مارست الغناء وفي العام 1958م تقريبا أقيمت حفلة فطلبت من الفنان أحمد قاسم أن يعطيني أغنية لأغنيها في الحفل فأعطاني أغنية (بلادي وإن سال فيك الدم) من تأليف الشاعر الكبير عبدالله هادي سبيت، وغنيتها وكان مدير الكلية انجليزي وقال لي بعد غناء هذه الأغنية في المرة القادمة غن أغنية ليست سياسية، وغناها لاحقا الفنان الكبير أحمد قاسم.

< وماذا عن أول مشاركة فنية خارجية للفنان باجنيد؟

- في فترة وجودي في فرقة أحمد قاسم دعيت الفرقة لإحياء حفلات في شرق أفريقيا للجاليات الاسلامية في مومباسا ونيروبي وزنجبار حوالي العام 1957م وتولى اقامة هذه الحفلات نادي الاصلاح العربي في التواهي حينها، فكانت المرة الأولى التي نغادر البلاد ونقيم حفلات في دول أخرى، وهذه من الذكريات التي لا تنسى مع الفنان الكبير أحمد قاسم.

< مرحلة عبدالرحمن باجنيد المذيع متى وكيف كانت؟

- بعد تخرجي من كلية عدن كانت إذاعة عدن بحاجة إلى مذيعين من المبرزين في اللغتين العربية والانجليزية ولديهم القدرة على ترجمة الأخبار، فانضممت إلى إذاعة عدن في 1960م بعد تخرجي مباشرة، وهناك في إذاعة عدن إلى جانب تقديمي لنشرة الأخبار وإجراء المقابلات قدمت البرامج الترفيهية والموسيقية والتمثيلية والمنوعات. وفي ذلك الوقت ظهر أيضا برنامج ركن الأطفال وطلب مني علوي السقاف، كبير المذيعين، تقديم أغان للأطفال فقمت بتلحين أغان من كلمات الاستاذ شريف الرفاعي فكانت أول الأغاني التي لحنتها (اجروا ورانا يا عيال) ودربت مغنيات مثل صباح منصر ورجاء باسودان وأم الخير عجمي وأمل كعدل، ومن ثم أغنية (بس بس نو) و (بيع التيس) وأوبريتات أخرى جميعها من كلمات شريف الرفاعي الذي كان سكرتيرا لتحرير صحيفة «الأيام» في تلك الأيام، وقدم لي ايضا أغاني اخرى، كما قدم لي لطفي أمان أغاني منها (طير من وادي تبن) وعلي أمان قدم لي (أسمر سمار) و(أهل الهوى)وعبدالله هادي سبيت قدم لي (ليش الهجر) بالاضافة إلى شعراء آخرين، فكانت تلك مرحلة الاحتراف الفني لي، وقد كنا نقدم الحفلات على مسرح سينما بلقيس، وكانت تلك الفترة تشكل نهضة فنية في عدن فقد كان هناك أحمد قاسم، محمد مرشد ناجي، محمد سعد عبدالله، إسكندر ثابت، سالم بامدهف، ياسين فارع، خليل محمد خليل .. كانت طفرة فنية بكل ما تحمله الكلمة من معنى، إنما كانت فرقة أحمد قاسم تتميز بالملابس الرسمية البيضاء وربطات العنق والغناء على مسرح حتى في المخادر وحفلات الأعراس، كانت فرقة محترفة.

وإلى جانب احترافي الفن في تلك الفترة قدمت العديد من البرامج في إذاعة عدن منها برنامج (طرائف ونغم) الذي نال نجاحا كبيرا لأنه كان يبث قبل رفع الأذان للافطار بعشرين دقيقة وكانت الطرائف لا تسرد سردا وإنما تقدم بأسلوب تمثيلي يمتع المتلقي، وقدمت برنامج (موسيقى الشعوب) وهو من البرامج الوثائقية التي تأتي لنا من الأمم المتحدة وأقوم بترجمتها إلى العربية، واستمر عملي في الاذاعة إلى 1964م.

< كنت واحداً من أربعة اختيروا لتحمل مسئولية أول تلفزيون في الجزيرة العربية.. هلا اطلعتنا على هذه المهمة الرائدة.

- اخترت وثلاثة من زملائي وهم محمد عمر بلجون وأبوبكر العطاس وأشرف جرجرة لافتتاح تلفزيون عدن الذي كان حينها أول تلفزيون في الجزيرة العربية، وانتقلنا إلى التلفزيون الذي افتتح عام 1964م.

وفي التلفزيون كنت مقدما للأخبار وإضافة إلى ذلك كانت مسئوليتي برامج المنوعات ومنها برنامج (جنة الألحان) و(ركن الأطفال) الذي كانت تقدمه عديلة بيومي، وكنت اخرج لها البرنامج وألحن لها الأغاني التي تعرض فيه وأعد لها الفقرات الفنية للأطفال، وبرنامج (ركن المرأة) الذي كانت تقدمه فوزية غانم، وبرامج منوعات أخرى، والزميل بلجون كان مدير التلفزيون وكان يقدم ايضا برامج اخبارية ومقابلات، والزميل أبوبكر العطاس كان يقدم برامج التلفزيون المدرسي الموجه في فترة الصباح لمحو الأمية وتعليم الناس، والزميل أشرف جرجرة كان مسئولا عن قسم التصوير الخارجي والتغطيات الخارجية، فكنا نحن الأربعة الأوائل الذي بدأ بنا التلفزيون في عدن.

< (الهارب) مسلسل خلدك في ذاكرة الأجيال فهلا أعدتنا إلى تفاصيل هذا العمل الفني المتميز؟

- كان من أبرز ما قدمته في التلفزيون المسلسل الأجنبي (الهارب) الذي ترجمته بصوتي طوال أربع سنوات.

وقد كان من الصعب شراء هذا المسلسل التلفزيوني الذي يمتد عرضه أربع سنوات مع الترجمة لارتفاع التكلفة، وقمت بتقديم الترجمة إلى العربية بصوتي لجميع شخصيات المسلسل طوال أربع سنوات وقد وفر ذلك الكثير على التلفزيون لأن الحلقات كانت تستأجر بالانجليزية وأقوم بالدبلجة إلى العربية بصوتي مباشرة، وقد كان لذلك مشكلة ايضا حيث تضايق الانجليز من عرض المسلسل باللغة العربية وهم مساهمون في ميزانية التلفزيون ويريدون مشاهدة المسلسل بالانجليزية، وطلبوا منا تقديم الترجمة على موجة متوسطة في الإذاعة للعرب، وانتقدت هذا الأمر الصحف ومنها «الأيام» وطلب منا أن لا نحرم الغالبية من مشاهدة المسلسل بالعربية مباشرة وليس الاستماع إلى الصوت عبر الراديو فكان أن قمنا ببث المسلسل بالعربية على التلفزيون والانجليز يستمعون إلى الراديو عبر موجة متوسطة، وكان ذلك آخر عهدي بالتلفزيون وأصبح بعدها سفري إلى الخارج يطلق عليه مزحاً (الهارب).

< دويتو (كله عشانك) كيف جاءت فكرته؟

- بعد الاستقلال قدمت إلى عدن فرقة موسيقية من طشقند، إحدى جمهوريات الاتحاد السوفيتي سابقا، وأتت معهم مغنية اسمها زينب خانون وطلب مني مدير التلفزيون تقديم الحفل على مسرح سينما بلقيس وحضره مسئولو الدولة وسفراء الدول في عدن وأعضاء السلك الدبلوماسي.

وشهدت هذه الزيارة للفرقة الموسيقية الطشقندية دويتو فني بيني وبين الفنانة زينب خانون وهي أغنية (كله علشانه/ هجرت جيراني أهلي وخلاني وحبيت أوطانه/ كله علشانه) من كلمات الشاعر الكبير عبدالله هادي سبيت وقمت بتلحينها قبل الحفل بساعات قليلة وغنيتها أنا والفنانة زينب خانون مساء في الحفلة ولقيت نجاحا كبيرا لدى الحضور وسجلت في الإذاعة والتلفزيون، وكانت تلك من آخر أعمالي الفنية قبل المغادرة إلى خارج الوطن، بالإضافة إلى أوبريت عملته مع الفنانة فائزة عبدالله في 1967م أغنية اسميتها (الشمال والجنوب) عملت فيها ترابطا بين الغناء في مناطق الجنوب ومناطق الشمال وقدم هذا الأوبريت في السنوات الأخيرة في التلفزيون، ولكن لم يسجل، ولحسن الحظ أن الإذاعة ما زالت تحتفظ به. وقد قال لي الاستاذ جميل محمد أحمد، مدير اذاعة عدن سابقا أنت وحدت اليمن فنيا قبل توحد اليمن سياسيا.

< لماذا غادر الفنان عبدالرحمن باجنيد عدن؟

- لم يكن لي ارتباط بالسياسية ولم أكن عضوا تنظيميا ولا أقوم بكتابة الاخبار أو التعليقات إنما كان اهتمامي بالموسيقى والفن، ومع ذاك واجهنا المضايقات وبدأ نعتنا بالعقليات الاستعمارية وطالبونا بما يسمى بالبرامج الثورية وما إلى ذلك من المضايقات والظروف، وجاءت فرصة خروجنا عبر حاجة إذاعة هولندا إلى موظفين، وتقدمنا للامتحان في السفارة البريطانية التي كانت حينها تمثل السفارة الهولندية التي لم يكن لها تمثيل في عدن، ولله الحمد تقدمنا للامتحان في 1969م وغادرت في أول سبتمبر 1960م عدن.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى