صالح موشجي توفي وهو يؤدي واجبه إلى آخر لحظة في جزيرة كمران

> «الأيام» فاروق لقمان:

> توفي الأستاذ القدير صالح محمد موشجي في جزيرة كمران وهو يواصل التدريس بعد قضاء عشرات السنين في مدارس عدن وأهمها السيله التي كانت بنايتها من أفخم ما أنشأت الحكومة هندسة وحجماً. وقد تتلمذت على يديه عدة سنين حتى انتقلت إلى المدرسة المتوسطة في الرزميت. ومن زملائه الأساتذة على محمد الفقيه وسيد أحمد علي وسعيد محمد وعبدالله زيد وأفضل محمد إبراهيم خلال رئاسة الشيخ كامل عبدالله صلاح للمدرسة وهو الذي عُرف بصرامته البالغة بالإضافة إلى شهرته في علوم الدين وجمال الصوت في ترتيل القرآن الكريم وقد ظل في عدن طيلة حياته رافضاً العودة إلى المملكة العربية السعودية رغم انتمائه إليها بحكم مولده فيها. لكن ولده الصحفي الزميل عدنان عاد إلى المملكة حيث يقيم بعد نيله المواطنة التي تسمى «التابعية».

وللأستاذ صالح موشجي الذي كان يقيم في حافة القاضي فضل عظيم على أجيال عديدة من الطلبة. وخلال دراستي في السيله كان ولده محمد صالح زميلاً في عدة فصول إلى أن افترقنا. وبعد ذلك التقيت محمد صالح في جدة حيث عمل في أكثر من مجال قبل أن يتوفاه الله.

وهنا يتحدث الوالد رحمه الله في مذكراته عن مجموعة من الأصدقاء والمواطنين الذي عاصروه في شبابه قبل توجهه لدراسة الحقوق في الهند. يقول:

«كنت أزاول كتابة العرضحالات كل مساء بعد انتهاء واجباتي في بيت كلايتون غالب وشركاهم وكان صالح محمد مكاوي رجل القانون في عدن يذهب إليه الناس لاستشارته في القضايا المدنية والجنائية في مبرزه وبيته أمام بيت ألبس حالياً حيث كان يجتمع بأصدقائه لمضغ القات بعد ظهر كل يوم. وكان من أصدقائي أولاده معتوق ومحفوظ وعبده صالح وهم أسن مني عمراً وإن كان محفوظ يدعي أن عمره 37 سنة أطال الله بقاءه وكان بيت ألبس عبارة عن حوش كبير استعمل أياماً داراً للسينما ثم اشترى الأرض السيد محمد محسن الصافي وعمرها وأجرها على ألبس بإيجار زهيد وقد ظلت في حوزة ألبس منذ عام 1914.

«وفي حافة القطيع وحافة العيدروس وحافة العجائز تعرفت بحكم اتصالي بهم بكتابة العرضحالات بكثير من العائلات العدنية الكريمة منها بيت الموشجي وقد ظل صالح محمد موشجي صديقي الحبيب طول عمره حتى توفاه الله غريباً في كمران يؤدي واجبه، في تعليم النشأ هناك وكان علي موشجي مغنياً ممتازاً بالألحان الصنعانية ولكنه كان لا يعزف بالعود. وعرفت الشيخ محمد صالح فكري وعبدالرحمن فكري الذي كان يبادلني طوابع البريد وقد أعطيته ذات مرة طابع بريد حبشي أهدانيه الصديق ألبرت صفير عليه صورة الإمبراطورة زودتو ولكن اسمها طبع على هذا الطابع مغلوطاً «زودتي» فصارت له قيمة كبيرة وفرح به عبدالرحمن فكري وأعطاني مجموعة من طوابع بريد الشاه محمد مرزا ولا أزال محتفظاً بها. وتمكنت الصداقة بيني وبين آل فكري بواسطة تعرفي بإبراهيم فكري الذي جاء إلى عدن عام 1912 وتبعه أخوه محمود التاجر الناجح عام 1916 بعد أن زار إفريقيا الشرقية وهي ما تزال بكراً وكان عبدالرزاق محمد صالح فكري عندما شب صديق فتاة الجزيرة الأمين وكذا محمد رفيع ومحمد أمين وعبدالله وكلهم تجار هادئون لم يتدخلوا في السياسة وانصرفوا إلى أعمالهم في تجارة البن والسجاد الإيراني. وعرفت آل بوبكر عقبة وأولاده أحمد وعلي وآل باصهي عوض وعبدالله وكانت لهم تجارة وكلاء بحرية وهي تجارة لا يغتني منها إلا من بارك الله له فيها وقد خسروا فيها أكثر مما ربحوا. وقد قال أحدهم ذات مرة عن هذه التجارة إنها «بسة تأكل عيالها».

مدرسة السيلة بكريتر وقد بنيت عام 1914 بكلفة أحد عشر ألف روبية وتحولت في السبعينيات إلى متحف عسكري
مدرسة السيلة بكريتر وقد بنيت عام 1914 بكلفة أحد عشر ألف روبية وتحولت في السبعينيات إلى متحف عسكري
«وكان محمد عبدالقادر مكاوي من رجال عدن البارزين وقد تألق نجمه بعد تلك الحقبة وبعد عودة السلطان عبدالكريم إلى لحج بعد الحرب العظمى الأولى وكذا عبدالرحمن مكاوي. ومن بين التجار في عدن علي شريف وكيل بيت جمعة بهاي لالجي من أهل المروءة والطيبة وكانت له معرفة باللؤلؤ وقد اطلع مرة أحد التجار الأوروبين على جوهرتين جن بهما التاجر ودفع له فيهما مبلغاً ضخماً من المال ولكن علي شريف قال له إنهما من اللؤلؤ الياباني الصناعي وليست بجوهرتين أصليتين وكانت تلك أول مرة تصل فيها إلى عدن الجواهر اليابانية الاصطناعية ولم يشأ أن يخدعه. وكذا كان بيت علي بهاي لالجي وأولادهم أحمد بهاي لالجي وحسين بهاي لالجي وبيت هيراشند سندرجي وكان واسنجي لالجي والد ديرو بهاي مدير البيت اليوم، كاتب عرضحالات بقرب بيت حسن علي وقد توفق بعد الحرب الأولى وأثرى ثراءً كبيراً وكان بيت فانما لي فيرجي بيتاً تجارياً مشهوراً في نفس الشارع وكانت لي مع هذا البيت تعاملات تجارية نيابة عن بيت كلايتون غالب وقد انتهوا من عدن.

«أما في حافة العجائز فقد كنت أعرف بيت السيف وآل الرباطي وبيت علي مقرم واجانا وبيت باهذيلة وكان باهذيلة يعمل في شارع الزعفران ببيع الفخار ويقول إنه من هذيل وهم من قريش وبيت المغني وفي حافة العيدروس بيت عزيم وبيت عنتوت وبيت الحداد وبيت مظفر وبيت إبراهيم خان.

«وفي تلك الأعوام جاء وفد صناعي ألماني ونقل بعض الحضائين من عدن إلى برلين لتدريبهم والتعرف على صنعتهم وكان الحضاؤون يقومون بعملهم على أنوالهم العتيقة والتي ما يزال بعضهم يستخدمونها في سوق البز - القماش ومنهم حسن السيف وسعيد صوفي ولا أذكر أن البعثة التي سافرت من عدن وكان علي الرباطي رئيسها انتفعت بتلك الدورة التدريبية ولكن الألمان استفادوا من نوع النسيج المطلوب».

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى