رحلة الفرار من الوطن

> «الأيام» هشام عثمان صالح /خورمكسر - عدن

> على مدى العصور والأزمنة امتازت وتوسعت غريزة حب الذات ووضعها في المرتبة الأولى من بين جميع الأمور المتداخلة في الحياة، وخير مثال على هذا ما نراه من تنافس بين الناس لينالوا حياة طبيعية كإثبات للنفس البشرية للتمتع بما وجدت في دنياهم من معنويات تزداد إلحاحاً لتملّك شيء جديد، ولكي يتمتعوا ببعض هذه المزايا يسعون إلى خلق فرص مادية تشبع رغباتهم المشحونة بذاتهم فتراهم ينخرون في الأرض ليجنوا من مواردها ولو الشيء القليل، ولكن إذا لم تسمح لهم الفرصة في تحقيق مبتغاهم ورغباتهم في أرضهم وبين أهلهم وديارهم فإنهم بدون أي شك يقذفون إلى بلاد أخرى واسعة يرون بأنها سوف تلبي لهم ما يريدونه فيلجأون إلى الاغتراب تاركين ومخلفين كل ما هو جميل وعزيز في أوطانهم التي فضلوا أن يتخلوا عنها حبا لذاتهم وتحقيقا لرغباتهم وضمان مستقبل أفضل لهم ولأبنائهم وعائلاتهم، ولكن لا تأتي الأمور كما يتمنونها، حيث يكونون في مواجهة مستمرة مع الصعوبات التي تعيق وتشتت بعض طموحاتهم وآمالهم، وما يزيد هؤلاء حسرة وألماً ما يرونه هناك وما يرونه هنا في بلادهم، يرون المواطن ابن تلك البلد يملك السيارة ويملك المنزل بالمواصفات العالية ويملك امتيازات أخرى إلى جانب أن لديه وظيفة مرموقة ومرتبا شهريا يفوق راتب ذلك المغترب بأضعاف عندما كان مواطنا في وطنه الذي ينعم فيه الأجنبي الذي لا يختلف كثيرا عن هؤلاء الذين لهم خبرات ومؤهلات لا تحصى، ومع ذلك تراه يقتني كل ما تشتهيه نفسه بكل بساطة بل إنه قد تتوفر لديه حصانات وامتيازات تمنحه حرية تفوق حرية المواطن نفسه بينما يحدث العكس في بلاده، وفي وطن هذا الأجنبي أيا كان جنسه فإن المعاملة التي يعامل بها ابناء وطننا لا تصل حتى إلى ثلث ما يحصل عليه الأجنبي في بلادنا، فهل أصبح مواطنونا غير حائزين على جنسية وطنهم، وهل سينالون حصتهم من الحقوق والمزايا مثلما يحصل مع هذا الأجنبي؟

إن أبناء وطني هم الأحق بكل المزايا المتاحة داخل وطننا، لهم كل الحق بامتلاكها والاستفادة منها بدلا من أن تكون نسبة الاغتراب عن الوطن مستمرة بالتزايد ودون تمييز، إننا نملك كل شيء ولدينا المقومات والمصادر المختلفة التي تفتقر إليها دول كثيرة ولدينا الكفايات التي يجب أن نستغلها في محيط وطننا لا أن تستغل خارجه، فبدلا من أن نستدعي ونرسل الطلبات بحثا عن خبراء وموظفين أجانب علينا أن نقوم بالتكفل بجميع الإجراءات والتسهيلات لإقامتهم وتوفير مناخ مناسب لهم، يجب استغلال أبناء وطننا كونهم ثروة لا غنى لنا عنها.

إلى متى تهدر حقوقنا وتضيع داخل وطننا ثم في خارجه؟ وما نسمعه ونراه مما يحصل لإخواننا المغتربين في الدول التي يعملون فيها ليس بقليل ابتداءً من أجورهم وآخرها إجراءاتهم ومعاملتهم، بينما هنا العكس لمن هم في استضافة هذا الوطن الذي بطبعه يحتضن كل ما هو بعيد ليجعله قريبا، فهنا في وطننا يحدث الأسوأ إذ أن القريب والمواطن هو البعيد.. فهل فرارهم من الوطن يرضي المسئولين، وهل يستمر هذا الأمر إلى أمد بعيد؟

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى