قصة قصيرة .. الأوبئة تفتك بعبير

> «الأيام» علي الجبولي:

> قفزت من تحت الدثار، قذفت بملابسها بسرعة خاطفة وانقضت على أمها تسحبها بقوة نحو الباب:-الغرفة تدور.. السقف يقترب من رؤوسنا.. هيا نهرب قبل ما يسقط.

جذبتها أمها.. سترت عريها وأخذت تصرخ بذعر:

- أدركنا يا شفيع، أختك تهذي، الحمى تشوي جسدها.

أقبل شاب في منتصف العقد الثالث من العمر، رمق وجهها الشاحب بتأفف.. تنطع بفصحى متكلفة:

- ما بها عبير؟

- كأنك لا تعلم إنها مريضة من أسبوع وأنت منعتني من إسعافها إلى الوحدة الصحية.

- أتريدين أن يراها أجنبي! معصية والعياذ بالله.

- عبير طفلة في الثالثة عشرة من عمرها، حرمتها من المدرسة واليوم تحرم أن يراها ممرض! تريدها تموت؟ سأذهب إلى عمك.

- أتذهبين إلى بيت رجل أجنبي دون محرم؟ هذا لا يجوز. لا تؤخريني عن محاضرة الشيخ أبي صرامة المخضري، ابنتك بها مس شيطاني، بعد صلاة العشاء سيأتي الشيخ بنفسه لإخراج الشيطان.

عاد ليلاً بصحبة شاب في أواخر العقد الثالث من العمر، تنسدل فوق صدره لحية كثة، جذبها بعنف من تحت الدثار حتى أجلسها. تحسس عنقها المشتعل بالحمى، ابتلع لعابه بصعوبة ثم شرع يصفع خديها صارخاً تارة بالترهيب وأخرى بالترغيب.

- ما اسمك؟ من أرسلك؟ أخرج يا عدو الله قبل أن أحرقك.

وثب صارخاً، يا لطيف، يا لطيف! شيخ المردة تزوج البنت.

فجأة ولج رجل مهيب النظرة، ارتمت صفية تحت قدميه.

- أستاذ منير بحق الله أنقذ ابنتي من هذا العذاب.

راعه المشهد فصرخ:

- ما بها عبير؟ وهذا الرجل ماذا يفعل هنا؟

- عبير مريضة وشفيع منعني من إسعافها إلى الوحدة الصحية، واليوم أحضر هذا الرجل، قال إنه يخرج الجن.

انقض على لحية الشاب، ماذا تفعل يا دجال؟ أما كفاكم تضليل العقول بأفكاركم الهدامة حتى تماديتم إلى الدجل والشعوذة؟ صفعه بعنف. ارتمى شفيع تحت قدمي عمه متوسلاً .

- اترك الشيخ يخرج ولن يعود ثانية.

حينما استدار لركل وجه شفيع. استل الشاب مسدساً اكتظت عجلته بالرصاص، اختطفه منير بسرعة وجلد به رأسه فتهاوى. أرسل صفعة إلى وجه ابن أخيه ولدت شرراً.

- تركت كليتك يا منحرف بذريعة عدم جواز الاختلاط لتسقط في مستنقع الانحراف. عصيت أمك التي أفنت عمرها أجيرة في المزارع وبيع الحصير لتوفير لقمة لك أنت وإخوانك بعد أن غرق أبوكم في وحل الضياع.

- احملي عبير إلى السيارة

حينما كان في غرفة الطبيب، وضع الممرض أوراقاً وصور أشعة. رمقها الطبيب ثم فز راكضاً نحو الطابق الأسفل، ولما عاد سأل:

- المريضة ابنتك؟

- بنت أخي.

- لماذا تأخر تم في إسعافها؟

- ما علمت بمرضها إلا هذه الليلة. صارحني يادكتور أنا مؤمن بقضاء الله.

شرد برهة ثم قال:

- عبير فتكت بها ملاريا حادة تأخرت معالجتها فانتشرت الميكروبات في صفائح الدم الحمراء حتى دمرتها وأتلفت أجزاء من الدماغ نتج عنها إعاقة عقلية وعضوية.. مستحيل نعمل لها شيئاً.. ستعيش معاقة بقية حياتها.

دفن منير وجهه بين كفيه يغالب نشيجاً متكوماً ويجفف دمعة حارة خطت خديه، ثم غرق في غبن عميق.. عميق

25 أكتوبر2007م

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى