رجال في ذاكرة التاريخ

> «الأيام» نجيب محمد يابلي:

> الميلاد والنشأة: اللواء متقاعد محمد قاسم محمد محسن بن عليو اليافعي من مواليد عام 1930م في قرية عثارة إحدى قرى (سرو حمير) يافع في أسرة فلاحية، تزوج عائلها بامرأتين أنجبتا منه عشرة أولاد نصفهم من الذكور والنصف الآخر من الإناث، ومن الذكريات العزيزة الغالية لدى الشيخ اللواء بن عليو، وهو يقف في دائرة أسرته أن أصغر إخوته (محسن) دفعه حماسه الوطني إلى تلبية نداء ثورة 26 سبتمبر 1962، والتحق بصفوف (الحرس الوطني) وخاض العديد من المعارك البطولية، واكسبته تلك الروح حب وتقدير زملائه وقادته، وفي أثناء عودته في إجازة رسمية من صنعاء لقضائها في ربوع الأسرة، شاءت إرادة المولى عز وجل أن يكون موعد أخيه محسن مع القدر المحتوم في حادث مروري في سلطنة لحج عام 1964.

بن عليو في مشوار المعلامة وحفر الصخر بالأظافر

الشيء الجميل اللافت في اللواء متقاعد محمد قاسم عليو أنه انكب على كتابة مذكراته الخاصة في مسيرة العمر، ورد في صفحاتها الأولى أن التعليم النظامي لم يكن متاحا في أرض سرو وحمير، وعنها يقول اللواء بن عليو- أطال الله عمره ومتعه بالصحة- : «وكانت توجد في يافع سلطنتان الأولى سلطنة آل العفيفي، ويشمل حكمها يافع السفلى، والثانية سلطنة آل هرهرة، ويشمل حكمها يافع العليا، لكن أبي كان مصرا على تعليمنا فألحقني مع أخي عبدالله بالمعلامة، وكنت أتناوب مع أخي عبدالله على الذهاب إلى المعلامة يوما ليتفرغ الآخر لرعي الأغنام».

أما المشكل الآخر الذي ورد في سياق المذكرات فيتمثل في عدم توفر فرص العمل- وكان عليو في شبابه المبكر- فطرق باب تجارة جلب الحبوب من مناطق قعطبة والجليلة والضالع إلى يافع على ظهور الحمير، وذلك في أربعينيات القرن الماضي.

بن عليو في جيش محمية عدن

في 5 أغسطس 1952م أي بعد أسبوعين من قيام ثورة 23 يوليو 1952م في مصر التحق محمد قاسم محمد محسن بن عليو بجيش محمية عدن Aden Protectorates Levies (apl) وتعارف عامة الناس على تسميته بـ"الليوي".

حمل الجندي النقابي بن عليو الرقم العسكري 6909 حيث بدأ خدمته في سلاح المشاة وبعد ثلاث سنوات أي في العام 1955م انتقل بن عليو إلى الخدمة في سرية الإشارة على جهاز لاسلكي، وحصل على رتبة (جندي أول) واستمرت خدمته في سلاح الإشارة حتى عام 1959، حيث رقي في شهر نوفمبر من ذلك العام إلى رتبة رقيب أول (شاؤوش).

بن عليو ينعم بالأسس السليمة للتأهيل والتدريب

من حسن طالع محمد قاسم بن عليو والأجيال التي عايشها أو التي سبقته أو التي جاءت من بعده أنها تأسست على خلفيات سليمة، قائمة على التأهيل والتدريب، وعلى سبيل المثال حصل بن عليو على عدة دورات في سلاح الإشارة، ودورة واحدة في الاتصالات الجوية، وعلى دورة في اللغة العربية والرياضيات في جناح الثقافة في الجيش (مدرسة الجيش التي ضمت طاقم تدريس مشهود له بالكفاية والخبرة) عامي 1957 - 1958، وحصل على دورتين في اللغة الانجليزية عامي 1958 - 1966 وكانت إحداها في مدينة خورمكسر مع مجموعة من الضباط تلقوا دروسا على يد (فليت لفتننت كول).

في نهاية 1959 ابتعث محمد قاسم بن عليو من قيادة جيش محمية عدن إلى بريطانيا للدراسة في دورة ضباط مرشحين في مدرسة (مونس الدرشوت) وكانت الدراسة في مجال سلاح الدروع.

في العام 1960 تمت ترقية بن عليو إلى رتبة (ملازم ثان) وابتعث ثانية إلى بريطانيا للالتحاق بدورة صيانة وقيادة مدرعات (صلاح الدين) و(سرسن) Saladdin و Saracen.

بن عليو يصعد درجات السلم إلى رتبة وكيل قائد

لم يكن المنتسبون للقوات المسلحة والأمن يحصلون على الرتب العسكرية جزافا أو بمزاجية أو لحسابات خاصة، وإنما يحصلون عليها بدورات وسنوات خدمة، وكانوا يحصلون على الدورات في الداخل والخارج، إما في بريطانيا أو الأردن، ولو رصدنا تراتب الترقيات لدى بن عليو فقد كانت على النحو التالي:

جندي أول 1955، عريف 1957، رقيب أول 1959، ملازم ثان 1960، ملازم أول 1962، نقيب 1964، رائد (وكيل قائد) 1966، عقيد 1990، لواء 2003 بقرار رئاسي ضمن 128 ضابطا أغلبهم متقاعدون.

حصل بن عليو على كافة استحقاقاته من الرتب العسكرية بعد إكمال دورة معينة يستحق على إثرها الرتبة العسكرية التي تليها، وكان آخرها الدورة التي أهلته لرتبة رائد (وكيل قائد آنذاك).

بن عليو أول قائد سلاح للدروع في اليمن الجنوبية

تلقى محمد قاسم بن عليو اليافعي مع زملائه الضباط دورات تأهيلية وتدريبية، وترجم معارفه النظرية ميدانيا في المرتفعات والسهول والوديان، وارتقى درجات السلم الوظيفي، وبدأ مهامه القيادية في العام 1960 قائد فئة مدرعات، وعين قائد جناح تدريب المدرعات خلال الفترة 1960 - 1965، فقائد سرية مشاه لعام 1966، وتحمل مهام منصبه حتى نهاية العام نفسه، وفي العام 1967م عين الوكيل قائد (رائد) محمد قاسم عليو قائد سلاح الدروع، وعندما نالت المناطق الجنوبية استقلالها في 30 نوفمبر 1967، كان الرائد بن عليو قائد سلاح الدروع، واستمر في موقعه حتى عام 1970، وأسندت للرائد محمد قاسم بن عليو مهام قيادة سلاح الطيران خلال الفترة 1968/1969م.

عمل الرائد محمد قاسم بن عليو ملحقا عسكريا لجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية لدى اتحاد الجمهوريات السوفيتية الاشتراكية خلال الفترة 1970 - 1971، ثم ملحقا عسكريا لليمن الديمقراطية لدى جمهورية مصر العربية خلال الفترة 1971 - 1975، وكان مقيما في القاهرة، وغير مقيم في دمشق وبغداد والخرطوم.

بن عليو ينتقل من سلاح الدبابات إلى تجارة الأقمشة والكهربائيات

من أخطاء الأنظمة في دول العالم الثالث أنها تعتمد على أهل الثقة وليس على أهل الخبرة، فجرى تسريح خبرات مدنية وعسكرية أو نقل عسكريين أو أمنيين إلى السلك المدني، وكان من حسن طالع الرائد محمد قاسم بن عليو والكوادر الأخرى المدنية والعسكرية أن تراكما كميا ونوعيا تحقق لديهم في الإدارة والقيادة يضاف لذلك إجادتهم للغة الإنجليزية كتابة ونطقا، كما هو الحال عند القائد العسكري بن عليو.

تم استيعاب بن عليو في شركة التجارة الداخلية رئيسا لقسم المواد الكهربائية والورش الخفيفة عام 1977، ثم نائبا للمدير العام للمؤسسة العامة لتجارة الأقمشة والكهربائيات عام 1978، ومارس مهام منصبه في تلك المؤسسة حتى عام 1990، بإحالته للتقاعد بعد خدمة دامت 39 عاما، 27 عاما منها في السلك العسكري، و12 عاما في السلك المدني.

اللواء متقاعد محمد قاسم بن عليو من مؤسسي حركة الضباط الأحرار

ورد في مذكرات اللواء متقاعد محمد قاسم بن عليو ص5 : «إن وحدة من جيش محمية عدن(APL) بقيادة النقيب محمد الخضر عوذلي- رحمه الله- كانت ترابط في الجبل المحادي لوادي حريب الذي يقع في حدود إمارة بيحان، والمقابل لقلعة وادي حريب، وكان القائد العوذلي يراقب سير المعارك الشرسة بين قوات الملكيين المدعومين من مرتزقة أوروبيين، وبين القوات الموالية لنظام الجمهورية بقيادة الشيخ المناضل أحمد عبدربه العواضي، وكان التنسيق قائما على قدم وساق بين القائد العوذلي والشيخ العواضي- رحمهما الله- عن طريق العريف صالح عبدربه ثابت (عقيد متقاعد)».

وورد في مذكرات اللواء بن عليو: «إن حركة الضباط الأحرار تكونت في أواخر عام 1962م من مجموعة صغيرة من الضباط بعد أول لقاء عقد بين مجموعة من الضباط الأحرار، ومدنيين من حركة القوميين العرب»، ويذكر بن عليو اثنين منهم وهما الأخوان الشهيدان عبدالباري ونور الدين قاسم (رحمهما الله)».

ويضيف اللواء بن عليو أنه يتذكر جيدا أن عددا من عناصر الجبهة القومية من المدنيين كانوا سباقين في تأطير ضباط من داخل الجيش ومنهم:

علي عبدالعليم، فضل محسن عبدالله، محمد هيثم حسين، عباد ناصر حسين، حسين الجابري، أحمد ناصر الخادم.

ومن ضمن ما ورد في مذكرات اللواء بن عليو أنه تم تشكيل رابطتين تنظيميتين للجبهة القومية في عام 1965، خصصت واحدة للجيش والأخرى للأمن العام، وكان بن عليو سكرتيرا أول لتنظيم الجبهة القومية في الجيش، وكان عبدالله أحمد الخامري- رحمه الله- منسقا بين الرابطتين وبين قيادة الجبهة القومية على مستوى مدينة عدن.

الملازم عيدروس القاضي ينقل عهدا للرئيس السلال قطعه ضباط جنوبيون

في أحد الأيام من العام 1965 كان الرائد محمد قاسم بن عليو مع مجموعة من زملائه الضباط مرابطين في معسكر عتق، ومن ضمنهم الملازم عيدروس القاضي، قائد فئة المدرعات الذي قدم طلبا بإجازة رسمية سنوية يقوم خلالها بزيارة صنعاء، لينقل عهدا خطيا من عدد من الضباط بالوقوف إلى جانب ثورة 26 سبتمبر، ومن أولئك الضباط الرائد فضل الميسري والرائد محمد قاسم بن عليو.

وتمكن الملازم عيدروس القاضي من نقل العهد إلى الرئيس السلال، والتحق القاضي بسلاح الدروع، قائد سرية دبابات الحرس الجمهوري بصنعاء، وترقى إلى رتبة رائد، ثم استشهد في مسقط رأسه (درب ذي ناعم).

الضباط الأحرار يرفضون الدمج القسري

كما ورد في مذكرات اللواء متقاعد محمد قاسم بن عليو: «أن اجتماعا لرابطتي الجبهة القومية في الجيش والأمن العام عقد في 21 يناير 1966م رأسه عبدالله الخامري- رحمه الله- باعتباره المسئول عن تنظيم الجيش والأمن من قبل الجبهة القومية، وأصدر المجتمعون قرارا أدانوا، بل ورفضوا فيه قرار الدمج الذي شمل الجبهة القومية ومنظمة التحرير في 13 يناير 1966، وشارك في الاجتماع من الجيش:

المقدم أحمد محمد بلعيد، الرائد محمد أحمد السياري، الرائد صالح محمد زنجبيلة، الرائد محمد قاسم بن عليو (سكرتير أول لتنظيم الجيش) الرائد عبدالله محمد السعدي.

فيما شارك من جانب الأمن العام:

العقيد عبدالله صالح سبعة، المقدم سالم أحمد عتيقي، المقدم عبدالله علي مجور، المقدم عبدالله أحمد عتيقي، المقدم محمد صالح لبرفي، العقيد الصديق أحمد.

ابن عليو في المعمعة: نكسة حزيران وواقع (أم الصبيان)

عكست نكسة 5 حزيران 1967م ظلالا قاتمة على كل الوطن العربي من خليجه إلى محيطه، وكانت عدن ومحمياتها الشرقية والغربية إحدى الساحات الملتهبة على المستوى القومي، وأحداث 20 يونيو 1967، وكان مسرحها الرئيس (معسكر أرم بوليس) بكريتر، وأصبح المعسكر يعرف بعد الاستقلال بـ (معسكر 20 يونيو) وجاء المنتصر بعد 7 يوليو 1994م إلى العبث بتغيير اسم المعسكر إلى (معسكر 7 يوليو) دون اكتراث لتاريخ هذا المعسكر وقيمة ذلك اليوم، وهو دليل على تجرد المنتصرين من الحِسَّين الوطني والقومي).

من تداعيات ذلك الحراك طلب القائد العسكري البريطاني (واي) من وزير الدفاع الاتحادي السلطان فضل بن علي العبدلي- رحمه الله -إبعاد الضباط التالية أسماؤهم واستبدالهم بضباط آخرين:

العقيد محمد سعيد يافعي قائد جناح التدريب، العقيد أحمد محمد بن عرب قائد المنطقة الغربية، العقيد حسين عثمان عشال قائد المنطقة الشرقية، العقيد حيدر صالح الحبيلي أركان إدارة التموين، المقدم ناجي عبدالقوي محلاي قائد الكتيبة الأولى، المقدم سعيد أحمد عوذلي قائد الكتيبة الثالثة الضالع، المقدم سالم عبدالله عبدلي قائد الكتيبة الرابعة العند، المقدم عبدالله علي ميسري قائد الكتيبة الخامسة عتق، المقدم أحمد محمد بلعيد قائد سلاح الإشارة، المقدم مهدي يسلم عشيش قائد الكتيبة الثانية.

يضيف اللواء بن عليو في مذكراته ص 15: «إن تسارع الأحداث حتم عقد اجتماع طارئ في منزله بحي القاهرة أحد ضواحي مدينة الشيخ عثمان في 19 يونيو 1967م حضره 23 ضابطا من ممثلي الوحدات العسكرية الموجودة في عدن، واتخذوا قرارات لصالح الضباط الموقفين، وكلفوا الضباط التالية أسماؤهم بالتواصل مع الأخوين فيصل عبداللطيف الشعبي وعبدالله الخامري- رحمهما الله- في الخامسة من نفس اليوم في عمارة المقدم أحمد محمد بلعيد بمدينة المنصورة، والضباط المكلفون هم: المقدم أحمد محمد بلعيد، الرائد صالح محمد زنجبيلة، الرائد محمد أحمد السياري، الرائد محمد قاسم عليو.

أمام تداعيات قرار طرد الضباط الأحرار أدرك السلطان فضل بن علي العبدلي، وزير الدفاع الاتحادي خطورة الموقف واستدعى العقيد حيدر الهبيلي والعقيد محمد سعيد يافعي والعقيد أحمد محمد بن عرب والعقيد حسين عثمان عشال إلى وزارة الدفاع، وأبلغهم قراره بإلغاء قرار طرد الضباط العشرة، وعودتهم إلى مواقعهم وممارسة مهام أعمالهم السابقة».

اللواء بن عليو يتقاعد عن عمل الدولة ولم يتقاعد عن خدمة المجتمع

المعطيات المتاحة عن اللواء محمد قاسم بن عليو تفيد بأنه على مشارف الثمانين عاما من العمر، وما أحوج الإنسان في هذا السن إلى الراحة، إلا أنه- أطال الله عمره ومتعه بالصحة- آثر مواصلة خدماته مع المجتمع بعد أن خدم الوطن 39 عاما.

أبلغني د. محمد حسين حلبوب، أستاذ الاستثمار والتمويل المساعد بكلية الاقتصاد جامعة عدن «أن اللواء بن عليو يوثق كل ما من شأنه خدمة الصالح العام بمدينة الشعب بكل مفرداته: متنفسات وطرقات وخدمات.. إلخ، ويتابع أولا بأول مع الجهات المختصة بتوظيف الأرض لخدمة المجتمع وليس للتجارة أو السمسرة.

اللواء بن عليو أيضا عضو مجلس أولياء الأمور في مدرسة الشعب النموذجية للبنات بمدينة الشعب، وهو من مؤسسي جمعية المفلحي الخيرية قبل عام 1997، وكان في ذلك العام من مؤسسي الجمعية الخيرية اليافعية، وعضوا في أول هيئة إدارية لها، وهو أيضا وكيل جمعية يحيى عمر الثقافية، ويتابع حاليا التحضير لبناء مقر الجمعية.

اللواء محمد قاسم بن عليو متزوج وله 3 أولاد، الذكور منهم اثنان هما: عارف وعبدالسلام وبنت واحدة.

استدراك

الفقيد عبدالله سبولة وسيدتان فاضلتان

كان الفقيد محمد باهارون (سبولة) أحد شخصيتي الحلقة السابقة لرجال في ذاكرة التاريخ، وفاتنا الإشارة إلى أن زوجته الأولى: الفاضلة فوزية أحمد حسين أنجبت منه: وجدي مهندس في طيران اليمنية، وضرام عضو محلي مديرية صيرة، رئيس لجنة الخدمات. وأن زوجته الثانية الفاضلة والمناضلة فاطمة عبدالباري محمد- رحمها الله- من الكوادر السابقة في البنك الأهلي اليمني أنجبت منه: عاصفية، وهي جامعية، خريجة اقتصاد، ورعد مهندس إلكترونيات.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى