وادي عمد

> علي الكثيري:

> كنت هناك، حيث لاتصل (كيمرات) التلفزة، وحيث لاتمر مواكب أصحاب المعالي والسعادة وزرائنا المنعمين، وحيث لايصل صخب ساستنا المعارضين المكايدين.. كنت هناك في كنف (وادي عمد) المسيج بالجبال، غرب حضرموت، حيث (مسقط الرأس) و(مراتع الصبا)، وحيث أمجاد الرجال الممتلئين شهامة وبأسا وكرما.. كنت هناك حيث بعض أهلي ودياري وربعي بعد أن اقتنصت فرصة لقضاء خمسة أيام بلياليها، تحسست خلالها بعض هموم حياتهم، وبعض مكامن الوجع المؤرقة لنهاراتهم، وبحثت في ثناياهم عن ما بقي من نبض لتطلعاتهم وآمالهم، بعد زهاء العامين من الغياب الجسدي عن عوالمهم.

نعم، وجدت طريقا إسفلتيا ممتدا على طول الوادي، أجزم أنه قد أزاح عن تواصل أهلنا هناك مشاق الطريق الترابية الوعرة المرصوعة بالحجارة، وقرب المسافة بين مديريتهم وغيرهم من مديريات ومدن المحافظة، لكنني لم أجد لـ(الكهرباء) إلا ذلك الحضور الليلي ولسويعات معدودة، وهو وضع لم يطرأ عليه أي تغير أو تحسن منذ سنوات طويلة، على الرغم من توجيهات رئاسية صدرت قبل عامين، لتنفيذ مشروع ربط المديرية بكهرباء (وادي حضرموت)، وبموازاة ذلك وقفت على حالة من التذمر والامتعاض، ما فتئت متنامية بين جموع المواطنين هناك، تجاه ضعف أداء المجلس المحلي والإدارة المحلية بالمديرية، فقد حدثني عدد من مواطني الوادي عن التدهور الحاصل في الخدمات الصحية، مشيرين بشكل محدد إلى أن (المركز الصحي) بعاصمة المديرية (عمد) في وضع يرثى له، خاوٍ على عروشه، تنعدم فيه أبسط الضرورات الإسعافية والعلاجية، رغم المخصصات المالية غير القليلة التي يتم صرفها شهريا للمعنيين هناك، والتي تكفي لتشغيله على نحو مقبول، إذا ما جرى استغلالها بصورة أمثل، وقص لي عدد من المواطنين هناك (حكايات) عجيبة عن (مشاريع) ترميم وتسوير لبعض المدارس، تم إسناد تنفيذها لـ(مقاولين)، بمبالغ خيالية تفوق أضعافا مضاعفة تكاليفها الحقيقية، وبصورة تبتعد تماما عن أصول (المناقصات) وقواعدها التنافسية.

يبقى أن أشير إلى أن ما آلمني وأفزعني هناك، هو ذاك المشهد الذي تبدو في ثناياه (بنادل) القات، وقد اتخذت لويلاتها أسواقا بين جنبات هذا الوادي، بينما تبرز بموازاة ذلك، حالة انبعاث لجهالة (الثارات)، ولهوس استخدام السلاح في التعاطي مع المنازعات، وهي حالة تجاوز الوادي وأهله سعيرها منذ أكثر من ستين عاما، وفي كل هذا وذاك ما يدعو للألم والفزع، وما يوجب تحرك عقلاء (وادي عمد) وحكمائه للفكاك من تلك الويلات، وللجم ذلك الهوس.. ولله الأمر من قبل ومن بعد.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى