في ندوة تسرب الفتيات من المراحل الأساسية والعزوف عن التعليم في المراحل الأخرى بوادي حضرموت .. مدير عام التربية والتعليم بالوادي:نتداعى اليوم لنجدة المجتمع من ظاهرة تستهدف بناءه الثقافي والفكري والاجتماعي

> «الأيام» علوي بن سميط

>
شدت ظاهرة تسرب الفتيات من المدارس في المراحل الأساسية الأولية والانتباه، إذ عملت وزارة التربية والتعليم مكتب وادي حضرموت والصحراء ورجال التعليم على الوقوف أمامها بعد أن تزايدت أيضا أعداد الفتيات الذي يتراجع وينحسر للمواصلة في المراحل الأعلى ومنها الثانوية على الرغم من ازدياد أعداد المدارس وإنشاء مدارس خاصة بالبنات اساسية وثانوية بنات في ثمود .

ثمة عوامل ساعدت على كبح تعليم الفتاة خلال العشر سنوات الماضية بوادي حضرموت الذي اشتهر بل كان رائدا في تعليم الفتاة منذ عشرينيات القرن الماضي.

اليوم قد تكون العوامل الاقتصادية والمعيشية سببا وكذا الزواج، إلا أن ذلك لايشكل سببا رئيسيا لتزايد التسرب من الصف الرابع الابتدائي مقارنة أيضا بعوامل مشجعة كالمبنى المدرسي وتوفير المواصلات وتزايد أعداد المعلمات في الوقت ذاته فإن تلك الفتيات المتسربات أو المنسحبات يتجهن للمساجد للدراسة شبه انتظاما وهو الملحوظ في عموم المديريات وتنفق على هذا الأسلوب جمعيات دعوية وأهل الخير من خارج البلد.

هذا الأمر لم تقترب منه أوراق العمل بصورة مباشرة في ندوة تعليم الفتاة بوادي حضرموت التي نظمتها إدارة التربية، لكن المتداخلين أشاروا للموروث والعادات والتقاليد كأحد الأسباب ومادام تدني تعليم الفتاة وعدم الإقبال كظاهرة بدأت تتفشى خلال عشر سنوات وقليلا فقط، فإن الأمر يحتاج للغوص والتعمق أكثر في معوقات تعليم الفتاة في حضرموت والتي تناولتها الندوة الثلاثاء الماضي وحضرها تربويون مخضرمون واختصاصيو تعليم وتربية وأساتذة ومديرو مدارس وقيادات حكومية ومدنية، وكذا الأساتذة أحمد جنيد الجنيد، وكيل المحافظة لشؤون مديريات الوادي والصحراء، والذي حضر كامل أعمال الندوة، فهد الأعجم الوكيل المساعد، أ.د.محمد أحمد فلهوم، مدير عام التربية والتعليم بالوادي والصحراء، د.عبدالوهاب عوض كويران، مدير مركز التطوير الأكاديمي بجامعة عدن، الذي ساهم في الإشراف على المداخلات ومناقشتها مع المتخصصين منذ أشهر د.صالح عوض عرم، أكاديمي سابق متمكن المدير العام لمؤسسة حضرموت للتنمية البشرية حاليا، والذي قدم ورقة بعنوان (رؤية مستقبلية لمعالجة تدني التحاق الفتاة بالتعليم وتسربها من المدرسة).. بدأت الفعاليات بكلمة مدير التربية بالوادي وكلمة السلطة المحلية وكلمة موجهة للندوة عن فتيات وادي حضرموت ألقتها الطالبة نور حبشي السقاف، كما استعرض فيلم خاص بالندوة بعنوان (أحلام نور) أخرجه خالد رمضان، وجود الأوراق العلمية، وهي نوعية ضمت في كتاب وزع قبل الانعقاد، وفيه تحليل لمحاولة الاقتراب من هذه المشكلة وتشخيصها إذ تقدم أ.محمد عمر حسان، بورقة تعليم الفتاة في وادي حضرموت دراسة تحليلية، أ.حسن عمر جواس، بورقة المعيقات لاستمرار الفتاة، د.صالح عرم، رؤية مستقبلية لتعليم الفتاة، أ.فاطمة حسين الحبيشي، نماذج من إسهامات منظمات المجتمع المدني في تحفيز ودعم تعليم الفتاة بوادي حضرموت .

الكل ناقش هذه الظاهرة وكأنهم بهذا يستلهمون مواضيعهم من القول الشعري المأثور: علموني فصلاح النشئ بي

وأبدأوا بي قبل تعليم الأب

أ.د.محمد فلهوم: هذه ظاهرة تستهدف المجتمع !

تحدث في مقدمة الأوراق العلمية المدير العام للتربية أ.د. محمد فلهوم مستعرضا لمحات تاريخية من ريادة وادي حضرموت في تعليم الفتاة وانتشاره بقوله «هو حق يستحق الحفاظ عليه .. واليوم وبعد مايقارب على بلوغ المائة عام من تعليم الفتاة في الوادي تشير الاحصائيات والدلالات إلى أنه يعاني من مجموعة من الإشكاليات الناشئة عن مفاهيم اجتماعية وثقافية واقتصادية أثرت على تعامل المجتمع مع قضية تعليم الفتاة ولوحظ التأثير من خلال ظهور فجوة رقمية ملحوظة في إحصائية الفتيات الملتحقات بالتعليم النظامي، ازدياد عدد المنسحبات من الفتيات من التعليم في الصفوف المتقدمة في التعليم الأساسي ومايعنيه هذا الاختلال هو أن تعليم الفتاة ينحصر بناء على التأثيرات في اكتسابات مهارة القراءة والكتابة دونا عن بقية العلوم والمعارف .. لهذا فإننا اليوم نتداعى تداعيا حضاريا لنجدة المجتمع من ظاهرة تستهدف بناءه الثقافي والفكري والاجتماعي»، وذكر أ.د.. فلهوم أن فكرة مناقشة هذا الوضع بصورة علمية ومنهجية بزغت منذ إبريل 2007م بعد قياس ومتابعة فريق من التوجيه الفني بالمكتب حول تناقص وتسرب أعداد الفتيات بكثرة مما حدا بالتربية بالوادي أن تعد لمناقشة هذه الظاهرة ومراقبتها خلال عامين وإعداد تقارير تقيمية خصوصا وأن إحدى المدارس بدأ بمستوى تسرب من الصف الخامس ليصل في العام الذي يليه بأن يصبح الصف السادس من ذات المدرسة (صفر) لتنتهي حياة التعليم للفتاة، ومن هنا جاءت الفكرة .. وكانت هذه الندوة التي تؤسس للجهود الرسمية والمجتمعية لكافة هذه الظاهرة.

أ.محمد حسان، كانت ورقته من أهم الأوراق لاعتماده على منهجية علمية في بحثه للمشكلة وعززها بالبيانات الإحصائية والاستبيانات مع كافة شرائح المجتمع وعينات من الفتيات والأسر والمدارس وأئمة المساجد والمثقفين والمعلمين إلى جانب المستويات العلمية والعمرية والمناطق البدوية والريفية والحضرية بكل مناطق وادي حضرموت والصحراء.

وأظهرت ورقة أ.حسان التي تضمنت جهدا علميا والتي فتحها وساهم في توفير طريقة منهجها د.عبدالوهاب كويران، من جامعة عدن، اقترب حسان في فقرة استخدام اختبارات (T) أو التباين الأحادي، وكذا بناء على الجداول والإحصائيات والأسئلة بظهور المسببات في عدم قدرة الأهل على تحمل أعباء مالية لتعليم بناتهم العادات والتقاليد لاتشجع على التعليم، عدم وجود مدارس متخصصة، بعد المدرسة عن البيت، عدم رغبة الأهل وربط الفتاة بواجبات منزلية، ذكر أن التعليم غير مفيد للفتاة بحسب ماذكره المبحوثين (من وقع عليهم البحث)، تفضيل الأهالي الالتحاق بالكتاتيب ..وبعد التحليلات التي وردت في دراسته يضع في خلاصة وتوصيات الورقة يرى أن مشكلة تعليم الفتاة اختلف من منطقة لأخرى بالوادي ووفقا لظروف كل منطقة إلا أنه يقول «إن المشكلة عموما هي محددة في مايلي : فعلا ضعف التحاق الفتيات بالتعليم،تسرب الفتيات من التعليم، ازدواج المشكلة (أي ضعف التحاق وتسرب أيضا)، ووضع مقترحات من شأنها تخفيف حدة المشكلة لتعليم الفتاة بالوادي من أبرزها : تأنيث تعليم الفتيات في جميع المراحل بتأنيث الهيئات التدريسية، توحيد جهود التربية ومنظمات المجتمع المدني والسلطة من حيث بناء مدارس خاصة للفتيات خصوصا في المناطق التي لايزال الاختلاط قائما فيها، تبني مواصلة الفتيات للتعليم الجامعي، توفير فرص عمل للفتاة عقب تخرجها من الثانوية، تنظيم برامج توعية للأهالي بمايساعد على تخليهم عن بعض التقاليد التي ترفض تعليم الفتاة دون إبداء أي أسباب».

أما الأستاذ.حسن جواس، لخص دراسته في (أن هناك عوامل مجتمعة مسؤولة عن ضعف استمرار الفتاة في التعليم، ربما يختلف ترتيبها أو أهميتها من وجهة نظر هذه الشريحة أو تلك)، وعلى الرغم من تدني تعليم الفتاة فإن جواس تعرف على آراء (1380) من الآباء والأمهات ظهر له أنهم يشجعون أو لهم مواقف تشجيع على تعليم الفتاة إلا أن 12 % منهم لايشجعون تعليم الفتاة بوادي حضرموت، كما ظهرت له مستويات من قناعة الأهل لتعليم بناتهم، إذ يصف تدني مستوى الوعي الثقافي والاجتماعي أظهر أن بعض الأهالي لديهم رفض أو الممانعة لاستمرارية تعلم بناتهم، وحدد مسببات ذلك منها اعتقاد البعض بأن البنت إذا تعلمت ربما يدفعها ذلك لتخطي الحدود والوقوع في أمور تخالف قواعد مجتمعها، وآخرون يرون أن ماتقدمه المعلامات والكتاتيب كافيا لبناتهم ولاحاجة للاستزادة، وعموما فإن الورقة العلمية للأستاذ جواس أسهبت على تحديد المشكلة، بل ركز على العوائق التي أدت إلى بروز هذه الظاهرة بالوادي ..

د.صالح عوض عرم، جاءت ورقته مباشرة لوضع رؤيا مستقبلية مع وضعه لمسببات الظرف الحالي، ولكي لاتتعقد هذه المشكلة أو يتلاشى ويتدنى تعليم الفتاة فإنه وضع ملامح لرؤيته تجاه هذه الأزمة وفصلها بشيء من الواقع والطموح واضعا عوامل لنجاح المستقبل في الرفع من تعليم الفتاة، وجاءت ورقته شاملة، بل كما قال الكثير من التربويين وقادة منظمات المجتمع بأنها شخصت حجم المشكلة ومعالجتها في إطار منظومة متكاملة تبدأ بالمجتمع والتشريعات والأسرة والثقافة والقيم والمناهج والاستزادة من خبرات ماسبق في هذا المضمار أو تجارب البلدان، إذ يذكر د.عرم في وقته : «إن النظام التعليمي الحالي في الجمهورية وبما يلمس في الواقع بحاجة إلى تقييم علمي وموضوعي مسؤول ولمعرفة إلى أي حد بالفعل يفضي غلى مخرجات تلبي حاجة المجتمع» ، وفي الاستخلاص العام في ختام الورقة ماذكره د.عرم أو بعضا مما جاء : «إن المسائل القيمية التي نواجهها بالغة العمق وشديدة التأثير وقد تصبح مهددة للنسيج الاجتماعي إن لم ننبه لها وأن النكوص في تعليم الفتاة يعتبر عار في القرن الحادي والعشرين».

أما دور المجتمع في مؤسساته الأهلية، فقد تطرقت إليه فاطمة الحبشي، التي وضعت نماذج من جمعيات خيرية ومنظمات أجنبية ساهمت مباشرة أو بوسيلة ما في الدفع بعملية نمو تعليم الفتاة بوادي حضرموت كجمعية النهضة الاجتماعية بسيئون، جمعية رعاية الطالب بتريم، جمعية حضرموت الخيرية بشبام، جمعية المرأة بالقطن، شبكة منظمات المجتمع، جمعية حورة الخيرية، جمعية حريضة ، جمعية المرأة الريفية بالسوم، البنك الدولي، المشروع اليمني الألماني، منظمة سول، وماتطرقت إليه الورقة تفاوتت هذه النماذج حول حجم الدعم وطرائقه وشكل مساهمته .

بعد ذلك :

يحتاج الوقوف أمام هذا التراجع، كما نرى نحن في «الأيام» باعتبارنا مشاركين في هذه الندوة ودراسة كيفية العودة بما كان عليه وادي حضرموت من مركز متقدم في تعليم الفتاة ودعوة المجتمع جمعية في رؤية واحدة، وكذا الابتعاد عن الهمس الذي يبديه بعض الناس الذين لهم مآرب قد تبدو بعيدة اليوم، ولكنها ترمي لشطب تعليم الفتاة بوادي حضرموت جراء أفكار منغلقة تنظر بعين متشددة إزاء تعليم الفتاة!

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى