في معسكر لـ(القاعدة).. ملاحظات على دولة الخلافة في جنوب اليمن

> المحفد «الأيام» يارا بيومي ومحمد غباري:

> للوهلة الأولى يبدو من حسن الخط المدون به الكلام بالحبر الأزرق أنه قد يكون مأخوذا من كراسة مدرسية.
وإذا فتحت الصفحات التي التصق بعضها ببعض بالرمل والماء سيتضحلك أن الدفتر يخص أحد المتشددين من تنظيم القاعدة.
يغطي الدفتر المتروك وسط أحراش في جبال جنوب اليمن كل شيء من مبادئ الإغارة "المفاجأة وقوة النيران والروح الفدائية والسرعة في الاداء" إلى الهدف النهائي المتمثل في إقامة دولة إسلامية تحكمبالشريعة الإسلامية.
الدفتر الذي يحمل اسم أبو الدحداح التعزي بخط أحمر في صدرالصفحة الأولى من بقايا ما وصفه محافظ يمني بأنه معسكر لقياداتتنظيم القاعدة في جزيرة العرب.
في مايو أيار زار صحفيان من رويترز المعسكر الذي أصبح مهجوراالآن. ووصف بعض السكان المحليين في مدينة المحفد القريبة منالمعسكر كيف تحملوا وجود مئات من المتشددين ثلاث سنوات.
وفي ابريل نيسان وبعد أن نشر المتشددون على الإنترنت فيديويتباهون فيه بوجودهم جاء هجوم الطائرات الأمريكية بدون طيار والجيشاليمني. وقال الأهالي إنهم طلبوا عندئذ من المقاتلين الرحيل.
وتبين قصة المعسكر مدى عمق وجود مقاتلي القاعدة في جنوب البلادالنائي الفقير.
وقال الشيخ ناصر الشامي الزعيم القبلي في المحفد إنهم لميدركوا أنهم بهذه الكثرة حتى الليلة التي رحلوا فيها جميعا. وأضافأنهم رحلوا مع اسرهم في أكثر من 60 أو 70 سيارة.
ويقول مسؤولون يمنيون إن أمير خلية المحفد في تنظيم القاعدة فيجزيرة العرب يمني من المنطقة يدعى علي بن الاقرع وقد توفي فيما بعدمتأثرا بجروح أصيب بها خلال الهجمات وفق ما قاله مسؤول وصف الخليةبأنها أنشط خلايا التنظيم وذكر أنها مسؤولة عن عمليات عديدةاستهدفت الجيش ومنشآت النفط والغاز.
وفي الشهر الماضي قال الجيش اليمني إن 500 متشدد و40 جندياقتلوا منذ شن الهجوم على هذه المجموعة في ابريل نيسان.
وقالت السفيرة البريطانية لدى اليمن جين ماريوت إنه يجبالإشادة بالحكومة اليمنية لاستهدافها التنظيم لكنها نبهت إلى ضرورةتنفيذ الحملة "بالاسلوب الصحيح حتى يمكن أن تتواصل."
وحتى الآن نجحت الهجمات المماثلة للهجوم الذي شنته قوات الجيشقرب المحفد في تشتيت المعسكرات. لكن يبدو أن المقاتلين انتقلواببساطة إلى مناطق أخرى في البلاد.
وفي الأيام التي أعقبت رحيل المقاتلين عن المحفد أغار مسلحونمن تنظيم القاعدة في جزيرة العرب على بنوك محلية في محافظة حضرموتعلى مسافة 480 كيلومترا تقريبا فيما يشير إلى إمكانية تحركهم دونأي عوائق. وقتل 27 شخصا على الأقل في ذلك الهجوم الذي كان واحدا منعدة هجمات في مختلف أنحاء البلاد من بينها هجوم على القصر الجمهوريفي الشهرين الماضيين.
وقال عبد الغني الإرياني أستاذ العلوم السياسية "إن استخدامالجيش ضد القاعدة له فائدة محدودة للغاية وبوسع القاعدة أن تتكيفمعه. الأمر أشبه بمطاردة ذبابة بمطرقة. ليست فعالة."
وقال إن تنظيم القاعدة في جزيرة العرب تراجع للمكانة الثانيةوراء تنظيم الدولة الإسلامية الذي خرج من عباءة تنظيم القاعدة لكنهسيظل يمثل تهديدا دوليا خطيرا.
وأضاف "أهميته تتمثل في أنه حصل على الوقت الكافي لاختراقالمجتمعات المحلية وترسيخ وجوده."
* معجون أسنان وأدوية
في أوائل عام 2009 اندمج فرعا السعودية واليمن من تنظيمالقاعدة ليشكلا معا تنظيم القاعدة في جزيرة العرب.
مول التنظيم نفسه من خلال أساليب من بينها الخطف إذ قالتبريطانيا في العام الماضي إنه حصل على نحو 20 مليون دولار فدىلمخطوفين فيما بين عامي 2011 و2013. كما دبر التنظيم مؤامرتينفاشلتين لمهاجمة أهداف أمريكية.
وفي الأسبوع الماضي قالت مصادر بالأمن القومي الأمريكي إنتنظيم القاعدة في جزيرة العرب ضالع في مؤامرة لتطوير متفجرات يمكنتمريرها في المطارات دون أن تكتشف.
وتظهر قصة المحفد قدرة الجماعة على العيش إلى جانب المجتمعاتالمحلية. فعدد سكان المدينة يبلغ نحو عشرة آلاف نسمة وهي تبعد أكثرمن 400 ميل عن العاصمة صنعاء ويستغرق السفر إليها من مدينة عدن فيالجنوب رحلة مرهقة تمتد خمس ساعات عبر جبال موحشة وأشجار السنطوصخور بركانية.
ويقف قبر صخري ضخم على الطريق إلى المحفد شاهدا على غارةبطائرات أمريكية دون طيار عام 2009 أدت إلى مقتل العشرات وزادتتعاطف القبائل مع رجال تنظيم القاعدة في المنطقة. وعلى امتدادالطريق رسمت أعلام القاعدة السوداء على عدد قليل من المبانيالبسيطة والتكوينات الصخرية.
وفي عام 2011 وعقب احتجاجات أدت للاطاحة بالرئيس اليمني عليعبد الله صالح استولى مقاتلو القاعدة على مساحات من جنوب اليمنوأسسوا إمارات إسلامية. وشن الجيش اليمني حملة لابعادهم لكنه لميقترب من المحفد.
وتخرج مساحات كبيرة من البلاد عن نطاق السيطرة الحكومي. ويواجهنصف سكان اليمن تقريبا البالغ عددهم 25 مليون نسمة الجوع. كمايعاني البلد من نقص المياه والوقود وانقطاع التيار الكهربائي يوميابالاضافة إلى الفساد المتوطن.
وفي المحفد يعيش السكان على رعي الأغنام وتربية النحل. ويجلسالشبان العاطلون يمضغون أعواد القات وقد وضعوا بنادق الكلاشنيكوفعلى أكتافهم.
وقال جمال العقل محافظ أبين التي تقع فيها المحفد إنه نظرا"لبعد المحفد وحجم وجود الدولة في تقديم الخدمات ربما غرر بالبعضمن أبناء المنطقة (وقيل لهم) أن القاعدة ممكن أن تعمل لكم وتعمللكم... المنطقة كانت محرومة وكانت معزولة تماما."
وعادة ما كان المقاتلون الذين تميزهم لحاهم وشعرهم الطويليأتون للمدينة للتزود بالمؤن من السلع الضرورية وكذلك من أجل تجنيدالصبية.
وقال أهل المدينة إن أغلب المقاتلين من السعودية واليمن لكن لميغامر بدخول المدينة سوى اليمنيين ممن لهم أسر في المحفد.
وقال الزعيم القبلي الشامي إن المقاتلين لم يسببوا أي مشاكلولم يختلطوا بأحد في معظم الأحيان.
وقالت السفيرة البريطانية ماريوت "القاعدة كانت في غايةالمهارة في جعل نفسها جزءا من نسيج المجتمع في مناطق من البلاد."
ويقع المعسكر على مسافة بضعة كيلومترات على جبل في واديالخيالة. وخلال زيارة في الآونة الأخيرة اهتزت ورقة تحمل شعار علمالقاعدة الأسود بين الشجيرات. وتناثرت حولها أكياس زيت الصويا لنوعشائع من أنواع الشعرية سهلة التجهيز وعلب التونة وقطع الشيكولاتةوأنبوب فارغ لمعجون أسنان وكذلك ملابس تركها أصحابها وعلب أدويةوعلاج لعسر الهضم ومحاقن.
إلى جانب ذلك كميات كانت توجد من التمور السعودية والريالاتالسعودية تشهد كلها كما قال العقل محافظ أبين على الصلات القويةالتي تربط فرع القاعدة في اليمن بالمملكة.
وصانع القنابل لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب ابراهيم العسيريسعودي الجنسية. وقد توفي شقيقه في عملية انتحارية فاشلة لاغتيالوزير الداخلية السعودي الحالي الأمير محمد بن نايف عام 2009.
وأبدى أهل المنطقة عدم رضاهم عن وجود الغرباء وأوضح العقل أنوجود مقاتلين محليين أمر يمكن تفهمه.
وقال العقل "احنا تفهمنا إنه قد يكون من أبناء المنطقة منالمحفد ممن انخرطوا في القاعدة ... لكن أن يأتي ناس من مناطق أخرىويأخذوا من المحفد نقطة تحرك نحو أعمال إرهابية أمر غير مقبول."
وقال إن صوماليين ظهروا على الساحل يسألون عن الطريق إلىالمحفد. ويبعد الصومال مسافة قصيرة بالمراكب عبر خليج عدن.
وقال "تقريبا تم تدمير ما يقارب من عشرة أطنان من المتفجراتوأكثر من 180 لغما ويمكن 150 عبوة ناسفة."
وقال العقل إن المعسكرات كان بها نظام متطور للري وغرف مكيفةالهواء.
* حصار من فوق ومن تحت
وفي أواخر مارس آذار نشر المقاتلون مقطع فيديو عن تجمع كبيرلتنظيم القاعدة ظهر فيه مئات المتشددين وهم ينشدون ويحتلفون دون أيمشاعر انزعاج فيما يبدو في المعسكر الواقع خارج المحفد. ووصف عقلمقطع الفيديو بأنه "مستفز جدا".
وفي ابريل نيسان هاجمت طائرات أمريكية دون طيار أهدافا في أبينوفي محافظة شبوة القريبة منها وتعد معقلا آخر لتنظيم القاعدة فيجزيرة العرب. وتبع ذلك هجوم الجيش اليمني. وقال عقل إن اشتباكاتعلى طريق عدن المحفد أسفرت عن مقتل تسعة جنود على الأقل.
وساد الفزع بين سكان المنطقة. وقال شيوخ المدينة لمسؤولي الجيشإنهم سيطلبون من المقاتلين الرحيل حتى يتجنبوا القتال.
وقال الشامي إنه قال لرجال تنظيم القاعدة أنهم محاصرون وأن أهلالمحفد محاصرون معهم موضحا أن هناك عملية في المحفد وعملية في أبينوأن القاعدة في المنتصف ومعها المدنيون.
وأضاف أنه قال لهم "نحن مواطنون ولا نقدر أن نتحمل هذا. نحنمحاصرون من فوق ومن تحت."
وسمح لاعضاء القاعدة من سكان المنطقة بترك الجماعة والعودةلبيوتهم. وقال العقل انه كان هناك شرط واحد هو أن يتعهدوا للشيخبعدم القتال في صفوف القاعدة بعد ذلك.
ويشعر كثير من سكان الجنوب في اليمن بأن الحكومة أهملتهم لكنهميرفضون في الوقت نفسه ايديولوجية القاعدة المتطرفة. وقال عبداللطيف السيد من جعار الواقعة على مسافة 150 ميلا من معسكرالمقاتلين إنه أيد في البداية تنظيم القاعدة في جزيرة العرب عندماسيطر على منطقته في عام 2011 لأن الدولة "كانت تضطهدنا" وبسببالبطالة. وأضاف "لم نكن نعرف شيئا عنهم."
لكن أساليب التنظيم روعته.
وقال السيد "كانت نواياهم أن يقاتلوا الجيش باسم القاعدة لاكتمرد شعبي." وأضاف أنه وضع نظارة شمسية داكنة لاخفاء إصابة فيالعين مني بها في هجوم لاغتياله شنه تنظيم القاعدة.
وأضاف "لم نتوقع قط أن نذبح جنديا أو نشاهد رجلا يشنق. فقبل أننكون مسلمين نحو عرب ولدينا عاداتنا وتقاليدنا. أما هم فقتلواالأسرى وقتلوا النساء. ليس لديهم أي رحمة."
* الدليل
ويتضمن الدفتر الذي تركه صاحبه ملاحظات عن صيانة الأسلحةوالتضاريس ورسوم معقدة لنصب الكمائن المختلفة.
كما أنه يشرح المراحل الثلاث لحرب الفدائيين الضرورية لإقامةدولة إسلامية وتشبه المخطط الذي يبدو أن تنظيم الدولة الإسلاميةاتبعه في العراق وسوريا.
وأول هذه المراحل مرحلة الاستنزاف وتتميز بهجمات الكر والفرعلى أن تستهدف بصفة خاصة خطوط التموين.
ويقول الدليل "الهدف في هذه المرحلة تشتيت العدو لا قتلرجاله."
ويضيف أن من المحتمل أن يقدم العدو "عروضا سلمية للتفاوض معالمجاهدين" لكن الدليل يشدد على أنه "لا هدنة عسكرية... لا حوار."
وفي مرحلة "التوازن" يدعو الدليل للتركيز على "تشكيل قوات شبهنظامية قادرة على بسط الأمن... والتصعيد من الحملات السياسيةلتوضيح معالم الصراع."
وعلى المجاهدين أيضا "ارسال رسائل دبلوماسية من خلال لغةالسياسة أو لغة الدم للحكومات المساندة للعدو واقناع الشعوب أنحكوماتهم قد تورطت في ضربنا وأنهم سيكونون هدفا مشروعا لنا فيالمستقبل."
ويقول الدليل إنه "إن كان (لا بد) من المفاوضات فلا بأس بشرطأن نبحث عن شروط استسلام العدو لأن هذا سيحطم معنوياتهم."
ويتابع "يلاحظ أن العدو سيعرض على المجاهدين المشاركة فيالسلطة وهذا أمر مرفوض جملة وتفصيلا."
والمرحلة الأخيرة هي مرحلة الحسم وفيها "تتوقف المفاوضات ويهددأفراد العدو بضرورة تسليم أنفسهم." ثم تقام "محاكم شرعية عادلةلمحاكمة كل المارقين عن الدين."
وفي الصفحة الأخيرة من الدفتر كتبت بضعة أبيات شعرية تتحدث عنالجنة والحور العين. وقال أحد السطور "يا أخي ليه الزعل والثمن جنةوحور. يا أخي هيا تعال والثمن جنة وحور."
وأهل المحفد سعداء لأنهم تفادوا المعركة. وقال عقل إنه يعملعلى إعادة خطوط الهاتف للمدينة. وأقام الجنود اليمنيون قاعدة للجيشعند سفح الجبل حيث كان معسكر القاعدة.
لكن الاحتياطات الأمنية غير محكمة. ففي عصر أحد الأيام فيالآونة الأخيرة وفي درجة حرارة بلغت 35 مئوية كان الجنود يجلسون فياسترخاء تحت خيام مؤقتة وعلى حجر كل منهم كيس بلاستيكي يتناولونمنه القات.
وسمح لصحفيين في سيارة خاصة الاقتراب من نقطة التفتيش الأولى.وأشار جندي للسيارة بالتوقف وطلب من راكبيها أوراقهم الثبوتية -ربما كان يخشى أن تكون السيارة في مهمة انتحارية.
واستعار الجندي قلما من أحد الصحفيين وكتب به الأسماء على يدهثم سمح للصحفيين بالمرور.
وبعد بضعة أسابيع اقتحم مهاجم انتحاري بسيارته نقطة التفتيشوأسفر الهجوم عن مقتل ستة جنود.
المحفد «الأيام» يارا بيومي ومحمد غباري:
(إعداد منير البويطي- محمد اليماني) رويترز

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى