فلسطين والعروبة وأهوال المصالح والمبادئ

> عبد الله الأصنج

>
عبدالله الأصنج
عبدالله الأصنج
انشغل العالم بمتابعة أخبار الأحداث والجرائم التي تنجم عن أخطر عدوان عسكري تنفذه إسرائيل ضد الشعب العربي الفلسطيني في غزة والضفة والقدس منذ نشأة الكيان الصهيوني الغاشم على أرض فلسطين العربية، والمؤسف المحزن هو أن يتم هذا العدوان البشع ويستمر على مدى الأسبوعين الأخيرين من شهر رمضان المعظم على مرأى ومسمع العالم الذي لم يتحرك لردعه.
وكانت قسوة وهمجية العدوان سببا لإدانات واستنكارات شعوب وحكومات دول العالم، وقد شهدت عواصم كثيرة مثل لندن وباريس وموسكو وروما وبرلين وأوسلو، وحتى بكين ومونتريال مظاهرات حاشدة، شارك فيها العلماء والطلبة من الرجال والنساء بأعداد لم يسبق لها مثيل، وحاصر المتظاهرون العديد من سفارات إسرائيل للتعبير عن تضامنهم مع الشعب العربي في فلسطين المحتلة واستنكارهم للجرائم الجسيمة التي تعرض لها الفلسطينيون، واصطفت بعض حكومات عربية وأجنبية وراء جدران صمت التواطؤ والرضى.
والعجيب والغريب والمعيب في آن واحد هو صمت أهل القبور الرهيب الذي ساد الأجواء السياسية الرسمية في عالمنا العربي، صوت حكمة واضح أعلنه خادم الحرمين الملك عبدالله بن عبدالعزيز دعا فيه للتماسك والتصدي والارتقاء إلى مستوى المسئولية، والأدهى والأمر هو استمرار العروض المسرحية والمسلسلات التلفزيونية على حالها خلال أسابيع العدوان، فالأعياد والليالي الملاح استمرت على امتداد البلاد العربية دون استثناء، واختارت زعامات الشعوب المفجوعة بحكوماتها لغة الهمس للتعبير عما يختلج في صدرها من قلق وشجن وحسرة، وكأن دماء وأرواح أطفال ونساء ورجال وكهول غزة والقدس والضفة لا تعني للاهين وسط النار شيئا يستحق الجهر به وإشهار الاعتراض في وجه مصادره.
والمعلوم أن قطاع غزة بحكم القانون الدولي يظل تحت طائلة السيادة المصرية، وهو جزء لا يتجزأ من الاستراتيجية الدفاعية لمصر العربية من أجل حماية سيناء المصرية من اعتداء صهيوني غادر رغم أنف المنشق محمد دحلان وأتباعه، وأما القدس والضفة وغزة فأراض عربية محتلة رغم صمت وشلل جامعة الدول العربية، وتبقي مسئولية استعادتها ملقاة على عاتق جميع العرب أمة وشعوبا بموجب الميثاق والمعاهدات والاتفاقيات العربية للدفاع المشترك، ومهما كانت الأسباب والمبررات لذلك الصمت مغلفة بالمواقف العابرة بحجة النأي بالنفس الممجوجة كعذر أقبح من ذنب، لكنها لن تمر دون حساب بتعاقب الأجيال.
والحياة دروس وعبر كما تعلمنا من الآباء والأجداد والسلف الصالح ومن نصوص في القرآن الكريم الذي يحذرنا من الاتكالية ومن الغفلة عن وجوب ضرورة الاعتماد على النفس، والإعداد والتحضير الجيدين لصون الحقوق والحدود وخوض الحروب دفاعا عنها، وعدم التفريط بها وبالعِرض والأرض، والالتزام بالوسطية وبخط الاعتدال دائما الذي لايحسن تجاوزه حتى لا نناطح صخورا أو أفيالا.
وفي علم السياسة التي يجب أن نستوعب أصوله ومبادئه بالتفصيل الممل أعود لأذكر في هذا المضمار باليمن، حيث الحكمة والصبر والاعتدال والرجوع إلى الله، وخيرته في كل أمر كأسلوب للحياة البشرية، وإن كانت كل هذه الصفات أو الكثير منها لم تعد في عداد الموجود الملموس في الواقع الإسلامي المعاش، وبات معظمها من ذكريات السلف الصالح وصفحات من ملفات الماضي التليد، وما بقي منها لن يفي بحاجة عرب اليمن وعرب اليوم لاجتياز عوائق المرحلة القلقة التي يمر بها الجميع عربا ومسلمين والجنس البشري إجمالا.
فالخفة والعجالة والاختياروالحسم بدون بصر أو بصيرة هي سمة الساعة التي نحن فيها، وتواري وانحسار عطاء العقلاء وانبراء الدخلاء وأهل التخلف والتكسب محتزبين بالبنادق والسكين والأفكار الظلامية فهم سادة المواقف في هذه المرحلة، وما بقي معنا للسلامة غير نشيد... واسلمي يا يمن... واسلموا يا عرب إسلام.!؟.
وفي زحمة هذا الخليط فإن دعوانا يرحم الله امرأ عرف قدر نفسه، فصمت وصبر، وإذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب. ولما كانت إسرائيل دولة مزروعة في قلب الوطن العربي قد تأسست لتؤدي أدوارا مرسومة للولايات المتحدة وبريطانيا فالدولتان أوكلتا إليها مهام شتى في العالم العربي نكاية وإذلالا للعرب والمسلمين، فقد بادر الأمريكيون والإنكليز ومن معهم لتعزيز قدرات إسرائيل العدوانية التوسعية بمباركة جميع قادة الحكومات الأوروبية دون استثناء، وجعلوا من إسرائيل قوة ردع زاجرة للعرب من الخليج إلى المحيط، وستكون الأثمان التي تدفعها الأمة وحكوماتها على المدى البعيد كبيرة وباهظة بسكوتها على استمرار مسلسل العدوان التوسعي المتكرر لأكثر من عقود سبعة، وسوف يستمر هذا العدوان حتى يحيط الصهاينة بالمقاومة الفلسطينية التي تجسدها حماس والجهاد وفتح والجبهة الشعبية والأمة لأنها هي الخط الدفاعي الأخير في جعبة الشعوب والحكومات العربية والإسلامية المستهدفة من واشنطن ولندن وباريس وبرلين ومن معهم من عرب وعجم، ولن تتوقف آلة الموت الصهيونية إلا بإسدال ستار النسيان على ملحمة الثورة الفلسطينية.
وعلينا أن نعي ونفهم أن التخلي عن المقاومة الآن بعذر أقبح من الذنب سيعود علينا جميعا بالوبال وبالمزيد من الخسران المبين السياسي والأمني والاقتصادي والوجودي كأمة حية بين الأمم، والعشم أن يتدارك العقلاء الأمر قبل فوات الأوان. وأمام هذا الركام من أهوال السياسة أدعو النخب الوطنية إلى أن تتحمل مسؤولية إعادة ترتيب وتقوية وتعزيز القدرات الذاتية العربية، كما أن على النخب من الحكام والشعوب التحرك في الاتجاه الأصح بعد أن رحل عنا أصحاب المبادرات الشجاعة... فيصل وناصر وزايد وبومدين وعارف و السلال وقحطان والقاضي الأرياني و الرئس الشهيد إبراهيم الحمدي وعرفات والخامس محمد و الحبيب عاشور و المحجوب و بن بركة و بن صالح وسوكارنو وجناح وتوفيق بليوة وسيكوترى وزغلول و المفتي وجمال الأفغاني و الطاهر.
والأمل وطيد اليوم في مبادرة أبو متعب الملك عبد الله و إخوته بوتفليقة وقابوس وصباح الأحمد وخليفة لأعلان مبادرة وخطوات وموقف لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من فلسطين الدامية وسوريا المدمرة والعراق المتشرذم وليبيا الهائمة في صحراء السياسة، ومن صراع السلطة في السودان واليمن التي تشهد زلازل الذين يحاربون أنفسهم.
و أخيرا أوجه نداءا لعقول الأمة المدركة لخطورة المرحلة التي نعيشها والتحديات والأخطار التي تحاصرنا من الجهات الأربع داعيا للاصطفاف وراء قيادة واحدة موحدة بعد أن أثبتت حركة المقاومة الفلسطينية أنها في مستوى المواجهة مع العدو الصهيوني وجيشه الذي كان لا يقهر، وذلك على طريق المعادلة الجديدة التي أساسها الحفاظ على حالة توازن الرعب بين أصحاب أرض فلسطين وإلي جانبهم كل العرب والمسلمين والعالم المحب للسلام والحرية من جهة والوافدين الصهاينة إليها من خارج فلسطين بتشجيع وتمويل وحماية أمريكية أوروبية من جهة أخرى، وإنهاء حالة تخاذل عربي سافر، وأن يتراجع بعضنا عن قرار حجب الدعم والعون عن شعب فلسطين وحركة المقاومة الفلسطينية، وأن تستعيد مصر العروبة دورها وموقعها كحاضنة عربية قائدة للأمة، وأن تخرج حماس من جلباب الإخوان، ويخرج عباس من مربع المفاوضات العبثية مع كيري ونتنياهو، ويستعيد الإخوان المسلمون رشدهم السياسي تحت عنوان الدين لله و الوطن للجميع والحكم لله و للشعب من بعده، وكفاية ما حل بالعرب وبالمسلمين من خذلان وتيه.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى