معاول الهدم تنهال على رؤوس البسطاء

> أ.د. سمير عبد الرحمن الشميري:

>
أ.د. سمير الشميري
أ.د. سمير الشميري
إننا لا نكره أحداً ولا نستهدف أحداً، إنما هدفنا نظافة العقول والأبدان، هدفنا نظافة الضمائر، هدفنا رفع القمامات من الشوارع، هدفنا تنقية الهواء المدبوغ بالروائح الكريهة والعفن الذي يشج الرأس شجا.
لقد بحت أصواتنا ونحن ننبه المراجع المسؤولة إلى خطورة تراكم القاذورات في الشوارع، وانسياب مياه المجاري في الأزقة والمماشي والشوارع والحارات والأسواق والساحات العامة، فلولا الروائح النتنة المنبجسة من مياه الصرف الصحي التي تنساب على شكل شلالات صغيرة في الشوارع، لظننت أن هذه عيون مياه جارية خرجت من بطن الأرض الطيبة لتسقي المنابت وتغسل الشوارع وتلطف الهواء الدبق الحار وتقلل من لسعات حرارة الشمس اللاهبة.
إن معاول الهدم لا زالت تنهال على رؤوس عامة الناس من قبل خبثاء لا هم لهم سوى تدويخ المواطن وإحباطه إلى درجة المرارة، وبعثرة قواه وشل حركته العقلية والفيزيائية، وتحويله إلى كائن غريب مفعم بتصرفات غرائزية تعيده إلى المربع الأول، وتنقله من مربع الكائن الاجتماعي، إلى مربع الكائن الغرائزي الفاقد للعقل والضمير والشعور والأخلاق والتفاعل والتآزر الاجتماعي، مع ضعف خطير في درجة الانسجام المجتمعي، لا هم له سوى أن يأكل ويشرب بغير بصيرة، ويلبس الأسمال الممزقة وينام في أي مهجع كان، وهذا ما نشاهده في الشوارع والطرقات العامة، نشاهد مجانين، وبؤساء ومشردين، ومدمنين، ومتسولين، وضعفاء، بهياكل عظمية أنهكهم الفضاء العام وطحن عظامهم، ينامون في مكبات النفايات، وعلى أرصفة الطرقات وبمحاذاة مجاري الصرف الصحي، وفوق جبال من أكوام القاذورات في مساحات مترعة بالنتانة والضجيج للمولدات الكهربائية ومضخات المياه وصخب الحافلات والمارة وزعيق الأغاني وصراخ البائعين وخطب الواعظين المدوية في السماء.
لقد تم كسر شوكة الإنسان وضربه في صميم حياته بأشكال وتنويعات طيفية، بحيث صار الخوف والتوتر والقلق والتشرد والجوع والعطش والمرض والفقر مفردات يومية يلامسها بأطراف أصابعه، فيصعد الوجع والصرير الحاد من أعماقه.
أصبح الإنسان عبداً للأوغاد والأجهزة والنخب والوطاويط، تهاجمه وتفترسه وتمتص دمه من خلف ستار، فتنهال اللكمات والضربات والرفسات على المساكين من قبل جهات أدمنت الفساد والفوضى والعسف، وتعتبر نفسها حملا وديعا وفوق الشبهات. فثمة قوة ماكرة تحطم بكراهية عمياء كل شيء، في ظاهرها حق وفي باطنها جهل وظلم وفساد مرعب.
مأساتنا أننا لا زلنا تحت قبضة عناصر غريبة الأطوار، ومريضة إلى أبعد الحدود، تحطم المصالح وتنشر المفاسد، وتهدر الثروات، وتلعب بملفات الكهرباء والماء والبترول والغاز والديزل، وتدوس بأنعالها قيم التمدن والحرية والتسامح، وتجيد لعبة الخداع والمناورات والتخفي وإطلاق الشعارات المدوية، وتدمر بمنهجية غريبة عناصر الصلاح، وتنكر مشاركتها في عملية تدمير المجتمع، وتبكي بحرارة بكاء التماسيح على الهياكل والبشر والقيم والأبنية والمؤسسات والقوانين، تبكي الإنسان وآدميته الذي خنقته بأصابعها السوداء ودفنته بالخرافات والتلفيقات والدسائس والهواجس والقهر المرعب، إنها تتحدث باسم الشعب وأصابعها مغموسة في مائدة معاوية.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى