مخاضات لولادة متعسرة

> مدين مقباس:

>
مدين مقباس
مدين مقباس
يتضح من نتائج الأحداث المتسارعة في اليمن خلال الشهرين الماضيين منذُ حرب عمران، مروراً بمذبحة (الحوطة) في حضرموت، وما أشيع مؤخراً عن اكتشاف نفق في صنعاء والمتزامن الإعلان عنه مع اختتام فريق لجنة العقوبات الدولية التابع للأمم المتحدة زيارته لليمن، بعقد اجتماعه مع سفراء الدول العشر الراعية للمبادرة الخليجية الإثنين 11 أغسطس الشهر الجاري ومناقشتة تحديد أسماء الأفراد والكيانات المنخرطين في تقديم الدعم للأعمال التي تهدد السلام والأمن والاستقرار في اليمن، وكذا بدء أولى جلسات هيئة الرقابة على مخرجات الحوار الوطني، بأنها ستشكل مؤشرات ومخاضات لولادة متعسرة سواء لتشكيل حكومي جديد بصيغة توافقية أوسع من سابقاتها، أو السعي لخلق اصطفاف وطني للتهيئة والاستعداد للاستفتاء القادم عن الدستور الجديد.
الذي يعيش وسط الشارع يقرأ في عيون الناس البسطاء أنهم قد خبروا معظم السيناريوهات المدمرة والمضللة، والتي تكرر تنفيذها منذ أن بدأت رياح الربيع العربي تجتاح اليمن، وأنه لم يعد اليوم خافياً عليهم أن هدف تكرارها هو للسيطرة على نتائج الأحداث وتوظيفها لتحقيق رغبة البقاء في الحياة السياسية والتحكم بصناعة القرار، وتكاد تكون بعضها مصطنعة برائحة الإرهاب من قبل بعض القوى التقليدية، أو الأجنحة المتشددة لتيارات سياسية باتت معروفة للعامة.
المتتبع لمثل هذه السيناريوهات والدارس لإدارة الأزمات سيتبين لهُ من نتائج الأحداث منذُ 2011 م وكيفية تنفيذها، أن صانعيها ومنفذيها يجمعهم هدف واحد، لأنها سيناريوهات تحمل طابعاً وبصماتٍ واحدة لتحقيق مكاسب سياسية وتجويد شروط تلك القوى للعودة أو للانخراط في المشهد السياسي القادم، بعد أن أصبحت تدرك جيداً أنهُ لم يعد بمقدورها الاستمرار في عرقلتها للتسوية السياسية في اليمن، وأن عليها- مجبرةً وليس مخيرةً- تنفيذ كل ما تتضمنه خارطة الطريق، وأن تتعاطى بإيجابية مع جهود المجتمع الدولي لتحقيق البرامج المرسومة لنقل اليمن إلى وضع ينعم فيه الجميع بالسلام.
إن أهداف هذه السيناريوهات من وجهة نظر تلك القوى هي مساع استباقية لتؤسس بنتائجها عوامل جديدة تفرض من خلالها استمرار بقائها في الملعب السياسي القادم، كما لا يمكن الجزم بأن تحركاتها تتم بدافع ذاتي فقط لتحقيق هذه المكاسب السياسية والحفاظ على مصالحها فقط، دون أن تكون لتلك القوى والخطوات محفزات إقليمية، إذ إنها تنطلق بكل ثقة لجميع ما تقوم به من أعمال وجرائم لعرقلة الجهود الدولية، وتنظر على أنهُ حق سياسي وشرعي لارتكابها لها، متحدية بذلك كل التحذيرات التي يطلقها مجلس الأمن الدولي والأمين العام للأمم المتحدة السيد بان كي مون، كما تؤكد بذلك أنها انتقلت من استجداء المواقف الإقليمية إلى مستوى ممارسة الابتزاز المشرعن من دول الإقليم للأطراف السياسية الأخرى وللمجتمع الدولي، وتؤشر تصرفاتها في الوقت نفسه إلى أنها قد حسمت أمرها مع القوى الإقليمية، وأن مصالحها أصبحت تتقاطع مع مصالح وأجندة بعض تلك الدول في المنطقة، بعد أن أثبتت الأحداث أن اليمن تحول إلى ساحة للتجاذب السياسي بين بعض دول المنطقة.
إن هذه التطورات والأحداث المتسارعة التي تشهدها اليمن- والمتزامنة مع اقتراب مرحلة بعض الاستحقاقات التي تتطلب ميلاد توافق سياسي جديد يُبنى على أُسس اصطفاف وطني شامل يُمكّن الرئيس عبدربه منصور هادي رئيس الجمهورية والشعب اليمني والدول العشر الراعية للمبادرة الخليجية من تنفيذ البرامج المرسومة في المرحلة القادمة وإزالة الصعاب أمام تنفيذ الأنشطة والإجراءات لبعض الأعمال المطلوب بدء التهيئة والتحضيرات الوطنية لإجرائها، وفي مقدمتها الاصطفاف الوطني، والتشكيل الحكومي القادم لإنجاح عملية الاستفتاء على الدستور الجديد، واستكمال بقية الخطوات لنقل اليمن إلى مرحلة بناء الدولة الاتحادية- لا يمكن تبرئة من يقوم بها أو يغذيها من ممارسة سلوك الابتزاز السياسي المتكرر انتهاجه وتصدير رسائلها ولو بدماء الأبرياء أو الإضرار بالشعب اليمني عند كل منعطف تاريخي حاسم، لفرض شروطها التعجيزية لضمان بقاء مصالحها واصطناع تأثير سياسي (وهمي) لها على المجتمع لحشر نفسها فيما بعد في صناعة القرار، حتى وإن كان بصفتها التشاركية مؤقتاً اذا فُرض عليها التخلي عن نظرتها السلطوية السابقة، والتهيؤ للاندماج مع القادم من منطلق أنه بحاجة إلى انخراط الجميع فيه دون استثناء، وهذا دون شك سيخلق واقعا جديدا لتأسيس تحالفات سياسية جديدة ستغير الخارطة السياسية، وسيهيئ لملعب سياسي مختلف تصبح جميع الأطراف ملزمة بالانخراط فيه والتفاعل معه شاءت أم أبت، حتى تلك الأطراف التي لم تكن أطرافا رئيسية في المبادرة الخليجية 2011 م، (الحراك الجنوبي والحوثيين)،والتي لا نستبعد أي مفاجآت إقليمية قادمة تضمن لهما المشاركة الفاعلة في المرحلة القادمة، لاسيما مع اقتراب موعد اختتام المفاوضات الأمريكية والإيرانية في 24 نوفمبر العام الجاري، والمتزامن مع مرور ثلاثة أعوام على توقيع المبادرة الخليجية في 23 نوفمبر 2011 م، بعد أن بات موضوع مراجعتها وتقييمها أمرا ضرورياً لردم ومعالجة مكامن الخلل فيها وفقاً للمصالح المشتركة لدول المنطقة ومواقفها المعلنة سابقاً إزاء بعض القضايا الشائكة ومنها القضية الجنوبية والعودة إلى تلك المواقف بحسب ما يتوقعه بعض المراقبين السياسيين لنجاح المصالحة المرتقبة.
إن هذه الأحداث التي تشهدها اليمن، والتحركات السياسية القادمة والمتوقعة وأبرزها محاولات إقناع قيادات الخارج بالعودة إلى الوطن، وتوقعات عودة أسرة آل حميد الدين، والمصالحة الوطنية المرتقبة إلى جانب انعقاد مؤتمر أصدقاء اليمن في 24 سبتمبر في الولايات المتحدة الأمريكية، هي مخاضات تسبق ولادة متعسرة قد تتطلب تدخلا جراحيا كي تساعد في محصلتها النهائية على ولادة توافق جديد يستمد أساس قوته من مشاركة جميع القوى والأطراف فيه، والذي بإنجازه يمكن إزالة معظم العراقيل التي تواجه الرئيس عبدربه منصور هادي رئيس الجمهورية، إذا صدقت نوايا أطراف الصراع في صنعاء، وسيذلل الصعاب الماثلة أمام تنفيذ مراحل التسوية السياسية وسيلزم جميع الأطراف بالمشاركة الإيجابية في تأسيس دولة اليمن الاتحادية المنتظرة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى