فئة المسنين.. رعاية حكومية غائبة واهتمام مجتمعي قاصر

> تقرير/ رعد الريمي

> في زمن طمست فيه المشاعر لدى البعض، وتحولت قلوبهم إلى أحجار صماء، تهرب فيه البعض عن الاهتمام بذويهم من كبار السن ليضعوهم في دار المسنين، دار ضم أناسا شبابهم قد شاب، والبعض منهم من هموم الدنيا قلبه قد ذاب، والآخر طرق لهم المرض الأبواب، غير أن وجدانهم مازالت تحوي وتضم ذكريات الأحباب، إنهم المسنون.
في سلوك بدأ بالتنامي في بلد محافظ كاليمن بلد الأزمات والظروف الصعبة الذي يعتبر فيه وضع الآباء في دار المسنين أمراً باعثا على الشتم والعيب، وشكلا من أشكال الإهمال، غير أن هذا السلوك، برغم رفضه مجتمعيا، إلا أنه في الآونة الأخيرة بدأ بالتنامي.
يقبع عدد من كبار السن في دار المسنين في مديرية الشيخ عثمان في ظل يتواجد عدد منهم في المنازل وعدد آخر لا يعلم لهم مأوى ومكان، لتشتد بذلك فئة المسنين في اليمن، معاناة متعددة الأشكال ومتنوعة القسوة والظروف.
*غياب مسوحات ودراسات
إذ تشير مؤشرات مجتمعية إلى مخاوف من تحوله إلى ظاهرة بفعل ما يعانيه البلد من حروب وأوضاع اقتصادية صعبة واستشراء المرض الذي يقابله فرض رعاية خاصة لأمثال هذه الفئة في ظل انشغال الجميع بلقمة العيش وغياب الدور الحكومي لرعاية المسنين.
تشير الإحصائيات الرسمية القديمة (2003) إلى أن فئة كبار السن (65 عاماً وما فوق) تصل في اليمن إلى 4 % من إجمالي عدد السكان البالغ 25 مليون نسمة، وهو ما يراه المهتمون الاقتصاديون رقماً مخيفاً وكبيراً.

وقد عجزنا عن الحصول عن بيانات رسمية بسبب توقف أعمال الدراسات والإحصاء والمسح المجتمعي في عام 2003م، إذ تشير آخر المسوحات الحكومية إلى أن عدد المسنين في اليمن بلغ (1.000.000) فرد، ونتوقع أن الرقم قد تضاعف ويتطلب زيادة أشكال الرعاية، سواء في نطاق الأسرة أو الدولة أو منظمات المجتمع المدني.
وتحسين وضع المسنين يحتاج لدراسات ومسوحات لوضع معالجات صحيحة، حيث لا يوجد دراسة وطنية قامت بمعرفة واقع المسنين في اليمن، وتحديد احتياجاتهم والتعرف على مشاكلهم، وما يعانون من أمراض وعوز، وبالأخص أولئك الذين لا يوجد لهم أهل أو أقارب يهتمون بهم.
*المسنون.. تنامي الحاجة ولا جهود
إن التحول الاقتصادي والغذائي والأمني بفعل الحرب التي ألقت بظلالها على الظروف الاقتصادية والاجتماعية السكانية سبب تضاعف الأعباء على الجميع وعلى فئة المسنين بشكل خاص.
يقول عميد كلية الآداب السابق أ.د. محمد عبد الهادي: "إن فئة المسنين تعتبر فئة واسعة وكبيرة وتحتاج هذه الفئة إلى رعاية واهتمام كبيرين، لكن يبدو أنهما منعدمان، وقد فقدهما المسنون في الفترة الأخيرة، وخاصة خلال فترة الحرب".
وأضاف: "أنا أعتقد أن فئة المسنين تحتاج لثلاثة جوانب رئيسية، يكمن الجانب الأول في كيفية توفير احتياجات المسنين الأساسية، فيما يكمن الجانب الثاني في كيفية التوعية للجوانب النفسية عند هؤلاء المسنين، أما الثالث ففي كيفية توفير الرعاية الصحية لهم”.
وأشار عبد الهادي إلى أنه “بتوفر هذه العناصر الثلاثة نكون قد أسهمنا في جانب الاهتمام بفئة المسنين وانتشال أوضاعهم، في ظل أوضاع صعبة نعيشها اليوم”.
وأوضح أنه “في ظل الظروف الصعبة اليوم فإن الدولة عاجزة، ولكن هناك دورا مناطا بمنظمات المجتمع المدني، التي تعنى بهذا الشأن، والتي تعتبر من صلب مهامها سواء المنظمات العربية أو الدولية القادرة على الاهتمام ودعم فئة المسنين وتقديم الرعاية لهم”.
أوضاع نفسية صعبة
ويقول المسن علي محمد (72 عاما): "أنا كنت بين أسرتي، غير أن أولادي تركوني، فمنهم من تزوج، ومنهم من مات، وبقيت وحيدا، وقد اضطررت إلى أن أذهب لدار المسنين الذي ألقى فيه رعاية جيدة".
وأضاف: "كثيرا ما أفتقد رؤية أولادي، وقد يكون من محاسن الصدف أني موظف وأتقاضى مرتبا، الأمر الذي يجلب لي أبنائي، حيث يزورني أواخر كل شهر لكي يصطحبوني لاستلام راتبي، وبعدها لا أراهم إلا في نهاية الشهر الذي يليه".
تقول المتخصصة الاجتماعية أمل محمد لـ«الأيام»: "إنّ فئة المسنين من أكثر الفئات تضرراً من الحرب، وقد تركت فيهم أثراً نفسياً عميقاً يصعب استشعاره، كون معظمهم يفضل الصمت حيال ما يشاهده من قتل ودمار وترويع للمدنيين".
وأضافت: "إن المسنين بشكل عام يتأثرون بالظروف المعيشية، فغياب الخدمات وتوفرها يؤثر عليها سلبا وإيجابا، وخاصة في الجانب الصحي، ويغيب كليا من ذوي الساسة الالتفاف لهذه الفئة، وقد يكون أبرز ما يشير لذلك، هو ما يعانيه المسنون من معاناة على أبواب البريد حين استلام معاشاتهم".
وأشارت إلى عدد من الصور التي انعدمت إزاءها أشكال الاهتمام في المجتمع كـ"المسن بعد تقاعده بسبب الظروف المعيشية الصعبة، ووفاة المسنين أمام مكاتب البريد بسبب طول انتظارهم لاستلام مرتباتهم، وغياب الرعاية الصحية من قبل وزارة الخدمة الاجتماعية، وغياب تقديم المعونة لهم، إلى غيرها من صور الإهمال التي بات المسنون يعانونها اليوم".
*كلية الآداب بعدن تحتفي بالمسنين
ونظم قسم الخدمة الاجتماعية بكلية الآداب في جامعة عدن، أمس الأول، حفلاً تكريمياً لفئة المسنين، وذلك تزامناً مع احتفالات العالم باليوم العالمي للخدمة الاجتماعية، تحت شعار (بصمة اختصاصي اجتماعي)، حضره رئيس جامعة عدن د.الخضر لصور وعميد كلية الآداب بجامعة عدن د. علوي عمر مبلغ، ومسؤولة وحدة التدريب الميداني بقسم الخدمة الاجتماعية ليزا عبدالمجيد ردمان.

وقال رئيس جامعة عدن د. الخضر لصور: "إن جامعة عدن تشارك هذا اليوم عموم جامعات العالم للاحتفال باليوم العالمي للخدمة الاجتماعية، بناءً على قرار الأمم المتحدة في عام 1983م ومازال متواصلاً حتى هذه اللحظة، والذي يتزامن مع الاحتفال بعيد الأم الـ 21 مارس، والذي توج بعمل إنساني، وهو تكريم فئة المسنين بالمحافظة"، مؤكداً أن "هذه هي أولى الخطوات على مستوى الجامعات اليمنية من خلال الاحتفال بالخدمة الاجتماعية كعلم يهدف لإبراز الأنشطة والتعريف بها ودورها في المجتمع".
وقال عميد كلية الآداب د. علوي عمر مبلغ: "إن الكلية حرصت على إقامة هذا الحفل التكريمي بهذه المناسبة الخاصة بالخدمة الاجتماعية، استجابة للقرار الأممي الذي ركز على خدمة المجتمع والاستدامة البيئية وتقوية أواصر العلاقات بين المنظمات الدولية غير الحكومية والأمم المتحدة في إطار الشراكة والتعاون"، داعياً قيادة الجامعة إلى "ضرورة الاهتمام بهذا القسم الأكبر في الكلية من خلال استحداث برنامج الماجستير ومساق الدبلوم بالتنسيق مع مركز التعليم والتدريب المستمر، وكذا فتح مراكز للاستشارات النفسية والاجتماعية".
واختتمت المحاضرة بقسم الخدمة الاجتماعية د. إيناس بحصو، أستاذة علم نفس وخدمة اجتماعية كلية الآداب جامعة عدن، قائلة: "إن الحفل يأتي كتقليد سنوي للاحتفاء بالمسنين، مؤكدين فيه أن الحاجة العملية والمهنية جزء لا يتجزأ من الواقع الحياتي".
تقرير/ رعد الريمي

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى