أ.د. سمير الشميري: المشهد الثقافي في مدينة عدن قاتم للغاية بعدما طغت مشاهد الحرب والخراب

> حاوره من باريس/ حميد عقبي

> كانت مدينة عدن في بداية القرن التاسع عشر وإلى الستينات حاضرة العرب وعاصمة للثقافة والفنون والتجارة والتحضر، إليها يحج أصحاب المغامرات والفكر والأدب من جميع أنحاء العالم، عشقها الشاعر الفرنسي آرثر رامبو وغيره، وكانت كعبة الإبداع والتنوير.
فعدن درة الشرق، بين حناياها وفوق صدرها سكنت الأقوام والأعراق وتعايشت الأديان والمذاهب بسلام، وانصهرت في البوتقة المدنية، فما الذي حدث ويحدث لهذه المدينة وما هي التحولات التي جعلتها اليوم مدينة معزولة ومنسية مشحونة بالصراعات، ترقص في أزقتها الحرائق والاغتيالات.
نلتقي اليوم بعالم الاجتماع والأستاذ الجامعي بجامعة عدن أ.د. سمير عبدالرحمن الشميري، الذي يحتفل بصدور كتابه «عدن الحرية الثقافية والتقهقر المدني»، وهو كتاب ثري بمضمونه وملامحه وبتناغمه الدلالي والمعنوي، طافح بكم هائل من الصور والوقائع والمشاهد والمعلومات والمعطيات الكمية والكيفية والتحليلات الدقيقة التي تبين حجم الخراب الذي حل بمدينة عدن والجنوب في سلسلة من الحلقات المترابطة وفق أسانيد وحيثيات وترسيمات علمية وواقعية بعيدة عن مطبات الابتذال.
هذا الكتاب يستكشف ما حل بهذه المدينة من خراب مادي ومعنوي في حقبة حالكة الظلام (1994ـ 2016م)، ويرى الكاتب أن هذه الحقبة الحالكة تم فيها تكسير الهياكل والمؤسسات والنظام القيمي والتوازن الاجتماعي، وامتدت يد الباطل لتحطيم الإنسان عماد الحضارة والثقافة والتمدن، وأدخلته في ظلمات الفوضى والفساد والبؤس، وفي أتون التيارات المتلاطمة وصناعة الانقسامات والتشرذمات، متكئة على سياسة النهب وتجريف خيرات المجتمع من قبل صنّاع الخراب الذين كسروا أضلاع المجتمع وصمود وكبرياء الناس وأسرفوا في تخريب العمران.
لتوضيح أكثر يتحدث الشميري عن دوافعه لهذه الدراسة والهموم التي يطرحها الكتاب ويقول : «لقد أخذتْ عدن نصيبها الوافر من القسوة والحقد والنهب والتدمير لكل ماهو جميل وإنساني، وتم تحطيم المدينة ببشرها وجغرافيتها ومؤسساتها وأنظمتها وقوانينها وقيمها الأخلاقية وتراثها الفكري ومخزونها الثقافي والروحي بصور وأساليب شتى تم توضيحها في هذا الكتاب من زاويتين، نظرية وتطبيقية.
* ماذا جرى في هذه المدينة العريقة بعد أن كانت مناراً للحرية والمدنية والتحديث؟
* ما التحولات القاسية التي حدثت في مدينة عدن؟
* ما طبيعة التقهقر المدني الذي شهدته مدينة عدن؟
هذه أسئلة ساخنة تهز كياننا وتقرع رؤوسنا في قلب الليل وخبيص النهار، جعلتنا نجتهد ونقرأ الواقع ونقلب الأفكار، لقد حاولنا قدر الإمكان الإجابة في هذا الكتاب عن هذه الأسئلة ولو بصورة مبتسرة قد لا تشفي غليل المتعطشين للعلم والمعرفة، فغايتنا التنوير وغرس شتلات المعرفة وتفجير حوار هادئ غير متنطع يحتكم للعقل والبصيرة ويدفع قدماً بوعي التفسير والتحليل والقراءة النقدية والتأويلية إلى الأمام للوصول إلى الحقيقة التي قال عنها الكاتب والمسرحي الانجليزي الشهير وليم شكسبير إن: «الحقيقة يمكن أن تدفن ولكنها لا تموت».
المشهد الثقافي اليوم في عدن
يرى د.سمير الشميري أن المشهد الثقافي قاتم للغاية في مدينة عدن، فقد طغت مشاهد الحرب والخراب على أغلب النوافذ الثقافية واكتسحت العقليات العقيمة والمتزمتة الفضاء العام، بحيث أصبحت أصوات العقل والتنوير مخنوقة ويخيم عليها التقهقر والتخشب الفكري والإبداعي ويتم ضرب الثقافة في الصميم، يوضح ما يحدث في عدة نقاط كالآتي:
ـ لا زالت الإذاعة والتلفزيون والمكتبات المركزية والأهلية مغلقة حتى اللحظة.
ـ المسارح مغلقة ومحتلة من قبل بعض البلاطجة.
ـ انتشار الأفكار الظلامية والمعتقدات الصلدة.
ـ بروز ظاهرة التكفير والمنع والزجر والتحريم.
ـ طمس الهوية الثقافية لمدينة عدن والمعالم الأثرية والثقافية والتنويرية.
ـ نهب المتاحف وتدمير الآثار التاريخية.
ـ موت سريري للمثقفين والفرق المسرحية والفنانين والمبدعين وتحول البعض منهم إلى متسولين وقوى فائضة يعيشون على شيء من القلة والشظف.
ـ اتلاف السجلات والوثائق المدنية والبلدية لمدينة عدن.
ـ تدمير التعليم والثقافة في الصميم وتفشي ظاهرة الأمية وتحويل بعض المؤسسات التعليمية والثقافة إلى مساكن شخصية وحوانيت للبيع والشراء.
ـ العزلة الثقافية والخنق المدروس لأنباض الموهوبين في الفضاء الثقافي والفكري .
ـ محاصرة العقل والمنع المستتر لوصول الكتب الثقافية والفكرية والصحف والمجلات إلى المكتبات العامة والخاصة والذي أفضى إلى مزيد من التكلس والعزلة الثقافية .
ـ تحطيم المؤسسات الثقافية والأنظمة والقوانين وتقديم العرف والعادات القبلية والعشائرية على سلطة النظام والقانون
ـ شدّ الناس إلى الماضي البعيد للبحث عن أصولهم وجيناتهم وأعراقهم وقبائلهم .
ـ السطو على المتنفسات والحدائق وملاعب الأطفال والأندية الثقافية والترفيهية والرياضية.
ـ سقوط رهيب للقيم الإنسانية والثقافية ، قيم المحبة والعدالة والمساواة والتسامح والتعددية الثقافية والفكرية والعقائدية.
ـ تراجع دور المرأة الثقافي والتنموي في الفضاء العمومي، وتم تقييدها بقيود وأصفاد مرئية وغير مرئية تحت ستار سميك من الشعارات المزيفة.
ثقافة التعصب والتفرقة
يكرر ويؤكد الشميري في العديد من طروحاته أن النعرات المناطقية والقبلية والعشائرية والانفصالية والتشطيرية لا تهبط من السماء كون لهذه النزعات والعصبيات جذور في الأرض ولها مسببات تولدها وتنميها وقد تصل بها أحياناً إلى درجة من العنف والتطرف.
يشرح لنا وجهة نظره ويقول: فثمة طائفة من العوامل الذاتية والموضوعية جعلت البعض يتبنى أطروحات التفرقة ذات النزعة التحريضية التي تنزلق إلى تغييب الفهم الموضوعي لمشاكلنا فتجعل البعض يسلك سلوكيات بعيدة عن قسطاس الحكمة والتبصر  في فضاء من الاضطراب والغموض ومشاعر الامتعاض الذي يحول دون الوصول إلى قلب الحقيقة.
فسياسة الشقاق والنهج الشمولي واللصوصية والاغتشاش والفساد والاقصاء وطغيان مشاهد الذل والفقرو العطالة والجهل وعقلية الثأر وإضرام نار الفتنة بتوسيع دائرة الاقتتال والعنف وتكسير أضلاع الوحدة الوطنية كل هذه الأسباب وغيرها أوصلتنا إلى عنق الزجاجة وشكلت تربة خصبة لإنتاج خطابات حادة وممارسات غير حميدة تؤدي إلى التشرذم وترفع منسوب الكره الاجتماعي وتقوي مداميك ثقافة التعصب والانعزال.
علاقة عدن بالفن والطرب
يكشف د. سمير الشميري علاقة عدن بالفن والثقافة ويصف عدن بواحة خصبة للفن والطرب، وفي أحضانها ولدت عشرات الفرق الفنية والمسرحية والموسيقية ويضرب بعضها ندوة الموسيقى العــدنية (1949م ) برئاسة الفنان خليل محمد خليل، الرابطة الموسيقية العدنية (1951م) برئاسة حسين إسماعيل خدابخش، فرقة مدرسة بازرعة الموسيقية، برئاسة الموسيقار يحيى مكي، فرقة أحمد قاسم التجديدية (1959م)، الفرقة الموسيقية الحديثة (1961م) بقيادة الفنان محمد عبده زيدي، فرقة الأنامل الذهبية في الستينات، فرقة الإنشاد التابعة لوزارة الثقافة في سبعينات وثمانينات القرن العشرين، وانتشار كبير للفرق الفنية والموسيقية وتأسيس معهد جميل غانم للفنون الجميلة وتدريس الموسيقى في المدارس وتشجيع كبير للدولة ومؤسساتها للفن والفنانين وللعطاء الفني.
ثم يتأسف ويقول: «وعلى سياق متصل في فترة ما بعد الوحدة اليمنية وخاصة ما بعد عام 1994م ، انهار الفن والفرق الموسيقية وأضحت أثراً بعد عين».
ذكر لنا ضيفنا بعض أشهر رواد الحركة الفنية العدنية والجنوبية، وهؤلاء تجاوزت شهرتهم الجغرافيا اليمنية ووصل فنهم إلى العالم، وهنا نستذكر هذه الأسماء التي يجب تكريمها والبحث عن فنها وهي أشهر الفنانات:1 - نبيهة عزيم 2 - فتحية الصغيرة 3 - أم الخير عجمي 4 - رجاء باسودان 5 - صباح منصر 6 - منيرة شمسان 7 - إسمهان عبد العزيز 8 - نادية عبد الله 9 - فاطمة علبي.
أشهر الفنانين:1 - إبراهيم محمد الماس 2 - أحمد عوض الجراش 3 - يحيى مكي 4 - خليل محمد خليل 5 - عمر محفوظ غابة 6 - أحمد بن أحمد قاسم 7 - محمد مرشد ناجي 8 - محمد سعد عبدالله 9 -  سالم بامدهف 10 - أبوبكر سالم بلفقيه 11 - عبد الرحمن باجنيد 12 - أحمد صالح همشري 13 - أبوبكر فارع 14 - ياسين فارع 15 - فرسان خليفة 16 - علي أحمد جاوي 17 - وديع هائل 18 - محمد عبده سعد 19 - أحمد ناجي قاسم 20 - فؤاد الشريف 21 - محمد عبده زيدي 22 - طه فارع 23 - محمد باسويد 24 - محمد سعيد منصر 25 - جعفر عبدالوهاب 26 - ياسين شواله 27 - وديع حميدان 28 - أحمد علي قاسم 29 - إسكندر ثابت 30 - حسن فقيه 31 - حسين فقيه.
في الأخير نتوقف مع د. سمير الشميري وهو أكاديمي وأستاذ جامعي، ليحكي لنا ما أصاب ويصيب جامعة عدن و الجامعات اليمنية كلها، فمسلسل الانهيارات مستمر مع كل ساعة حرب وصراع وتمزق تعيشه اليمن من شماله إلى جنوبه، يلخصها ويشرحها بعدة نقاط:
-  واقع حال الجامعات اليمنية
الجامعات اليمنية والعربية تعاني من خروم وارتجاجات لست حراً في شرحها بالتفصيل لضيق الوقت، وسأختزل أهم الإشكاليات في الجامعات اليمنية والعربية بوجه عام ولعل أهمها:
1 - ضبابية الإستراتيجية التعليمية وفلسفتها.
2 - التسييس الحاد للتعليم العالي على حساب الشفافية والأداء الأكاديمي مما يضعف روح ومضمون التعليم العالي ويفقد استقلالية المؤسسات العلمية والتي من الضروري أن تتمتع باستقلالية نسبية.
3 - بروقراطية متساوقة مع فساد في بعض المؤسسات الأكاديمية وقصور في الأداء الإداري.
4 - ضعف القاعدة المادية للتعليم العالي مع قلة استخدام التطورات العلمية والتكنولوجية في التعليم الجامعي.
5 - القطيعة الجزئية للتعليم العالي عن حركة المجتمع وإيقاع العصر.
6 - اضطراب سياسة القبول في الجامعات ومتواكبة هذه السياسة مع كثافة الأعداد المقبولة.
7 - ضعف قاعدة التأهيل الجامعي للطلاب.
8 - قصور جلي في قواعد ومسارب انتخاب الهيئات التدريسية.
9 - ركة المناهج التعليمية الجامعية المترعة بالحشو والتكرار والمحاكاة والنقل الحرفي لمناهج الجامعات المناظرة دون الأخذ بعين الاعتبار الخصوصية المحلية وعدم التحلي بالإبداع الأكاديمي.
10 - التشابك والتضارب في مناهج التعليم الجامعي.
11 - طغيان الأساليب التقليدية في الحياة الأكاديمية وخاصة التلقين في عملية التدريس.
12 - اقتصار مهمة الجامعات بوجه عام على مسألة التدريس مع عدم اكتراث بالبحث العلمي وخدمة المجتمع.
13 - ركة وهشاشة القاعدة الإحصائية والبيانية في الجامعات العربية.
14 - التناقض الواضح ما بين القوانين واللوائح وقضية تطبيقها في نسيج الحياة الأكاديمية.
15 - ضعف التمويل للأبحاث العلمية مع شحة في الإنتاج العلمي.
16 - ضعـف تطبيق قاعدة الثواب والعقاب.
17 - الانفصال القوي ما بين التعليم العالي والثقافة العامة، مما أدى إلى تخلف في مخرجات التعليم الجامعي واتساع قاعدة المتخرجين الذين يجهلون أبجدية التفكير المنطقي، والبعيدين عن قسطاس الحكمة والاستبصار، وليسوا على دراية مثلى بتخصصاتهم وضيق بؤرة أفقهم الثقافي والمعرفي.
18 - ثمة ارتجاج في مساحة الحرية وروح التسامح في بعض الجامعات (إن لم نقل كلها)، حيث تتحول بعض المطارحات والتقاطعات في القناعات والرؤى إلى خلافات ونقطة صدام وإلى عراكات مدمرة تحول المؤسسات الجامعية إلى حلبة نزاع وفورة عنف وفساد في الأجواء الأكاديمية.
إن الجامعات اليمنية والعربية على كثرتها لازالت قابعة تحت مظلة التيبس الفكري والإبداعي، ولازالت أساليب الإملاء والتلقين والحفظ مهيمنة على قاعات الدرس الأكاديمي.
يعيش اليمن في حالة بؤس وتنهار مدنية مدنه العريقة، فليست عدن وحدها من تعاني، فكل المدن اليمنية العريقة تعيش وضعا كارثيا ومزريا.. ويرى د. الشميري أن كل هذا الخراب يعود إلى مسببات عدة لعل أبرزها سقوط وانهيار مؤسسات الدولة وسقوط المجتمع في مستنقع الفوضى والفساد والاحتراب والتوحش والغوغائية.
* عن رأي اليوم​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى