الشاعر كور سعيد عوض (شاعر الفلاحين) الواقف على ضفاف نهر الحياة

> تغطية/ عياش علي محمد

>
حملت وصية أخوية من زميله الأستاذ أنور السقاف، الذي طلب مني أن أتعرج على شاعر الفلاحين (كور سعيد) لتفقد أحواله في هذه الأيام.

ونفذت وصية صديقه، وزرت الشاعر كور سعيد في منزله الكائن في مدينة (الحصن)، محافظة أبين، وحين سلمت عليه بآدرته بالقول كيف أحواله مع نهر الحياة، فأجابني أعيش واقفا على ضفاف مجرى نهر الحياة، مرة أرتوي منه وأخرى يجعلني ضمآناً لا أقدر أن أرتشف قطرة من مجرى الحياة النهرية.

درس المتوسطة وكانت أول دفعة يتخرج منها عام 54، 1975، وكان الشاعر كور سعيد وزميله منصور جميع متفوقين في الدراسة، وأرادا أن يلتحقا بمدرسة جبل حديد، وقابلا الضابط السياسي (أحمد علي باشراحيل)، لكنهما لم يوفقا بالدخول لمدرسة جبل حديد، لأن من شروط الالتحاق بهذه المدرسة لابد أن يكون من أبناء الذوات، واقتنعا أخيراً بأن يلتحقا بسلك التدريس.

ثم رشح الشاعر كور سعيد لدورة تدريبية للمعلمين في عدن 1959/ 1960، ومركز التدريب كان مقسماً بين أبناء عدن وأبناء المحميات، فالمجموعة (A) عدن كان فيها الشاعر لطفي جعفر أمان وزين الحازمي، وحسين الحبيشي، وكمال حيدر وعثمان عبده. أما أبناء المحميات المجموعة (B) فمنهم كل من محمد علي هيثم، وعلي صالح عباد، وأحمد علي العفيف، وكانت فترة الدراسة التدريبية عامين.

الفنان أحمد قاسم كان في القاهرة (60 - 62م)، وعاد إلى عدن والتحق بمركز التدريب عدن كأستاذ للموسيقى، وظل سنة واحدة في مركز التدريب ثم عاد إلى القاهرة ليتسلم بعده المادة الموسيقية الأستاذ يحيى مكي، وكان الفنان أحمد قاسم قد اقترح أن تدخل مادة الموسيقى معهد المعلمين في الطويلة.

ثم انضم إلى مركز التدريب كل من طه غانم، وخالد الصوري، ومأمون صبري، وفيصل حاتم، ونصر شاذلي، وأبوبكر القيسي، وعوض باجناح.
الشاعر كور سعيد كان من المحبين لأغاني الفنان أحمد قاسم الذي كان يتحف المركز بأغانٍ من تلحينه، وفي كل جمعة تعرض في هذا المعهد، إما فيلم، أو محاضرة كان يقف بها الشيخ محمد سالم البيحاني.

يقول الشاعر كور سعيد إنه استمع إلى أغنية (انته ولا احد سواك) التي غناها الفنان أحمد قاسم ولاقت عام (1960) رواجاً عظيماً ودخلت في وجدان الناس ووجدان الشاعر كور سعيد.
أما قصيدة الشاعر كور سعيد (أنا ثائر يا وطني) كانت عام (1965) لحنها الفنان أحمد قاسم وغناها في (تعز)، وتلقى الشاعر مخابرة من مكتب الجبهة القومية في مصر من خلال الأخ سيف الضالعي، والأستاذ عمر محفوظ، والأستاذ عبدالله الخامري، الذين أخبروه بأن يذهب إلى إذاعة صوت العرب، كي يستلم أجرة القصيدة وهي (4 جنيه ونصف)، وذلك بعد أن نشرت في صحيفة التحرير.

وفي عام (1967م) أهدى الشاعر كور سعيد أغنية للفنان أحمد قاسم، وعنوانها «جنة رضاك» حين كان الفنان أحمد قاسم والشاعر المصري عبدالوهاب محمد، يلعبان الكوتشينه في شقته المطلة على نهر النيل، الذي كان إيجارها الشهري (50 جنيه مصري)، والشاعر المصري صاحب أغنية «الحب ايه»، أما الفنان أحمد قاسم فقد تلقى قصيدة الشاعر كور سعيد بمنتهى الحب للقصيدة. ثم ذهب الشاعر كور سعيد والفنان أحمد قاسم، الذي كان يسوق سيارته لمشاهدة البروفة حول فيلمه «حبي في القاهرة» في مبنى أهرام الجيزة، وسمعني لحن القصيدة «جنة رضاك» وذلك عندما كان الشاعر كور سعيد والفنان أحمد قاسم في طريقهما إلى مشاهدة البروفة، واستلم الشاعر كور سعيد أجرته من هذه الأغنية.

الفنان أحمد قاسم والفنان فريد الأطرش بعدن
عندما وصل الفنان فريد الأطرش إلى عدن، بدعوة من كبير أسرة خدا بخش خان، الذي قام بتمويل الدعوة للفنان فريد الأطرش لإقامة احتفالات غنائية في عدن. وعقد في بيت آل خدا خش خان لقاء ودي، جمع عددا من الفنانين اليمنيين والفنان فريد الأطرش، واستمع الفنان فريد الأطرش إلى الإمكانات الفنية للفنانين الحاضرين، وفي إشادة للفنان فريد الاطرش، للفنان أحمد قاسم الذي أعجب بعزفه وصوته، وقال لكبير بيت خدا بخش خان: هذا الفنان، ويقصد أحمد قاسم، يجب أن يأتي إلى مصر ويدخل المعهد العالي للموسيقى في مصر. ونفذ كبير بيت خدا بخش وصية فريد الأطرش، ثم أرسل أحمد قاسم للقاهرة لدراسة الموسيقى بتمويل بيت خدا بخش خان، وكذلك قدّم التمويل المادي لفيلمه (حبي في القاهرة).
محاكمة الشاعر كور سعيد
أثناء تصاعد الصراعات في أبين، كتب الشاعر كور سعيد قصيدة ينتقد فيها التربية والتعليم، وبكلمات حادة، تطرق في انتقاده الأدبي لحالته المادية ومستوى أجره الشهري المتردي،
استعنى منها محافظ أبين السابق، الذي رأى أن هذه القصيدة تستهدفه، فأمر جهاز الأمن بإلقاء القبض على حراس الإذاعة في أبين، ولأن القصيدة جاء ذكرها من تلك الإذاعة فأراد المحافظ أن يؤدب كل الذين سمحوا بانتشار هذه القصيدة من الإذاعة، وخص بالذكر الشاعر كور سعيد الذي طلب محاكمته فوراً.

استغل الشاعر كور سعيد وجود الزعيم الوطني عمر الجاوي وكان يرأس تحرير مجلة الحكمة، وأطلعه على أمر محاكمته، حينها تدخل عمر الجاوي عند وزير العدل عبدالله غانم لعالجة موضوع محاكمة الشاعر كور سعيد، واتفق الجاوي مع وزير العدل أن يخفف الحكم عليه بإصدار العقوبة، ليكون الحكم مع (عدم التنفيذ)، وكانت الأغنية التي انتقد فيها مدير التربية هي (في الشغل عندي مشكلة).

غنى للشاعر كور سعيد عدد من الفنانين اليمنيين، بينهم الفنان فيصل علوي، وكتب الأناشيد الوطنية مثل قصيدة (يا فجر الثورة يا أكتوبر) كلمات الشاعر ولحنه، وفي غياب الفنان محمد عبدالله امسعيدي عن الحفل الفني، اضطر الشاعر كور سعيد أن يغنيها بنفسه، غنى هذه الأغنية الأخ عيدروس نصر، عضو مجلس النواب حاليا. واعتبرت الأناشيد الوطنية فيها المناسبات كلها في بصمات الشاعر كور سعيد.

وتمتعت مدينة الحضن محافظة أبين بجو غنائي لا مثيل له، حتى سميت مدينة الحصن بعاصمة الموسيقى في اليمن، إذ كانت تحفل بعدة فرق موسيقية كفرقة الحصن الشعبية وفرقة الريف (جعار) البوك وفرقة الصياد، وبعد ذلك دمجت في فرقة واحدة. إلى جانب تشكيل مجلة موسيقية تنتشر كل 29 يوما من الشهر.

واليوم يرقد الشاعر كور سعيد في غرفته المتواضعة، وأمامة الكمبيوتر الذي لا يفارقه، ويستقبل ضيوفه بروح شاعرية رغم ما يعانيه، كقوله: يمر نهر الزمان مرة تشرب منه وأخرى يمر دون أن نشرب منه وهو لا يضرنا ولا ينفعنا.
فهل من جزاء لدور هذا الرجل أم انه يظل ضمآنا ودون أن تمتد إليه الأيادي الحنونة والصادقة تنعش ذاكرته الشعرية وتحقق أحلامه التي لم يحققها له مجرى نهر الحياة.​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى